هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نعى المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا محادثات أستانا
بين الحكومة السورية والمعارضة. قال إن الطرفين أضاعا فرصة للتوصل إلى حل سياسي
للحروب المستمرة منذ سبع سنوات. وجاء نعيه عشية مغادرته منصبه، بعدما فشل في إدارة
الصراع، والأصح القول بعدما أفشله من عينه في منصبه، مثلما أفشل قبله كوفي أنان
والأخضر الإبراهيمي، عندما كان يراهن على إسقاط النظام بالقوة خلال أيام أو أسابيع
وتشكيل نظام جديد يقطع مع الماضي ويوقف العلاقات مع إيران ويتصدى لنفوذها في
العراق ولبنان.
كان
ذلك قبل التدخل الروسي وقلب موازين القوى على الأرض في لحظة تاريخية حاسمة استغلها
الكرملين لإعادة تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، مع ما يعنيه ذلك من صراع على
النفوذ واستغلال حروب وخلافات وتشكيل تحالفات إقليمية ودولية للسيطرة على موارد
الطاقة والتحكم بإمدادات النفط والغاز، فضلاً عن طموح موسكو التاريخي في الوصول إلى
المياه الدافئة، وسعي بوتين إلى استعادة دور الإتحاد السوفياتي السابق، وخرق حصار
الحلف الأطلسي المفروض عليه في أوروبا الشرقية وجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز.
وإذا
كانت روسيا قد استطاعت قلب المعادلات في سورية عبر دعم النظام عسكرياً على الأرض
وسياسياً في الأمم المتحدة إلا أنها تواجه تحالفاً قوياً تقوده الولايات المتحدة
التي تتدخل عسكرياً وسياسياً، بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا، لإيجاد صيغة تتيح لها
التأثير في مستقبل سورية ومنعها من العودة إلى لعب الدور الذي اضطلعت به قبل
الحروب فيها وعليها، عندما كانت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي قوة لا يمكن
تجاهلها في المعادلات الإقليمية. وقد جاءت الفرصة لتحجيمها و"تغيير سلوك
نظامها"، على ما يعلن المسؤولون الأميركيون. وتغيير السلوك يعني وضع دستور
جديد يفرض على دمشق، مثلما فرض "دستور بريمر" على بغداد.
لبلوغ
هذه الغاية كُلف دي ميستورا الإشراف على تشكيل لجنة دستورية "متوازنة ذات
صدقية تمتلكها وتقودها سورية وتيسر (عملها) الأمم المتحدة"، وأسف لعدم إحراز
"أي تقدم ملموس في التغلب على المأزق المستمر منذ عشرة أشهر".
واقع
الأمر أن الخلافات بين موسكو ومحورها من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة
أخرى، ليست على النصوص الدستورية ولا على شكل نظام الحكم رئاسياً أو برلمانياً، بل
على من يفرض نفوذه في سورية "الجديدة"، وعلى من يستطيع استتباع هذا
"المكون" السوري أو ذاك ومدى تأثير هذا المكون في المستقبل، فلتركيا
"أنصارها" المسلحون الجاهزون لتخريب أي مسار سياسي لا يرضي أطماعها، وهي
تحتل جزءاً من الشمال وبدأت تتركه وفرض مناهجها التعليمية فيه وتغيير أسماء
شوارعه، على ما أكد المندوب السوري بشار الجعفري، ولإيران "أنصارها"،
ولروسيا حصة الأسد، وللولايات المتحدة أكرادها المستعدين للانفصال وتشكيل كانتونهم
الخاص. وما الكلام على وحدة سورية أرضاً وشعباً سوى ورقة توت تخفي وراءها المزيد
من الصراعات السياسية والدموية.
صحيح
أن روسيا غيرت المعادلات على الأرض، لكن الآخرين ما زالوا يمتلكون أوراق قوة
يستخدمونها لتعطيل أي محاولة لإنهاء الحروب المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات. وفي
انتظار توافق واشنطن وموسكو سيبقى الإرهابيون ناشطين والسوريون يرسمون خريطة
النظام العالمي الجديد بدمائهم.
عن صحيفة الحياة اللندنية