هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.
لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.
يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية، نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.
يواصل اليوم الكاتب والباحث في الشؤون الفلسطينية، الدكتور ابراهيم حمّامي، في الجزء الثاني والأخير من عرضه لتجربة الحركة الإسلامية الفلسطينية، رصد مسار هذه الحركة، مركزا بالأساس على مرحلة ما بعد حصار غزة، والحروب التي واجهها الفلسطينيون جراء ذلك.
الإسلام السياسي الفلسطيني.. الاحتلال إذ يفرض أولوياته(2من2)
خلال كل مراحل نشأة الحركة الإسلامية الفلسطينية، وبغض النظر عن المواجهة المباشرة بين حركة "فتح" ومشروعها في السلطة الفلسطينية وكل التيارات السياسية الإسلامية، لم تتخذ الفصائل الأخرى ـ اليسارية تحديدا ـ موقفا حاسما، لأسباب عدة منها:
ـ الخلاف الأيديولوجي مع الإسلام السياسي.
ـ الاعتماد على المخصصات التي تحصل عليها من منظمة التحرير الفلسطينية.
ـ تهديدات قيادة السلطة بفرض عقوبات عليها.
ـ الخوف من عواقب أي تحالف مع الإسلاميين.
لم تستطع الحركات الإسلامية تحقيق أي نوع من التحالفات السياسية سواء بينها أو مع التيارات الأخرى، وبقيت حركة "حماس" تحديدا منفردة في تحمل تبعات إدارة قطاع غزة، رغم كل المحاولات لإشراك الآخرين في ذلك.
لكن بعد تعرض قطاع غزة للحصار والعدوان، ارتفعت بعض الأصوات للمطالبة بتحقيق نوع من التحالف أو حتى الاندماج بين حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، ربما كان أبرزها دعوة إسماعيل هنية بداية العام 2012 للاندماج بين الحركتين، وهو ما شهد عدة جولات بين الحركتين لسبر تلك الاحتمالية، لكن هذه المحاولات أيضا لم يُكتب لها النجاح لأسباب منها:
ـ المواقف السياسية المختلفة للطرفين خاصة في موضوع المشاركة السياسية، الانتخابات ومؤسسات السلطة وغيرها.
ـ الخشية من الذوبان التنظيمي، حيث دائما ما يخشى الفصيل الأصغر من ذوبان هويته في التنظيم الأكبر.
ـ تاريخ وعامل نفسي شهد منافسات ولسنوات، في إدارة المساجد وتبني العمليات العسكرية، بل ومواجهات ميدانية في بعض الأحيان، وإن بقيت محدودة جدا.
وعليه فإن العلاقة بين الطرفين بقيت علاقة تنسيقية أكثر منها علاقة تحالف.
خصوصية فلسطين
لا يمكن النظر لما سبق بأنه فشل في التحالفات أو عدم قدرة على تحقيقها بشكل مجرد من باقي العوامل، التي تضفي خصوصية على العمل داخل بلد ما زال يرزح تحت احتلال مباشر.
ففي الوقت الذي استطاع فيه تيار الإسلام السياسي تحقيق تحالفات انتخابية وكذلك تشريعية وتنفيذية ـ برلمان وحكومة ـ في بعض الأقطار العربية، كما حدث في الترويكا التونسية أو الحكومة المغربية بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية، تبقى التجربة الفلسطينية مختلفة تماما، وذات خصوصية فريدة.
من تلك الخصوصيات:
ـ قصر عمر التجربة السياسية، فالحركات والأحزاب الإسلامية في فلسطين ذات عمر قصير نسبيا، حركتا "حماس" والجهاد انطلقتا في ثمانينيات القرن الماضي.
ـ الاحتلال المباشر، حيث تعمل سلطات الاحتلال على إجهاض وضرب أي نتائج انتخابية من أي نوع لا تكون لصالح الاحتلال، وهو ما ظهر جليا باعتقال أعضاء المجلس التشريعي عن حركة "حماس" بعد انتخابات العام 2006، وهو ما عطل فعليا المجلس حتى يومنا هذا.
ـ السياسي والعسكري، وصعوبة الفصل بينهما بسبب وجود الاحتلال وحتمية مقاومته.
ـ وجود سلطة تنسق مع الاحتلال، ترفض الآخر وتعمل على استئصاله وتتحكم بكل المقدرات المالية وبالقرار السياسي، مما يجعل من الاستحالة نجاح أي مشاركة سياسية من أي نوع.
ـ الحصار المباشر، سواء الحصار المالي من خلال سياسات تجفيف المنابع، أو الحصار الميداني كما هو الحال في محاصرة مليوني فلسطيني في قطاع غزة.
ـ تصنيف الحركات الإسلامية إرهابية، وهو ما يحد من القدرة على التواصل إقليميا ودوليا، ويمنع عقد تحالفات.
ـ رفض عملية التفاوض وإفرازاتها، من منطلق عقائدي يرفض الإقرار باي شرعية للمحتل أو التنازل عن أي من الحقوق والمقدسات، ورغم دخول "حماس" الانتخابات التشريعية، إلا أنها دخلتها على قاعدة إنهاء أوسلو ورفض الاتفاقات الموقعة وعدم الإقرار بها.
تختلف تجربة الإسلام السياسي في فلسطين عن غيرها من التجارب العربية، ولم يُسجل أي نوع من التحالفات السياسية بين الحركات الإسلامية سواء فيما بينها أو مع التيارات الأخرى.
يمكن وضع التجربة السياسية للحركات الإسلامية هناك بأنها نوع من "الترف السياسي" غير القابل لإحداث أي تغيير حقيقي على الساحة بسبب العوامل المذكورة، لكن في الوقت نفسه يُحسب للحركات الإسلامية نجاحها في تحقيق هامش مناورة عال جدا رغم كل العوامل المعادية، أبقاها في صورة المشهد السياسي رغم قتامته.
وتبقى الأولوية لها جميعا مقاومة الاحتلال حتى تحقيق التحرير والعودة.