نشر المعلق الأمريكي نيكولاس كريستوف مقالا في صحيفة "نيويورك تايمز" عن محاورة له مع البروفيسور ويليام كريغ من الجامعة المعمدانية في هيوستن عن
المسيحية.
وطرح الكاتب، بحسب المقال الذي ترجمته "
عربي21"، أسئلة عن ولادة السيد المسيح، وقضايا دينية أخرى، حيث سأل البروفيسور كريغ عن ثقته بكون السيد المسيح هو ابن مريم
العذراء. فأجاب كريغ: أنا واثق، وعندما لم أكن مسيحيا، كنت أجد صعوبة في تصديق ذلك، ثم خطر لي تفكير أن الرب الذي خلق الكون لن يعجز عن جعل امرأة حاملا، فوجود الرب خالقا ومبدعا للكون (والذي لدينا أدلة جيدة عليه) يعني أن معجزة عرضية ليست غريبة.
ومن الناحية التاريخية، فإن قصة ولادة السيدة العذراء للسيد المسيح تمت الشهادة عليها من ماثيو ولوقا، وهي على خلاف الأسطورة الوثنية واليهودية. فما المشكلة في كل ذلك؟
وتساءل كريستوف عن السبب الذي يجعلنا لا نتقبل فكرة السيد المسيح معلما أخلاقيا دون الحديث عن المعجزات؟ فأجاب كريغ: "بوسعك عمل ذلك، ولكنك تفعله على حساب الدليل. فحكاية السيد المسيح ومعجزاته التي قام بها وشفاؤه المرضى أمر معروف في كل المصادر، لدرجة أن هناك إجماعا بين علماء السيد المسيح، وهو أنه كان نبيا يشفي المرضى ويحيي الموتى. وهذه تظهر أن السيد المسيح كان ينظر لنفسه على أنه ليس مجرد أستاذ أخلاقي.
وتساءل كريستوف عن قصة الخلق، وإن كان البروفيسور يؤمن بأن العالم خلق في ستة أيام، وأن حواء خلقت من ضلع أدم. فلو لم نتعامل مع كتاب التوراة العبرية (العهد القديم)، وأنهم نظروا إلى هذه القصص من ناحية حرفية، فلماذا لا نؤمن أن كتّاب العهد الجديد توسعوا فيها؟ فأجاب كريغ أن الأناجيل هي نوع مختلف من الأدبيات عن التاريخ الأصلي لقصة التكوين 1-11. وكما أكد الباحث في الأدبيات السريانية ثوركيلد جاكوبسن، فإن قصة التكوين 1-11 هي تاريخ مغلف بلغة رمزية للأسطورة، وهي نوع عرّفه بأنه "تاريخ- أسطوري". وبالمقارنة فإن الإجماع بين المؤرخين هو أن الأناجيل تنتمي إلى جنس أدبي من السير القديمة مثل "تواريخ اليونان والرومان" التي كتبها بلوتراخ، وهي تحاول تقديم رواية تاريخية موثوقة.
وتساءل كريستوف عن الطريقة التي يمكن من خلالها تفسير التناقضات في العهد الجديد، مثل رواية ماثيو عن شنق يهوذا نفسه. ولماذا التأكيد هنا على عصمة النص؟ فأجاب كريغ قائلا: إنه لا يؤكد على عصمة النص، بل يؤكد على ما وصفها سي أس لويس "المسيحية الأساسية"، أي جوهر المسيحية بين المسيحيين. وما يهم هو: هل الله موجود؟ هل هناك قيم أخلاقية موضوعية؟ وهل كان السيد المسيح ربا أم إنسانا؟ وكيف يمكن أن يساعد موته على صليب روماني على تجاوز الإثم الذي اقترفناه وأبعدنا عن الرب؟ هذه هي الأسئلة التي تهم، كما أشار إليها أحد الفلاسفة و"ليس كيف مات يهوذا؟".
وتساءل كريستوف عن إيمان بعض الناس بزيوس وشيفا وكريشنا، وغيرها من الآلهة المتعددة. والسؤال هو: هل علينا تعليق إيماننا بالعلم والعقلانية عندما نواجه المعجزات؟ وأجاب كريغ: "لا أفهم هذا، لماذا علينا أن نعلق تأكيدنا على العلم والعقلانية بسبب وجود أدلة ضعيفة ومزاعم خاطئة في ديانات أخرى؟ وأنا من دعاة "الدين العقلاني"، الذي يحاول تقديم رؤية شاملة عن العالم تأخذ بعين الاعتبار أفضل الأدلة من العلوم والتاريخ والفلسفة والمنطق والرياضيات. فبعض النقاشات التي تبنيتها عن وجود الرب والكون المحكم تجذب أفضل الأدلة في العلم المعاصر. ولدي انطباع أنك ترى تناقضا بين العلم والإيمان بالمعجزات. ولو كان هذا هو الحال، فأنت بحاجة لأن تقدم دليلا على هذه النتيجة. فالجدال الشهير الذي قدمه ديفيد هيوم ضد المعجزة يعترف به اليوم فيلسوف العلم جون إيرمان بأنه "فشل ذريع" ولم يحاول أحد عمل أفضل من هذا".
وقال كريستوف موجها الحديث إلى البروفيسور كريغ: أنت مسيحي إنجيلي، وعليّ الاعتراف أن المتدينين يتبرعون للجمعيات الخيرية أكثر من غير المتدينين، ويتطوعون أكثر. ولكنني أشعر بالقلق من أن
الإنجيليين يتظاهرون بالأخلاقية، ويركزون على موضوعات لم ينبس السيد المسيح عنها ولا كلمة واحدة، مثل المثليين والإجهاض. وفي الوقت نفسه لا يبالون بالفقر وعدم المساواة والتعصب وغيرها من الموضوعات التي كانت مركزية في تعاليم السيد المسيح.
وهنا أجاب كريغ: "نعم، أستمع لك وأشعر بالرعدة عندما يقدم الإعلام شخصا باعتباره المتحدث باسم المسيحية، ويتجاهل المسيحيين المثقفين والفصحاء، ويركز على نجوم التلفزة الإنجيليين المتحمسين. وعليك أن تعرف أن الكنيسة المسيحية لا تشارك في الدفاع عن حرمة الحياة والزواج، بل وعن مجموعة من القضايا الاجتماعية، مثل مواجهة الفقر، وإطعام المشردين، والعناية الصحية، ومساعدة المتضررين من الكوارث، وبرامج الأمية، وتقوية الأعمال الصغيرة، والدفاع عن حقوق المرأة، وحفر الآبار، خاصة في العالم النامي. وبصدق فالمسيحيون حصلوا على تغطية صحافية سيئة".