توقع اقتصاديون وسياسيون أن
تتوسع حملات
المقاطعة الاقتصادية التي تشهدها
مصر مؤخرا، والتي بدأت بحملات مقاطعة
الخضر والفاكهة تحت شعار "خليها تعفن"، لتصل لحملة "خليها
تصدي" التي تشهد تفاعلا من المصريين ضد استمرار غلاء أسعار
السيارات، رغم
إلغاء الجمارك على الواردات الأوروبية منذ بداية العام الجاري.
وحسب بيان منظمي حملة
"
خليها تصدي"، فإن تجار السيارات يتلاعبون بالأسعار، ولا يريدون إقرار
التخفيضات الناتجة عن إلغاء الجمارك على الماركات الأوروبية أو ذات المنشأ الأوروبي،
وأن التخفيضات التي جرت منذ بداية العام استفاد منها الأغنياء فقط، بينما الطبقات
المتوسطة والعادية لم يشعروا بأي فروقات ملموسة.
وتؤكد الحملة التي بدأت
نشاطها قبل ثلاث سنوات ثم توقفت بعد عام، لتعاود نشاطها مرة أخرى مع بداية العام
الجاري، أن هدفها هو أن يشكل المصريون وسيلة ضغط ضد جشع التجار الذين رفعوا أسعار
السيارات بشكل مبالغ فيه، ويصرون على التلاعب بالأسعار بما يحافظ على المكاسب نفسها التي كانوا يحققونها قبل إلغاء الجمارك.
ووفقا لخبراء السيارات، فإن
الحملة نجحت في أن يستمر ركود سوق السيارات رغم الانخفاضات التي شهدها العديد من
الماركات الأوروبية الجديدة، ورغم الدعاية التي يقوم بها وكلاء السيارات وشركات
البيع الأخرى بأن هذه التخفيضات هي الأخيرة، ولن يكون هناك مزيد منها، بينما
الواقع يؤكد أن التجار سوف يضطرون لمزيد من التخفيضات لإنعاش السوق.
وفي تعليقه على هذه الحملات، يؤكد عضو البرلمان المصري السابق طارق مرسي لـ"
عربي21" أن "الشعب
المصري مارس فكرة المقاطعة السياسية والاقتصادية بشكل طبيعي نتيجة شعوره بالأجواء
المحيطة به، والحالة الأبرز في ذلك كانت العزوف عن الانتخابات الرئاسية التي جرت
في آذار/ مارس الماضي، رغم الإرهاب الذي مارسه نظام عبد الفتاح السيسي لمشاركة
الجماهير في مسرحيته المفضوحة".
ويضيف مرسي أن "المحرك
الأساسي للمقاطعة هو شعور المواطن بالظلم، ولكن الكيفية التي يترجم بها ذلك تختلف
حسب الظروف المحيطة به، ولذلك فإن دعوات المقاطعة التي يدعو لها البعض في الجانب
الاقتصادي تشهد تجاوبا أكثر من الحملات الأخرى المتعلقة بالسياسة".
وعن توجيه هذه الحملات ضد
التجار وليس ضد الحكومة، يوضح البرلماني السابق أن السبب في ذلك أن الحكومة تقوم
بتصدير الأزمة والمشكلة للتجار حتى لا تظهر في الصورة، ولكن الحقيقة أنها المسؤولة
الأولى عن جنون الأسعار الذي يضرب كل شيء بمصر سواء في متطلبات الأكل والشرب
والعلاج، أو السيارات والعقارات، نتيجة الضرائب التي تفرضها على السلع من جهة،
ولغياب الرقابة والمتابعة والمحاسبة وضبط الأسواق من جهة أخرى".
ويرى مرسي أن "هذا
الدور الذي تقوم به الحكومة سوف ينقلب عليها في القريب العاجل، لأن هناك سلعا
وخدمات تمثل علاقة مباشرة بينها وبين المواطن، مثل أسعار الكهرباء والمياه والغاز
والبنزين والسولار، وأسعار المواصلات العامة، وهي خدمات أساسية يؤدي ارتفاعها
لارتفاع باقي السلع والخدمات".
"وقود ذاتي"
وفي إطار متصل، يؤكد الخبير
الاقتصادي سمير أو الخير لـ"
عربي21" أن "زيادة حملات المقاطعة غير
الموجهة سياسيا، تحقق نجاحا عن مثيلتها التي يتم الدعوة لها عن طريق أحزاب أو قوى
سياسية، وهو ما يمثل مؤشرا مهما على النتائج المستقبلية لمثل هذه الحملات".
ويشير أبو الخير إلى أن نجاح كل
حملة يساعد التي تليها في تحقيق نجاح أكثر، ومن ثم "تشكل في مجموعها ما
يشبه الوقود الذاتي للمقاطعة العامة بعد ذلك"، وهي من وجهة نظر أبو الخير،
قادمة لا محالة، نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي تسير بسرعة جنونية نحو الانهيار.
وعن المؤشرات التي تعلن
عنها الحكومة والهيئات الدولية عن تقدم الوضع الاقتصادي بمصر، يؤكد الخبير الاقتصادي
أن التقدم الاقتصادي له عدة دلالات، أبرزها قوة العملة المحلية، وتوفر فرص العمل،
بما يؤدي لتراجع معدلات البطالة، وزيادة معدلات النمو السنوي، وتراجع معدلات
التضخم الشهري والسنوي، ووجود فائض في الموازنة، أو على الأقل ألا يتجاوز عجز
الموازنة الحدود الآمنة، وتدفق الاستثمارات الأجنبية، ووجود مشروعات صناعية
حقيقية.
ويضيف أبو الخير أن "كل
الدالات السابقة ليس لها وجود في الحالة المصرية، التي تشهد انهيارا في عملتها
المحلية، وتزايدا بمعدلات الفقر بلغ مستويات خطيرة، وتراجعا في معدلات النمو التي
توقعها صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية، بالإضافة لغياب شبه كامل للاستثمارات
الأجنبية والمحلية، وتحويل الاقتصادي المصري إلى ما يشبه سوق للعقارات فقط".
ويرى أبو الخير أن سياسة
الحكومة المصرية بتصدير أسباب ارتفاع الأسعار لجشع التجار، لن يستمر طويلا في
تهدئة الجماهير، في ظل السيولة التي تشهدها المعلومات الحقيقية المتعلقة بالوضع
الاقتصادي المصري.