هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط كريم فهيم، يقول فيه إن الكنوز التاريخية تغطي مساحة من المملكة العربية السعودية أكبر من بحيرة أونتاريو، حيث تبرز مدينة موتى نبطية من قلب الصحراء، وحقل مليء بالأعمدة الصخرية العالية، ومحطة قطار عثمانية، وكتابات على الصخور تعود إلى آلاف السنين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المنطقة عبارة عن مزيج من الجمال الطبيعي والآثار التي تعود لآلاف السينن من سكن البشر هناك، وطرق القوافل لتجار البخور والحجاج، مستدركا بأن الموقع يجد صعوبة في الحصول على زوار من خارج هذه المملكة المدللة، باستثناء بعض السكان المحليين وبعض السياح الشجعان وعلماء الآثار، الذين قضوا سنوات من البحث في تلك الآثار، والآن يقول حكام السعودية إنهم قرروا السماح العالم بالدخول إلى هذه الأماكن.
ويقول فهيم إن الأماكن الجذابة حول مدينة العلا هي حجر الأساس في الجهود المخطط لها لدعوة السياح الأجانب لزيارة البلاد، بالإضافة إلى ملايين الحجاج المسلمين الذين يزورون مقدساتهم في تلك البلاد كل عام، مشيرا إلى أنه مثل الكثير من التغييرات التي تحصل في تلك البلاد، فإن الخطة تستهدف بشكل رئيسي تحسين الاقتصاد عن طريق موارد غير النفط.
وتجد الصحيفة أن المبادرة الطموحة، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ستواجه تحديات في أفضل الأوقات، حيث ستعتمد على استطاعة الحكومة التخلي عن حذرها من الزوار الأجانب، وعلى العالم الخارجي أن يراجع نظرته للسعودية على أن مجتمعها محافظ للغاية.
ويستدرك التقرير بأن التحديات أصبحت أكثر حدة في الفترة الأخيرة، فقد قوضت حملة الحكومة ضد المعارضين ومن تعدهم الحكومة السعودية أعداء، طموحاتها لانفتاح أكبر على العالم، بالإضافة إلى أن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول في شهر تشرين الأول/ اكتوبر الماضي أدى الى انتقادات دولي لحملة المملكة ولولي العهد، الذي ألقي عليه باللائمة لأمره بقتل الصحافي، فيما تقول السعودية بأن الأمير محمد بن سلمان لم يعرف عن مؤامرة القتل، مع أن أقرب مستشاريه متورط فيها.
ويلفت الكاتب إلى أن العديد من الشركات الأجنبية نأت بنفسها عن مبادرات محمد بن سلمان بعد جريمة القتل، بما في ذلك مشروع يروج للفن والسياحة والثقافة، الذي تبناه آلاف السعوديين.
وتنقل الصحيفة عن العالمة المتخصصة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن كريستين سميث ديوان، قولها: "توجد إمكانيات كبيرة للسياحة في المملكة لأنها لم تتطور بعد .. والسعوديون متعطشون للمساحات العامة والنمو الثقافي، لكن هناك حواجز اجتماعية ومخاوف من جذب عملاء دوليين"، وتضيف ديوان أن "سجن الناشطات لا يساعد.. وقتل صحافي مشهور لا يساعد أيضا"، في إشارة منها إلى السجن على مدى الثمانية أشهر الماضية لأبرز الناشطات الحقوقيات في السعودية.
ويفيد التقرير بأن المسؤولين السعوديين يحاولون الدفع قدما بمبادرات ولي العهد؛ أملا في أن تقلل الأنشطة الثقافية الكبيرة من النقد القادم من الخارج، مشيرا إلى أن السعودية بدأت مؤخرا بإصدار تأشيرات الزيارة إلكترونيا، ما سمح لمئات الزوار الأجانب بأن يزوروا البلد في كانون الأول/ ديسمبر، وحضور سباق سيارات في العاصمة السعودية الرياض، بما في ذلك حفلات لمغنين غربيين وعرب.
ويذكر فهيم أنه سيتم تطوير مدينة العلا بصفتها محورا لمبادرة السياحة، فيما يعتقد المسؤولون القائمون على تطوير المشروع بأن بإمكانهم جذب مزيج من السياح الثقاقيين والسياح البيئيين من الغرب، وزوارا من بقية دول الخليج، وسعوديين حريصين على توسيع معرفتهم بإرثهم الحضاري، ليتضمن الحقبة الجاهلية التي تم طمسها لعقود من القيادة السياسية والدينية المحافظة.
وتورد الصحيفة نقلا عن دليل سياحي في مدينة العلا، عاشت عائلته لأجيال طويلة في المنطقة التي تعج بالثقافة، لكن سكانها يعانون من بطالة عالية، ويدعى أحمدالإمام، قوله: "لقد علمنا دائما أن لدينا موقعا تاريخيا مهما، لكن لا أحد يعرف عنا.. فنأمل أن تكون لنا فرص أكبر".
وينوه التقرير إلى أن لجنة ملكية تقوم بأمر من ولي العهد بتجهيز الموقع لاستقبال السياح خلال السنوات القليلة القادمة، فيما هناك خطط لبناء منتجعات، ويتم تدريب السكان على العمل مع السياح، وتقوم فرق علماء الآثار والباحثين بمسح المواقع التاريخية والملامح البيئية على مدى حوالي 9 آلاف ميل مربع، لافتا إلى أن هناك مهرجانا شتويا قيد التنفيذ، باعتباره افتتاحا مبدئيا للموقع، حيث سيظهر فيه مغنون وفنانون أجانب.
ويقول الكاتب إن رئيس اللجنة التنفيذي عمرو المدني، يقوم بزيارة الموقع عدة مرات في الشهر، ومعه مساعدوه والمقاولون المحتملون، ويأمل أن يكون أول الزوار الذين سيجذبهم للمنطقة هم السعوديون، المواطنون والمغتربون، مشيرا إلى أن الهدف خلال أربع سنوات أن يكون نصف زوار الموقع من الناس الذين يعيشون على بعد أقصاه ست ساعات طيران من السعودية.
وتبين الصحيفة أن أهم المواقع السياحية ستكون مدائن صالح النبطية، التي تعد المدينة الشقيقة لمدينة البتراء في الأردن، والمؤلفة من أكثر من 130 قبرا ذات واجهات لها أعمدة منحوتة في الصخر، مستدركة بأن القليل من الناس من يعرفون أن مدائن صالح تحتوي على قبور تعود إلى العصر البرونزي، والعاصمة التاريخية لمملكة دادان، أو وجود أدلة على وجود موقع متقدم جنوبا للإمبراطورية الرومانية.
وينقل التقرير عن المدني، قوله: "قد ننفعل بخصوص التراث والطبيعة.. لكن الفكرة الحقيقية هي التنويع الاقتصادي"، وتحدث عن إمكانية إنتاج المنطقة للتمر أو الزيوت النباتية، لافتا إلى أن الحكومة تقدم بعثات لأكثر من 160 طالبا لدراسة السياحة ولصناعة الضيافة في جهد لتوفير الوظائف المحلية.
ويقول المدني إنه بالرغم من إمكانيات مدينة العلا وغيرها من المواقع التاريخية في أنحاء السعودية، إلا أن الحكومة، التي تحد السفر إلى المملكة بشكل كبير، لم تعد السياحة ذات أهمية للاقتصاد، وأضاف أن تراث المملكة السابق للإسلام كان "مهمشا".
ويشير فهيم إلى أن الخطاب المتعلق بتاريخ المملكة ركز على مدى عقود على الحقبة الإسلامية من القرن السابع، بالإضافة إلى تاريخ العائلة المالكة، لافتا إلى أن العقيدة المحافظة، التي كانت تتبناها السعودية، تعد أي حفاظ على المواقع الأثرية قبل الإسلام نوعا من الوثنية، ما أدى إلى تدمير العديد من الآثار والعمار السابق للإسلام، الذي يعود للفترات الإسلامية الأولى.
وبحسب الصحيفة، فإن الحكومة حصلت على إشادات بسبب اتخاذها إجراءات أكثر على مدى العقد الماضي لحماية الآثار قبل الإسلام، وقالت مديرة اللجنة للشؤون الأثرية ريبيكا فوت: "تم تشجيعنا على اكتشاف ما نستطيع اكتشافه.. فإرادة معرفة كل شيء عن المكان، وتوفير الإمكانات والدعم لذلك، وعلى هذا المستوى، أمر غير مسبوق".
ويورد التقرير نقلا عن فوت، قولها إنه عندما بدأت باحثة الآثار الفرنسية المتخصصة ليلى نعمة، في العمل في الموقع قبل 16 عاما، فإنه "لم يكن هناك أحد يعمل في المكان.. وكان الموقع غير ملموس تقريبا، وهو ما يحلم به أي عالم آثار".
ويلفت الكاتب إلى أن نعمة وغيرها من علماء الآثار اكتشفت أن المنطقة تشكل أبعد نقطة إلى الجنوب وصلتها الإمبراطورية الرومانية، مشيرا إلى أنه من خلال دراسة 150 نقشا تعود للقرن الثالث، فإنهم وجدوا أدلة على تحول النصوص النبطية إلى العربية.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن السعوديين يعرفون عن الموقع المذكور في القرآن، وتقول نعمة: "إن الجديد بالنسبة لهم هو فكرة أن هذا جزء من تاريخهم وتراثهم الوطني.. وهذا سيأخذ وقتا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)