هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
برزت أزمة هدم وإزالة مناطق بعينها في مدينتي القاهرة والجيزة بمصر، وإخلائها من سكانها الأصليين، مجددا مع إصرار السلطات المصرية على استكمال مسلسل الهدم والإجلاء بدعوى تطوير تلك المناطق من خلال ضخ استثمارات أجنبية فيها.
وقالت الحكومة المصرية إن هدفها هو تطوير مناطق جزيرة الوراق، ومثلث ماسبيرو، بالقاهرة، ونزلة السمان بهضبة الأهرامات، بالجيزة، في حين يقول منتقدوها أن هذا التطوير يعصف بحقوق البسطاء والفقراء من المصريين.
استغلال البسطاء
وقال حقوقيون وخبراء لـ"عربي21" إن تعامل السلطات المصرية مع أهالي تلك المناطق الحيوية أثريا وسياحيا وتجاريا، يكشف حقيقة الوجه الآخر لنظام السيسي، الذي يستغل عجز تلك الطبقة وضعفها لصالح الاستثمار، وملء خزائن النظام، بالمخالفة للقانون.
وأكدوا أن عملية الإزالة والإخلاء تخللتها انتهاكات كبيرة بحق أهالي تلك المناطق، سواء من خلال استخدام فزاعة السجن، وترويعهم بجحافل قوات الأمن، وهضم حقوقهم بعدم صرف تعويضات مناسبة، وإيجاد سكن ملائم، وإشراكهم في نتائج التطوير المزعوم.
وبعد محو مثلث ماسبيرو خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون من الوجود، لم يتبق سوى الانتهاء من إزالة جزيرة الوراق على النيل بالقاهرة، ونزلة السمان على هضبة الأهرامات بالجيزة اللتان تشهدان مناوشات بين الأمن والأهالي من الحين والآخر.
وقبل يومين، تظاهر العشرات من أهالي جزيرة الوراق على معدية الجزيرة، رفضاً للحصار المفروض عليهم، بالتزامن مع نظر القضاء الإداري جلسة الطعن المقدم من الأهالي على قرار الحكومة الخاص بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أرض الجزيرة.
وتقوم قوات الأمن من وقت لآخر بتنفيذ عمليات هدم وإزالة لمجموعة من المنازل بدعوى المخالفة قرب الأهرامات بمنطقة نزلة السمان تارة، وفي جزيرة الوراق بالنيل، تارة أخرى، وسط احتجاجات واعتراضات الأهالي.
مصالح ومفاسد
وقال الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، لـ"عربي21" إن "ما يحدث هو نتيجة مطامع قديمة منذ عهد مبارك لمجموعة من الدول ورجال الأعمال حول السلطة"، موضحا أن "التوسع الحضري في القاهرة والجيزة أدى إلى وقوع تلك المناطق في قلب الكتلة السكنية؛ ونتيجة انعدام التخطيط العمراني وإهمال الدولة وفساد المحليات نمت تلك المناطق محرومة من أبسط الحقوق رغم وقوعها في أماكن أثرية وسياحية شديدة الأهمية".
وأوضح أن "الدولة نجحت في إخراج المواطنين من مثلث ماسبيرو وفق إجراءات شبه قانونية استخدمت فيها القوة والتعويضات، فيما فشلت أمام إصرار أهالي جزيرة الوراق وأعدادهم الكبيرة، ولجأت إلى البلطجة في نزلة السمان بالهرم".
واتهم ذكر الله الحكومة المصرية بالتلاعب بالمواطنين، قائلا: "زعمت الدولة تحت يافطة القضاء على العشوائيات، والسطو على مشروع سكني جاهز، ونقل السكان إليه، وتسويق الأمر على أنه بداية القضاء عليها".
وأشار إلى أنها "كانت البداية لأزمة الاستيلاء على القطع الثلاث الأكثر أهمية والمخصصة سلفا لدول محددة ومعروفة منذ سنوات تطمح لخلق تاريخ ومكانة لم توفرها تاريخها وجغرافيتها المحدودة".
ورأى الخبير الاقتصادي أن "بيع هذه الأراضي سيدر مليارات الدولارات على خزينة الدولة المأزومة، ولكن السؤال المهم، هو لماذا دائما يكون علاج عجز الموازنة من جيوب الفقراء، ولماذا لا يتم التعامل بشفافية ووضوح، ووفق الأسعار السوقية مع المتضررين من هذه الإجراءات؟".
نهج العسكر
وبشأن نهج الحكومة المصرية في إخلاء مناطق، مثلث ماسبيرو جزيرة الوراق ونزلة السمان، أكدت مسؤولة الملف المصري في منظمة "هيومن رايتس مونيتور"، سلمى أشرف، أنه "تعد على حقوق المواطنين وإهدار لكرامتهم".
وفي تصريحات لـ"عربي21" رأت أن "تعامل الأمن والقضاء مع أهالي تلك المناطق وترويعهم إما بالحبس أو السحل "هو تكرار لما حدث في سيناء من إخلاء قسري وتهجير للأهالي"، لافتة إلى أن "الدولة لم تمنحهم السكن المناسب، والآن تقوم بإجلائهم من منازلهم إلى الشارع حيث لم تقم بتعويض أحد بمسكن آخر".
واستهجنت الحقوقية الدولية نهج السلطات المصرية في استخدام عصى الأمن والقضاء، قائلة: "الدولة العسكرية التي نعيش فيها لا تعمل حساب القانون، بل كل ما تصدره هو أوامر ظالمة تبدأ بترويع ثم طرد ثم إخلاء ثم سحل ثم اعتقال، هذه هي العقلية الحاكمة الآن في مصر".
وأكدت أنه "لا يحق في أي قانون في العالم طرد المواطنين من مساكنهم دون أي سبب، ولكن حيث أصبح القانون في يد العسكر فهناك تلاعب كبير يمكن أن يستغل به القانون، على الرغم من أنه ليس بحاجة إلى ذلك مادام كل التعامل بالسلاح".