هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يبدو أن الأزمة السياسية الفنزويلية التي تفاقمت وتيرتها أخيراً على خلفية إعلان رئيس البرلمان، خوان غوايدو، نفسه رئيساً موقتاً للبلاد بدعوى أن الانتخابات الرئاسية التي أجريت العام الماضي وحصل مادورو بموجبها على ولاية رئاسية ثانية كانت مزورة. وهي الخطوة التي قوبلت بترحيب الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وكثير من دول أميركا اللاتينية. ومن ثم فرضت تلك الأزمة نفسها على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، فيما امتدت أصداؤها لتطال دول الشرق الأوسط، التي تباينت مواقفها حيال ما تشهده فنزويلا.
فمن جانبها، وتوخياً منها لتوثيق علاقاتها الخاصة بواشنطن من جانب، فضلاً عن توجيه ضربة قاصمة للتقارب المزعج ما بين كراكاس وكل من إيران والفلسطينيين من جانب آخر، اعترفت إسرائيل رسمياً بالحكومة الفنزويلية الموقتة، استجابة لطلب أميركي. وبينما أشارت تقارير إلى مماطلة إسرائيل في الإعلان عن موقفها هذا خشية أن يقدم نظام مادورو على تبني إجراءات انتقامية بحق الجالية اليهودية في فنزويلا. ويُعتبر مادورو كما سلفه شافيز، الذي قطع العلاقات مع إسرائيل عقب عدوانها على غزة في عام 2009، من أشد المنتقدين للدولة العبرية.
وفي السياق ذاته، ورداً منها على موقف كراكاس غير المرضي لها من أزمة الصحراء الغربية، اختارت المملكة المغربية أن تتصدر المواقف الرسمية العربية المؤيدة لزعيم المعارضة الفنزويلية، حيث أصدرت بياناً، أعربت فيه عن دعمها لرئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية خوان غوايدو، ورحبت بالتدابير التي اتخذها «من أجل الاستجابة للتطلّعات الشرعية للشعب الفنزويلي».
في المقابل، جسَّدت كل من روسيا وإيران والسلطة الفلسطينية ما يمكن أن يوصف بجبهة التأييد لمادورو. فانطلاقاً من حرصها على الاحتفاظ بموطئ قدم أيديولوجي وجيواستراتيجي مهم في أميركا الجنوبية، هبطت قاذقتا قنابل روسيتان قبل نهاية العام الماضي على أرض فنزويلا، ما أثار غضب واشنطن. وأعلنت موسكو دعمها لمادورو، الذي وصفه الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بـ»الرئيس الشرعي المنتخب»، منتقداً ما اعتبره اغتصاباً للسلطة من جانب المعارضة. وحذر بيسكوف واشنطن من «السيناريو الكارثي والخطير جداً المتمثل في التدخل العسكري في فنزويلا».
كذلك، شدَّدت الخارجية الروسية على حماية مصالحها وفقاً للقانون الدولي، وأكدت وقوف موسكو مع كاراكاس؛ «لحماية سيادتها وصوناً لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى»، فيما حذَّر النائب الروسي فرانز كلينزيفيتش، من أن موسكو قد توقف تعاونها العسكري مع فنزويلا، إذا أطيح بمادورو. وأشار مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، إلى أن «سياسة تغيير الأنظمة التي تتبعها واشنطن تقوض الأمن الدولي وتدفع أعضاء الأمم المتحدة إلى الحديث عن انتهاك المنظومة»، محذراً من «الفوضى العارمة التي باتت تحاصر منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا».
ورداً على مساعي واشنطن لتكثيف الضغوط على نظام نيكولاس مادورو وحمل الحكومة الفنزويلية على تغيير سلوكها، عبر فرض عقوبات على شركة النفط الوطنية الفنزويلية، بعدما اتهمتها وزارة الخزانة الأميركية في بيان إعلانها عن العقوبات، بأنها واحدة من الكيانات المسؤولة عن «التدهور المأساوي» للبلاد، وأنها كانت لفترة طويلة «وسيلة للفساد وتدبير مخططات تهدف إلى اختلاس بلايين الدولارات من أجل المكاسب الشخصية للمسؤولين الفنزويليين ورجال الأعمال الفاسدين». وسارعت موسكو بإدانة تلك العقوبات، ووصفتها بـ»غير القانونية». وقال ديمتري بيسكوف إن «السلطات الشرعية في فنزويلا وصفت بالفعل هذه العقوبات بأنها غير قانونية، كما تعد تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية الفنزويلية، وتنم عن حالة منافسة غير قانونية». أما إيران، المتلهفة لعدم فقدان حليفها الفنزويلي، فقد سارعت إلى دعم مادورو، وإدانة السياسة الأميركية حياله رافضة أي محاولة لتغييره في شكل غير قانوني. واعتبرت طهران الموقف الأميركي من أزمة فنزويلا «تدخلاً مباشراً في شؤونها الداخلية». ولم يكتف نظام الملالي بذلك، وإنما أوعز إلى الميليشيات الموالية له، على غرار «حزب الله»، لتبني موقف مشابه من الأزمة في كراكاس. وأعلنت طهران كذلك دعمها مساعي بعض الدول للتوسط من أجل تسوية الأزمة الفنزويلية سياسياً، كالمكسيك وأوروغواي. ويأتي هذا الموقف الإيراني انطلاقاً من اعتبارات عدة، أبرزها: التفاهمات القوية التي تجمع كراكاس وطهران منذ عهد الرئيس السابق هوغو شافيز حول قضايا شتى، على نحو دعم إيران جهود فنزويلا لتشكيل تحالف لاتيني مناهض للسياسة الأميركية، عرف بـ«التحالف البوليفاري» عام 2004.
ولم تدخر كراكاس وسعاً في دعم المواقف الإيرانية إزاء قضايا عدة كالأزمة السورية والبرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين. وعلاوة على تفاقم مخاوف النظام الإيراني من انتقال عدوى أزمة فنزويلا إلى طهران عبر تنفيذ واشنطن تهديداتها بدعم جهود المعارضة الإيرانية للإطاحة بنظام الولي الفقيه، تستشعر دوائر رسمية إيرانية في إطاحة مادورو إضعافاً لما تسميه بـ»محور الممانعة» الدولي، إلى الحد الذي من شأنه أن يفت في عضد قدرة طهران على التصدي للضغوط الأميركية الهائلة، التي تلاحقها منذ سنوات، سواء بجريرة سياساتها الاستفزازية والعدوانية في محيطها الإقليمي، أو على خلفية مضيها قدماً في تطوير برامجها النووية والصاروخية في تحد سافر للمجتمع الدولي، بالتزامن مع تصاعد وتيرة الخلافات الإيرانية الأوروبية جراء ضلوع الاستخبارات الإيرانية في تنفيذ عمليات إرهابية لتصفية بعض عناصر المعارضة الإيرانية في أوروبا، رغم تمسك الطرفين هذه الأيام بتفعيل آلية الأغراض الخاصة التي يمكن من خلالها مواصلة التعاملات التجارية في ظل العقوبات الأميركية.
عن صحيفة الحياة اللندنية