هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتبة سيمونا فولتين، تقول فيه إنه عندما ألقى عادل عبد المهدي القسم الدستوري، في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2018، لتسلم رئاسة الوزراء فإنه تعهد بمكافحة الفساد، ومعالجة نقص الكهرباء والماء، وخلق وظائف في القطاع الخاص، ووضع حد لنظام المحسوبيات السياسية، الذي تسبب في تعثر العراق ومنعه من خدمة شعبه.
وتقول فولتين في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إن "أجندة عبد المهدي كانت طموحة كما كانت ضرورية، وسعت إلى تهدئة الغضب الشعبي بعد أسوأ مظاهرات ضد الحكومة تجتاح البلاد خلال سنوات، التي أشعلتها أزمة حادة في المياه والصرف الصحي في جنوب العراق، نتجت عن سنوات من الإهمال وسوء ادارة الموارد العامة، ووعد رئيس الوزراء أن يختار وزراءه بدلا من قيام الأحزاب السياسية باختيارهم، وكان يهدف لإعادة الثقة في العملية السياسية، التي أصبح الكثير من العراقيين يعتقدون أنها فاسدة وغير ديمقراطية".
وتستدرك الكاتبة بأنه "مع اقتراب 100 يوم على تسلمه المنصب فإنه يبدو أن عبد المهدي وأجندته الإصلاحية أصبحا يترنحان، فقد استطاع أن يختار عددا صغيرا من الوزراء بحرية، ومع أن هناك 4 وزارات خالية بسبب المساومات الحزبية، حيث يصر كل على مرشحيه، بالإضافة إلى أن خطة الميزانية التي وضعها لاقت انتقادا واسعا؛ بسبب فشله في تحويل الموارد بعيدا عن الرواتب وقطاع الأمن إلى قطاع الخدمات والزراعة والتطوير الصناعي، واعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب في شمال البلاد".
وتجد فولتين أنه "مع ذلك، فإن الدورة السياسية الحالية أعطت سببا للأمل بأن الديمقراطية في العراق بدأت بعد 14 عاما تصل إلى مرحلة النضج، فلأول مرة لم يأت رئيس الوزراء من حزب الدعوة، وتم انتخاب الرئيس في البرلمان بناء على الدستور مقارنة مع الدورات السابقة، التي كان يتم فيها اختيار الرئيس في مفاوضات متعكرة خلف الكواليس، ولأول مرة فإن الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان هما تحالفان عبر طائفيين، حيث يضمان أحزابا شيعية وسنية وكردية".
وتشير الكاتبة إلى أنه "بالرغم من هذه المؤشرات المشجعة، فإن فشل مهدي في ملء الشواغر في حكومته يتسبب بتآكل ثقة الشعب فيه، ويقول عنه الكثير من العراقيين في الشارع إنه (ضعيف)، وغير قادر على الصمود في وجه المصالح السياسية القوية".
وتلفت فولتين إلى أن "عبد المهدي سياسي مستقل اختار ألا يترشح لانتخابات أيار/ مايو 2018، وكان حلا وسطا بصفته مرشحا للرئاسة اتفقت عليه أكبر كتلتين شيعيتين في البرلمان: كتلة الإصلاح التي يقودها حزب (سائرون) التابع لمقتدى الصدر، وكتلة البناء، التي تضم الجناج السياسي للحشد الشعبي، الذي يضم عدة مجموعات مرتبطة بالجارة إيران".
وترى الكاتبة أنه "في ظل غياب تفويض شعبي، فإن شرعية عبد المهدي تبدو معتمدة على الحفاظ على تأييد الكتلتين، وهو مصدر ضعف بحسب بعض المراقبين".
وتنقل المجلة عن المحلل السياسي والأمني هشام الهاشمي، قوله: "إنه فشل في عمله رئيسا للوزراء؛ لأن القوى السياسية التي جاءت به إلى هذا المنصب تتحكم به في الواقع.. إنهم هم من منحوه الشرعية وهم من يهددونه بسحبها".
وتنوه فولتين إلى أنه "مع أن الكتلتين وافقتا على إعطاء رئيس الوزراء الحرية في تعيين حكومته، إلا أن عبد المهدي استطاع أن يعين خمسة وزراء تكنوقراط من 22 وزارة، أما بقية الوزراء فرشحوا من الأحزاب، بحسب نظام التعيين الذي يسمح لكل حزب بعدد وزراء يتناسب مع وزنه في البرلمان، وهذا ليس ملزما قانونيا، لكن هذا أصبح هو العادي في فترة ما بعد صدام، وهو ما يعده الناس على نطاق واسع أنه وسيلة لوصول الأحزاب إلى الأموال العامة، ومنذ أن تسلم رئيس الوزراء المنصب تم انتقاده لفشله في تغيير هذا النظام".
وتورد المجلة نقلا عن عضو البرلمان عن حزب "سائرون" الصدري، الذي فاز بـ54 مقعدا في البرلمان، رائد فهمي، قوله: "لدينا الآن رئيس وزراء اتفق الكل عليه، وحصل على دعم لم يحصل عليه رئيس وزراء آخر أبدا، فيجب عليه ألا يضيع الفرصة في القيام بخياراته".
وتفيد الكاتبة بأن حزب "سائرون" هو أحد الأحزاب المؤيدة لعبد المهدي، وهو الحزب الذي دعا إلى حكومة تكنوقراط مستقلة، وأعطى رئيس الوزراء حرية نسبية لاختيار الوزراء للوزارات التي تعد من حصة الحزب، بحسب نظام المحاصصة، بما في ذلك وزراة الخارجية والنفط والصحة والكهرباء والماء، مشيرة إلى أن الوزارات الثلاث الأخيرة ضرورية لمعالجة جذور الاضطرابات في جنوب العراق.
وتستدرك فولتين بأن "الأحزاب الأخرى رفضت التخلي عما تعده حقها في الحصول على نصيبها العادل من الكعكة، وكان هذا شأن الأحزاب السنية في الكتلتين البرلمانيتين الداعمتين لعبد المهدي والأجنحة السياسية للمجموعات المسلحة المرتبطة بإيران، التي شاركت في الحرب على تنظيم الدولة، وترى من حقها أن تترجم انتصاراتها الميدانية إلى مكاسب نفوذ سياسي".
وتذكر الكاتبة أن "حزب (صادقون)، الجناح العسكري لمليشيات عصائب أهل الحق، المصنفة بأنها إرهابية على القوائم الأمريكية، والتي شاركت في الحرب تحت مظلة الحشد الشعبي، فاز بـ16 مقعدا، بحسب عضو (صادقون) وجيه عباس، وهذه زيادة مهمة على المقعد الواحد الذي فاز به الحزب في انتخابات 2014".
وتلفت المجلة إلى أن محمد البلداوي، الذي فاز بمقعد للبرلمان لأول مرة وعضو في حزب "صادقون"، يعتقد بأنه يجب أن يكون للسياسيين الذين فازوا عن الحشد الشعبي سلطة على التعيينات الوزارية، وقال البلداوي: "عندما يحتاج العراق إلى تضحية ودم، تتم دعوتهم، بينما بعد ذلك، عندما تكون هناك انتخابات لا يحصلون على نصيب في الحكومة، وهذا غير عادل".
وتقول فولتين إن "(صادقون) مثل معظم الأحزاب، أعطى رئيس الوزراء أربعة مرشحين ليختار منهم لكل وزارة، وهذا مستوى من الحرية يرى البلداوي أنه أكثر من كاف، فقال: (لقد منحناه خيارات كثيرة)".
وتبين الكاتبة أنه "في حالات أخرى حاولت الأحزاب فرض إرادتها بشكل أكبر، فقدم تجمع البناء مرشحا واحدا فقط، وهو فالح الفياض لوزارة الداخلية، والفياض هو رئيس مجلس الأمن القومي ورئيس الحشد الشعبي، لكن الصدر، الذي يعارض النفوذ الإيراني في العراق، ويرأس كتلة منافسة، رفض الترشيح الذي كان سيمنح الحشد الشعبي المدعوم من إيران نفوذا غير مسبوق".
وتفيد فولتين بأن "الخلاف على الفياض أصبح رمزا للخلافات العقائدية داخل المعسكر الشيعي حول طبيعة العلاقة مع إيران، لكنها أيضا وصفت على أنها تنافس بين الزعامات من الجانبين، ورفض عبد المهدي أن يختار جانبا، فلم يرفض الفياض ولم يوافق عليه، وهو موقف جلب ردود فعل مختلطة".
وتنقل المجلة عن رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق، رامون بليكيو، قوله: "ما يفعله عبد المهدي هو سياسة الإيكيدو (فن قتال ياباني)، فهو يستخدم قوة مناوئيه ضدهم.. لدينا انقسامات ومنافسات في كل معسكر، لننتظر ونشاهد إلى أي حد يستطيع رئيس الوزراء اللعب على تلك الانقسامات لتحقيق سياساته"، لافتا إلى أن عبد المهدي يحتفظ إلى الآن برأس المال السياسي من خلال مراقبة الصراع جانب الملعب.
وتشير الكاتبة إلى أن "كتلة الصدر منحت عبد المهدي عاما واحد لتحقيق تغير ملحوظ، وهي مهلة طموحة ذهب ربعها، وتبدو بشكل متزايد غير واقعية، لكن عبد المهدي، الذي استطاع أن يحظى بسمعة أنه تكنوقراط ويدخل في دقائق الأمور، يبدو مصرا على القيام بالأمور بطريقته، فالستة أشهر الأولى في برنامجه تركز على تحسين الحكم في العراق، من خلال إجراء دراسات ورسم خطط".
وتورد المجلة نقلا عن أستاذ العلوم السياسية وعضو حزب الحكمة، ثاني حزب في كتلة الإصلاح، محمد راضي، قوله: "هذا شيء لا يفهمه الناس بشكل عام وليسوا مهتمين به"، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء لم يزر البصرة إلا بعد ثلاثة أشهر، وهي مركز الفوضى التي يمكن تثور مرة أخرى، وأضاف: "لا يوجد اهتمام كاف بالبصرة التي إن انفجرت انفجر العراق".
وتذهب فولتين إلى أن "تحرير بعض الموارد لتقديم الخدمات ليس أمرا سهلا في بلد تنفق الحكومة فيه نصف ميزانيتها على رواتب الموظفين الحكوميين البالغ عددهم 3 ملايين، يحميهم القانون من الإقالة، فوزارة الثقافة مثلا لديها ما لا يقل عن 15 ألف موظف، بالرغم من أن مديرا كبيرا في الوزارة قال لـ(فورين بوليسي) إنه يحتاج فقط إلى 600 موظف، وما لا ينفق على الرواتب يضيع بالفساد وسوء الإدارة".
وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "في المحصلة سيتطلب أي إصلاح حتى يتم دعم الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان، اللتين تملك كل منهما جيشا خارج سيطرة الحكومة، ما يجعل خلاف الكتلتين أمرا خطيرا على العراق، خاصة إن انحدر الخلاف إلى صراع عسكري، بحسب ما قال فهمي، عضو البرلمان عن (سائرون)".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)