هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قام معهد واشنطن بتكليف ثلاثة من زملائه بكتابة تقرير حول دور
الكونغرس الأميركي في تعزيز علاقات أميركا مع حلفائها في المنطقة.
الثلاثة
هم دنيس روس مستشار الأمن القومي لأكثر من رئيس أميركي، وباربرا ليف سفيرة
الولايات المتحدة السابقة لدى الإمارات، ودانا سترول موظفة في لجنة العلاقات
الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي؛ حيث أشار التقرير إلى أثر السياسة الخارجية
الأميركية على علاقتها بالسعودية وأيضاً بإسرائيل.
وبغض
النظر عن التفاصيل التي أوردها التقرير فإن أهم الاستنتاجات التي يستخرجها القارئ،
أن هذه التقارير تضلل اللجان الأميركية، وثانياً أن العلاقات الأميركية مع حلفائها
ما عادت كسابق عهدها، حين كانت الثقة مطلقة، وأن أهم الأسباب التي تقف وراء تراجع
الثقة هو قرار الانكفاء والتراجع وتقليص الدور الأميركي في المنطقة كسياسة خارجية
اتخذها ثلاثة من رؤساء أميركا تعاقبوا في السنوات العشر الأخيرة، وهم جورج بوش
الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب. ورغم أن العلاقات عادت لتتحسن في عهد الرئيس ترامب،
فإن تردده أحياناً وتضارب سياسته أبقت على اهتزاز الثقة سمة رئيسية لتلك العلاقة،
خاصة بعد قراره الانسحاب من سوريا وأفغانستان.
لا
تحدث التفاصيل فرقاً في النتائج، بمعنى إن كانت الأسباب خيار الانكفاء لثلاثة من
رؤساء أميركيين أو كان ظهور اليسار وبروزه في السنوات الأخيرة، إلا أن النتيجة في
النهاية هي عدم استيعابهم أن الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة في المنطقة يجد
طابوراً من المستفيدين لتعبئته، وهذا ما لا تدركه تلك اللجان.
والدخول
في التفاصيل لن يغير من الأمر شيئاً، فدانا سترول غير متفائلة بتحسن هذه العلاقة
وتعيد ذلك إلى الصراعات الحزبية، فتقول: «نظراً لسيطرة الحزبين الديمقراطي
والجمهوري على مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين على التوالي، فسيكون من الصعب على
المشرّعين الأميركيين إحداث تغيير جوهري في أي من سياسات إدارة ترامب في المنطقة».
وأضافت أن إقرار أي تشريعات مهمة متعلقة بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط يستدعي
تأييداً من كلا الحزبين، الأمر الذي سيكون من الصعب تحقيقه إذا استمرت الأجواء
الحزبية الحادة التي تهيمن حالياً.
وأكدت
باربرا ليف تأثر العلاقات الأميركية مع حلفائها سلباً بقولها: «أعرب شريكا
الولايات المتحدة في المنطقة عن قلقهما المتنامي، بل حتى هلعهما بشأن الالتزام
الأميركي تجاه الشرق الأوسط». وهي هنا تتحدث عن السعودية وإسرائيل معاً.
أما
دنيس روس فخص السعودية بما هو مطلوب منها من أجل تحسين تلك العلاقة وتطويرها
وإعادتها لسابق عهدها، وحتى حين وجه خطابه إلى الإدارة الحالية بقوله: «يجدر
بإدارة ترامب اتخاذ عدة خطوات لتحسين العلاقة مع الرياض»، ركز على ما يجب أن تقوم
به تلك الإدارة.
وفي
اعتقادنا المتواضع فإن تلك التقارير تبتعد عن أساس المشكلة حين تغرق في التفاصيل،
فإلى الآن لم نر خطاباً صريحاً للداخل الأميركي يوضح أهمية الدور الأميركي في
منطقة الشرق الأوسط لصالح الناخب الأميركي قبل أن يكون لصالح الحلفاء.
إلى
الآن لم تستوعب هذه اللجان المتتالية في مجلسي الشيوخ والنواب التي يسيطر عليها
هذا اليسار الحالم خسارتهم بسبب سياسة الانكفاء، وفداحة الخسارة التي ستقودهم هذه
الاستراتيجية التي ستعيدهم لأسواقها الداخلية أكثر مما ستعيد لهم جنودهم.
إلى
الآن لم تستوعب هذه اللجان حجم الغول الصيني أو قوة وعزم الدب الروسي، رغم أن
الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة في السنوات العشر الأخيرة ترى بالعين
المجردة لكنهم ما زالوا يحلمون.
في
النهاية دعنا من خسائرهم، ما الذي سنستفيده نحن من هذا التقرير؟ أهم نقطة هي أنه
لا عودة إلى الوراء، وأن الرئيس ترامب لن يكون مطلق اليدين حتى لو أراد. والنقطة
الثانية هي أننا نسعى إلى عودة العلاقات بقوتها التي كانت عليها إلا أن اتكالنا
على عودة تلك العلاقة إلى سابق عهدها ليس من المفروض أن نرتجيها.
نحن
بحاجة إلى تقوية تحالفاتنا البديلة، وبحاجة إلى تصفير ملفاتنا المحلية المقلقة
كالملف اليمني وبقية ملفات وكلاء إيران في المنطقة (العراق وسوريا ولبنان) دون
انتظار لأي طرف دولي أيما كان، فهذا اليسار متغلغل في جميع القوى العابرة للحدود،
وقرارنا يجب أن يكون فرض الأمر الواقع.
لا
بد من المضي قدماً في تخليص المنطقة من وكلاء إيران، فلا سلاح غير سلاح الدولة،
وهذا يستدعي استراتيجية طويلة المدى لا تعتمد على المساعدة الأميركية بالمطلق بل
يجب أن تكون لنا رؤية شمولية نحدد على أثرها علاقتنا بالآخرين، سواء كانت روسيا أو
الصين أو الهند. بدأنا هذه السياسة وعلينا الاستمرار دون النظر إلى الوراء، ودون
انتظار لدولة تعتقد أنها ستظل كما هي بعد أن تختار الانكفاء.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية