هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تسعى دولة الإمارات
العربية لإشاعة نمط من التدين الخاص بها، أقرب ما يكون إلى التصوف الأشعري
المذهبي، عبر تقريب وتبني شخصيات دينية مشهورة، كالشيخ الموريتاني عبد الله بن
بيه، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والداعية اليمني الحبيب علي الجفري وفقا
لباحثين.
ويرى باحثون ومراقبون
أن الإمارات العربية بمشروعها الديني تهدف إلى "تقليص نفوذ الدعوة الوهابية
في السعودية، ومحاصرة جماعات الإسلام السياسي" في المنطقة، وفي الوقت نفسه
تسعى إلى مزاحمة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بإنشاء مؤسسات علمية جديدة
وتقديمها كمرجعية دينية محترمة للإسلام الوسطي المعتدل.
مناكفة
ووفقا لمستشار وزير
الأوقاف المصري الأسبق، الدكتور محمد الصغير فإن "مشروع الإمارات الديني لا
ينفك عن مشروعها السياسي، فهي تبحث عن الزعامة في المنطقة، ولإنجاز ذلك عملت على
سحب البساط من تحت الحركة الوهابية في السعودية، وجماعات "الإسلام
السياسي".
وأضاف
لـ"عربي21": "وهي تسعى في الوقت نفسه لمناكفة الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين الذي أسسه العلامة يوسف القرضاوي، بتأسيسها لمجلس حكماء المسلمين
كمجلس ضرار ضد الاتحاد" على حد قوله.
وتابع الصغير حديثه
بالقول "ثم أقامت مؤتمر جروزني في الشيشان، والذي أخرج الوهابية من دائرة أهل
السنة والجماعة، مقدما التصوف الأشعري بديلا عنها، وأسندت إدارة هذا الملف للداعية
اليمني الحبيب علي الجفري".
إقرأ أيضا: مسؤول إماراتي يتغزل بـ"الصوفية" ويهاجم "الوهابية" (شاهد)
وعن فرص نجاح مشروع
الإمارات الديني قال الصغير: "ترتبط فرص نجاحه بمدى استمرار اختطاف الدولة في
مصر والسعودية، واعتبار أبو ظبي عاصمة
القرار العربي"، مستدركا: "لكن ما يضعف نسبة نجاح ذلك المشروع هو وعي
الشعوب العربية، لا سيما بعد ثورة الاتصالات وتطور وسائلها".
ورأى الصغير أن
"انكشاف حقيقة دور الإمارات في رعاية الثورة المضادة والانقلابات، وقيامها
بحرب العصابات لتفتيت ليبيا، وتقسيم اليمن يساهم بإضعاف فرص قبول مشروعها
ونجاحه" مشيرا إلى أن "العامل الحاسم في ذلك يتمثل في عدم قدرتها على
جذب الشباب الذين هم عماد كل نجاح، نظرا لإعراض الشباب عن التصوف، والزهادة فيما
يطرحه من أفكار".
المقاومة والإرهاب
من جهتها قالت الكاتبة
الأردنية إحسان الفقيه "برزت أهداف المشروع الديني الإماراتي بشكل واضح عبر دعوته
لتفكيك مناهج التيار الإسلامي، ومهاجمة رموزه العلمية والفكرية، ونسبة التشدد
والإرهاب له كالإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد
الوهاب رحمهم الله".
وأضافت: "كما تمت
مهاجمة فكر الشيخ حسن البنا، وسيد قطب، ورموز الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين،
عبر منصاتها وشبكاتها الإعلامية، ومنابرها الدينية المدعومة من قبلها في العواصم
العربية والإسلامية، ودول الاتحاد الأوروبي، وشرق آسيا".
وتابعت حديثها
لـ"عربي21": "ومن ثم بدأت مرحلة السعي لتقويض مكانة السعودية في العالم
الإسلامي، وتثبيت اتهامها برعاية التطرف ودعمه، ودعمها لصعود التيار الليبرالي
الذي أكمل المهمة في تحجيم دور هيئة كبار العلماء، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر في السعودية، ودعم خطوات استهداف واعتقال العلماء والمصلحين".
وذكرت الفقيه أن من
معالم المشروع الإماراتي الديني "سعيه لإدراج المقاومة المشروعة، والثورة على
الاستبداد ضمن منظومة العنف والتطرف والإرهاب كذلك".
ووفقا للكاتبة
الأردنية فإن الإمارات "وهي تتبنى وترعى شبكة للتصوف السياسي، وتستضيف لفيفا
من رموز التصوف، كالشيخ الموريتاني ابن بيه والداعية اليمني الحبيب علي الجفري
وغيرهم، تتفق رؤيتها الدينية مع القيم والمصالح الأمريكية والغربية، التي دعت لها
مؤسسة راند في 2002، في دراستها المشهورة لتأسيس تحالف استراتيجي مع الصوفية
لمواجهة التطرف الديني في العالم الإسلامي".
وواصلت حديثها بالقول: "ثم تلا ذلك مؤتمر عقدته مؤسسة نيكسون عام 2003 تحت عنوان "فهم الصوفية
والدور الذي ستلعبه في رسم السياسة الأمريكية" والذي سعى "لدعم هذا
التيار كبديل لتحقيق أهداف الرؤية الأمريكية للإسلام في المنطقة".
وتوقعت الفقيه
"استمرار نشاطات وفعاليات هذا المشروع، والتي كان من آخرها مؤتمر الأخوة
الإنسانية، في ظل الدعم الإماراتي اللامحدود له"، مقللة من فرص نجاحه
"لأن الفكر الإسلامي متجذر، ولن يقبل بعودة الخزعبلات لتتسيد المشهد الديني
في المنطقة". بحسب عبارتها.
إقرأ أيضا: الريسوني يهاجم الإمارات ويصف حاكمها بـ"المأمور المغمور"
بدوره رأى الباحث
السياسي والأكاديمي اليمني، الدكتور عبد الباقي شمسان "أننا لسنا أمام مشروع
ديني إماراتي، بل نحن أمام مشروع سياسي، تقوم به دولة من دول الإقليم العربي، لكنه
ليس مشروعها، بل هي وكيل إقليمي لتوجه أمريكي وغربي وإسرائيلي، يحاول أن يقضي على
الجماعات الإسلامية التي ترفض الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية للمنطقة".
وأضاف "وتمثل ذلك
بالقيام بثورة مضادة استهدفت كل ما حققته الثورات العربية بعد 2011، ولإيقاف
التغيير الذي يسعى لإشاعة الديمقراطية، وتخويل الشعوب اختيار من يحكمها، والذي
تكفل بذلك دولة الإمارات العربية كجهة ممولة ومشرفة، عبر دعمها وتمويلها لتيارات
السلفية المدخلية التي تستهدف الجماعات الإسلامية السياسية، ومؤسسات المجتمع
المدني بشكل مباشر".
وذكر شمسان
لـ"عربي21" أمثلة لدعم الإمارات للسلفية المدخلية، كدعمها لهاني بن بريك
في اليمن، ودعمها لكتائب التوحيد في ليبيا، وهو عمل سياسي واستراتيجي ممنهج، وهم
يتعاملون مع المذاهب كأداوات، فمشروع الإمارات مشروع سياسي تسعى من خلاله لإثبات
قدرتها على أن تكون وكيلا إقليميا قادرا على تنفيذ أجندات أمريكية وغربية، تسبق
فيه، بل وتقود دولا هامة في المنطقة كمصر والسعودية.
وختم شمسان حديثه
متوقعا "فشل الإمارات في مشروعها السياسي، لأنها مجرد دولة تابعة ليس لها قيم
أخلاقية وإسلامية، وتفتقر إلى أبسط القيم الإنسانية، إذ لم تتورع عن توظيف مجموعات
مرتزقة لتصفية جماعات الإسلام السياسي واغتيال رموز وطنية وإسلامية في اليمن
وليبيا، لكل ذلك لن تكون بديلا مقبولا بعد أن تكشفت طبيعتها الدموية، وما ارتكبته
من جرائم، وخلفته من مصائب وفظائع حيثما حلت" وفق وصفه.