هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "ناشونال إنترست" تقريرا للصحافيين يوسف إيريم وتانيا غودسوزيان، يقولان فيه إن قرار أمريكا في الأسابيع الأخيرة الانسحاب من سوريا أثار عدة آراء متعارضة حول تداعيات ذلك.
ويقول الكاتبان إنه "كون مهمة القضاء على تنظيم الدولة لم يتم إنهاؤها، فإن البعض يحاججون بأن الفراغ الأمني ستملأه ايران وروسيا مباشرة، لكن ما أصبح أكثر وضوحا هو أنه بدلا من التخلي عن مكافحة الإرهاب، فإن ما سيقوم به الرئيس دونالد ترامب هو أن يعطي هذه المهمة لتركيا، ومع ذلك فرصة لتركيا لمد نفوذها على نطاق أوسع".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ضياء الأسدي، وهو الممثل السياسي لرجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر، غرد قائلا: "هل تم تسليم المشروع الأمريكي للشرق الأوسط لمتعهد؟ وهل لا يزال تاريخ العثمانيين والصفويين المسجل حاضرا؟ فقد نحتاج أن نزوره قريبا".
وتوضح المجلة أنه "بعبارة أخرى فإنه بالنسبة للكثير من المراقبين للشرق الأوسط، فإن الساحة تركت مرة أخرى لمتنافسين تاريخيين، وإن كانت في الماضي الإمبراطوريتان العثمانية والصفوية تتنافسان على الهيمنة في المنطقة، فقد تكون المنافسة اليوم بين أنقرة وطهران".
ويلفت التقرير إلى أن الدعوات لتفاعل تركي أكبر في المنطقة ليست جديدة، فمنذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، جاءت هذه الدعوات من الدول العربية المجاورة، التي تخشى النفوذ الإيراني المتنامي، وخفتت تلك الأصوات شيئا ما مع تدهور العلاقات بين دول الخليج وتركيا، مستدركا بأن هناك اهتماما متجددا لدور أكبر لتركيا، خاصة في المجتمع السني المهمش في العراق.
ويتساءل الكاتبان قائلين: "لكن كيف سيتكشف الأمر؟ الانسحاب من سوريا شكل ضربة للنفوذ الأمريكي في بغداد، وقد يعجل تصريح ترامب المثير للغضب، حول إبقاء قوات في العراق لأنه يريد أن يتمكن من مراقبة إيران، طلب العراق من أمريكا بسحب قواتها، وفي هذه البيئة، هل يمكن لتركيا وهل عليها أن تزيد من نفوذها في العراق؟ ومن الذي سيكسب معركة القلوب والعقول؟ تركيا أم إيران؟".
النفوذ الإيراني: هل يتضاءل أم يتنامى؟
وتذكر المجلة أن التقارير تدعي بأن نفوذ إيران في العراق بدأ يتضاءل، وتظهر بعض الدراسات تراجعا ملحوظا في أعداد الشيعة العراقيين الذين يحملون مواقف مؤيدة لإيران، فمثلا أظهرت دراسة أجراها مركز IIACSS أن 88% من المشاركين في 2015 يؤيدون إيران، إلا أن هذا تراجع إلى 47% مع حلول عام 2018.
ويجد التقرير أن السبب الرئيسي لهذا التراجع هو الفهم بأن الحكومة العراقية، تدعمها الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، فشلت في تحسين مستوى الحياة، وبالإضافة إلى ذلك فإن البعض فسر الفوز الكبير الذي حققته كتلة الصدر، "التي تعارض التدخلات الأجنبية في العراق كلها"، على أنه مؤشر على تراجع شعبية إيران في العراق.
ويستدرك الكاتبان بأن هناك تقارير أخرى لا تقول إن نفوذ إيران في العراق تزايد فحسب، بل إن وجودها الآن في العراق أصبح قويا ومتماسكا أيضا، وبحسب أحد المحللين فإن هذا الوجود أدى إلى "أيرنة العراق"
وتقول المجلة: "على أي حال، فإن هناك شبه إجماع على أن إيران هزمت أمريكا في معركة النفوذ في العراق، وكما كتب أحد المتخصصين على موقع (الجزيرة): (إن انتصار إيران مؤخرا على أمريكا والسعودية في الساحة السياسية العراقية يعود أولا إلى الثقة التي بنتها في البلد على مدى عقود)".
ويفيد التقرير بأنه في الوقت الذي قد تدعو فيه الأقليات السنية المهمشة تركيا لأن تساعدها وتخفف من النفوذ الإيراني، فإن الأحزاب السياسية المؤثرة تبدو مستعدة لتحمل النفوذ الإيراني بديلا للهيمنة الأمريكية، مشيرا إلى أنه "حتى الصدريون، بالرغم من المبالغات، فليسوا معادين لإيران كما هو مفترض، لكن، وبصوت خافت، هناك تخوف بين العراقيين من أن هذا التدخل الحميد لإيران قد ينذر بمستقبل تدخلات غير حميدة".
فأين يترك هذا تركيا؟
الدبلوماسية والتعاون وليس المطالب والتهديدات
ويذهب الكاتبان إلى أنه "في ظل هذه الفوضى فإن تركيا يمكن أن تكون في موقع القيام بدور مفيد بديل عن الدور الأمريكي المعادي يقوم به جار أقل عدوانية، وبحسب مصادر مهمة في أنقرة فإن جزءا من الاتفاق بين أمريكا وتركيا حول سوريا يتعلق بتفاهم بأن تحاول تركيا التخفيف من آثار طموحات طهران التوسعية في المنطقة، لكن الاستراتيجية التركية التي تقوم على التعاون الدبلوماسي والتجاري دون المواجهة قد يكون مفعولها أكبر".
وتنوه المجلة إلى أن السفير التركي السابق لكل من العراق وإيران، سليم كارا عثمان أوغلو يتفق مع هذا الرأي، ويقول: "إن طلب دور أكبر من أنقرة ستنتج عنه مخاطر أمنية وسياسية أكبر، وهذا سيزيد من حالة التخوف في المنطقة بخصوص تركيا، لكن لمواجهة مثل هذه الأجواء السلبية، يجب على صناع القرار الأتراك استخدام قوة تركيا الناعمة ابتداء من العراق، ومن المقبول في بغداد بأن تركيا مخلصة في تشجيع السيادة والوحدة السياسية في العراق".
ويفيد التقرير بأنه "ينظر إلى تركيا على أنها محايدة وكبيرة بما فيه الكفاية ليكون لها نفوذ، وصغيرة بما فيه الكفاية لئلا تميل للمواجهة، ويحيط بالعراق القليل من الأصدقاء والحلفاء، بالإضافة إلى الكثير من العواصم التي تهمها مصالحها، وفي بالمقابل فإنه ليس لدى تركيا ما تخافه من العراق أو جاراتها، كما أن نفوذ تركيا في المنطقة يمنحها دور الوسيط الأمين".
ويرى الكاتبان أنه من خلال هذه الجهود الدبلوماسية فإنه يمكن لتركيا أن تعيد العراق إلى "مصاف الدول"، مشيرين إلى أن السنوات الأخيرة شهدت قيام أنقرة بدور أكبر في الوساطة، حيث تجد نفسها إما في وسط أو على هامش معظم الصراعات العالمية، سواء كان ذلك في البلقان أو سوريا أو العراق أو مصر أو ليبيا أو القوقاز، وكان رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، قد عرض أن يقوم بدور الوسيط في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا.
وتقول المجلة: "أما بالنسبة لإيران، فقد أصبحت العلاقات الدبلوماسية دافئة على مدى العام الماضي، فالتعاون القريب في عملية الأستانة، والسماح لتركيا بشراء النفط من إيران، يعطيان أنقرة وسيلة ضغط على طهران، وبدلا من استراتيجية مواجهة أمريكية، فإن تركيا في وضع أفضل للتأثير من خلال التفاوض والتجارة".
ويجد التقرير أنه على العكس من ذلك، فإن النتيجة قد تكون سلبية إن قررت تركيا أن تؤدي دورا أكثر عدوانية في العراق، فقال سياسي عراقي مقرب من حزب الدعوة: "لن تجلس إيران صامتة إن قررت تركيا أن تؤدي دورا كبيرا في العراق، فإيران متعمقة في العراق، ولها مليشيات مرتبطة وموالية لها يمكنها أن تقوم بدور حاسم إن قررت الحكومة أن تبقى محايدة في منافسة بين تركيا وإيران".
وأضاف السياسي: "لكون السلطة الرئيسية في يد الأكثرية الشيعية فإن تركيا لن تكسب شيئا، لكنها تستمر في خسارتها السياسية والاقتصادية، وربما الأمنية، في العراق، حيث يمكن إعادة تفعيل حزب العمال الكردستاني بصفته ورقة ضغط على تركيا".
ويلفت الكاتبان إلى أن لضياء الأسدي، الممثل السياسي لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الرأي ذاته، فقال: "سيكون من غير الحكمة أن تستخدم السياسة الخارجية التركية لمواجهة إيران أو أي بلد جار.. ما يمكن لتركيا أن تفعله (وما يجب توقعه) هو أن تتصرف بصفتها وسيطا وقادرة على حل المعضلات في منطقة مليئة بالمشكلات".
فرصة للتجارة
وتعتقد المجلة أن "التجارة والاستثمار هما أيضا من الجوانب التي يمكن لتركيا أن تنافس فيها وتتعاون، ولها وجود جيد في قطاع البناء في العراق، والطلب على البناء في المدن التي دمرها تنظيم الدولة والمناطق المنتعشة اقتصاديا، وقد ألمحت تركيا إلى أن لديها استعدادا للمساعدة في إعادة البناء، فأعلن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو عن 5 مليارات دولار ديونا للشركات العاملة في العراق".
ويذهب التقرير إلى أن "سوق الدفاع هو فرصة أخرى لتركيا، فمع سحب أمريكا لقواتها ودعمها المادي، فإن القوات الأمنية العراقية النامية ستحتاج أنواع الأجهزة كلها لجمع المعلومات وللسيارات والأنظمة القتالية ومعدات الأفراد وغيرها، حيث يمكن للصناعات العسكرية التركية النامية أن تملأ الفراغ، بنوعية مساوية لكن بتكلفة أقل".
وينوه الكاتبان إلى أنه في قطاع الخدمات الدفاعية فإن الجيش التركي يتمتع بمميزات خاصة؛ وذلك لخبرته الطويلة في مكافحة الإرهاب في تركيا، خاصة أن قوات الأمن العراقية وتحديدا الوحدات الخاصة لمكافحة الإرهاب، تحتاج المزيد من التدريب، "فيمكن للخبراء العسكريين الأتراك أن يملأوا الفراغ الذي سيتركه المتخصصون العسكريون الأمريكيون، ويمكن تقديم هذه الخدمات للعراق بطريقة لا تهدد المنطقة".
وتختم "ناشونال إنترست" تقريرها بالإشارة إلى أن "العديد من المحللين يقولون إن تركيا توفر فرصة مثالية لتحل محل التأثير الأمريكي في العراق، وتحسن في الوقت ذاته العلاقة مع إيران، فموقعها الجغرافي ووزنها الدبلوماسي، وتجارتها تسمح لها بتدعيم العلاقات الجيدة مع بغداد، وزيادة النفوذ، أخذة بالحسبان الاعتبارات الإقليمية، وتستطيع فعل ذلك بالتعاون والتنافس دون دق لطبول الحرب أو تهديد".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)