هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يبدو المشهد متداخلا وضبابيا داخل أروقة
الجهاز القضائي اللبناني، بعد الإعلان عن توقيفات طالت موظفين في السلك العدلي، وضباطا بلغ عددهم خمسين، بتهم تلقي رشى لتسهيل معاملات قضائية، فيما تكثر التساؤلات عن
إمكانية توقيف قضاة وامتداد تهم الفساد إلى حالات أكثر فداحة في جهاز يعوّل عليه
اللبنانيون بأن يستعيد بريقه كسلطة مستقلة هي الثالثة في الدولة اللبنانية.
وبينما يتحدث سياسيون عن أنّ هذه الخطوة
بمثابة قفزة جريئة باتجاه محاربة الفساد في مؤسسات الدولة كافة، يشكك آخرون في
مصداقية الإجراءات، خصوصا أنها لم تشمل سوى موظفين محدودين، بينما تثار الشبهات حول
صفقات قضائية كبيرة شملت تجار مخدرات ومدانين في قضايا مختلفة ذات طابع مالي وجرمي.
وتناول وزير العدل ألبير
سرحان التحقيقات القضائية، عبر تغريدة على موقع "تويتر"، قائلا: "البريء
ستظهر براءته، والمذنب سينال عقابه، ولن يكون هناك أي تحامل على أحد، والعدالة
ستأخذ مجراها، وسنعمل على استئصال جذور الفساد في القضاء وسائر الإدارات المعنية".
ورأى رئيس مؤسسة لايف لحقوق الإنسان، نبيل
الحلبي، أنّ "كل ما يؤدي إلى محاربة الفساد بشفافية ومن دون استثناءات يكون
إيجابيا على الصعيد الداخلي وأيضا الخارجي، تحديدا يما يتعلق بسمعة لبنان
ومؤسساته"، مشيرا في تصريحات لـ"عربي21" إلى أنّ الحكومة ألزمت
نفسها محاربة الفساد بناء على شروط مؤتمر "سيدر"، ما "سيخفف من الضغوطات
على المرفق القضائي، كما سيعزز الثقة للمواطنين في استعادة دور مؤسسات
الدولة".
لكنّ الحلبي أعرب عن قلقه تجاه محاولات طمس
قضية الفساد في الجهاز القضائي، "من خلال تسليط الضوء على توقيف مساعدين
قضائيين، بما يوضح أنّ الملاحقات موجهة إلى صغار الموظفين، واستثناء القضاة من
قضايا التورط في الفساد"، متابعا: "الطامة الكبرى تحلّ في حال ثبت أنّ
التحقيقات تقتصر على معقبي معاملات قضائية فقط".
وطالب الحلبي بتعزيز استقلالية القضاء، وإبعاده
عن تدخلات السياسيين، وقال: "أثبتت التعيينات القضائية التي تمت قبل عام مدى
تدخل الطبقة السياسية في هذا الجهاز، ضاربين بعرض الحائط ما نصّ عليه الدستور
اللبناني"، مبينا أنّ "الانعكاسات بدت قاسية، فلم يعد اللبنانيون عامة يثقون
بهذا الجهاز الذي يمثل السلطة الثالثة في البلاد، التي يفترض أن تكون مستقلة تماما
عن السلطة السياسية".
وصعّد الحلبي من موقفه، قائلا: "رأس
الفساد يتمثل في منع استقلالية القضاء، وانعدام العدالة، وإحداث فجوة كبيرة، ما
يستدعي ضرورة الشروع في عمل سريع وجاد لإعادة التوازن إلى السلطة القضائية، قبل
الإقدام على اعتقال موظفين بهدف الترويج والدعاية أمام المجتمع الدولي بأن لبنان
يكافح الفساد"، مشددا أنّ "الإصلاح القضائي يبدأ من خلال الإصلاح
السياسي، وتفعيل قاعدة فصل السياسة عن الإدارة وعن القضاء في آن معا".
وأكد أنّ "السلطة السياسية تستثمر
سيطرتها على القضاء من أجل التنكيل بالمواطنين الذين عبروا عن انتقادهم لشخوص
سياسية أو لأداء معين على مواقع التواصل الاجتماعي"، مردفا: "كان غريبا
أن يدافع السياسيون عن أنفسهم عبر استغلال فاضح للقضاء، وليس دفاعا عن مصالح
المواطنين".
واستغرب الحلبي الصمت حول ما تداولته وسائل
الإعلام عن تأخر التشكيلات القضائية بفعل الخلاف السياسي، وقال: "العنوان
معيب، لا يليق بأي دولة تحترم نفسها، وما قيل يعد اعترافا صريحا بتدخل السياسيين في
القضاء"، متسائلا عن كيفية الإصلاح عبر "السياسي المتورط الذي ينادي
بمحاربة الفساد في الجهاز العدلي".
وانتقد الحلبي ما وصفه بـ"التداخل في مؤسسات الدولة والسلطات التشريعية والتنفيذية، حيث أصبح مجلس الوزراء نسخة مصغرة من المجلس النيابي، ما ضرب أساس النظام الديمقراطي القائم على فصل السلطات، في الوقت الذي يتبع المدراء العامون في الوزارات إلى مرجعياتهم السياسية وفق عرف المحاصصة بين الأقطاب، مع غياب الخدمات التي يفترض تقديمها إلى المواطنين" على حد قوله.
من جهته، يأمل الأمين العام لـ"التيار
الأسعدي"، المحامي معن الأسعد، بأن تثمر دعوة المؤتمر القضائي الذي دعا إليه رئيس
الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، وقال في تصريح له: "استقلال القضاء، ومنع التدخلات السياسية في عمله، ومبدأ فصل السلطات، هو السبيل الوحيد لإعادة إحياء
مؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية"، مضيفا: "هو السلاح الأمضى لمحاربة
الفساد، وكشف الفاسدين، وزجهم في السجن، وإعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة
الدولة".
ودعا الأسعد إلى
"خطوات عملية سريعة، قائلا: "المطلوب هو إبعاد الجسم القضائي عن الغرق
في وحول طائفية ومذهبية"، مشددا أهمية تنشئة "مؤسسات عادلة وفاعلة من دون
قضاء حر ومستقل ونزيه".