هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عندما يقول الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أن ما عرضه على شعبه
من إجراءات بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية هو «المخرج الحسن الذي أدعوكم جميعا
إليه لكي نجنب الجزائر المحن والصراعات وهدر الطاقات» فذلك يعني أن الرجل لا يرى،
في رسالته الأخيرة لشعبه أول أمس، من حل للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد سوى
ما اقترحه من ندوة وطنية ينبثق عنها دستور جديد يعرض على استفتاء شعبي ويقود
لانتخابات رئاسية تفرز رئيسا جديدا يسلمه السلطة.
وبغض
النظر عن «الرسائل» هذه كوسيلة تواصل بين رئيس وشعبه، والذي لا أحد قادرا على
الجزم فعلا أن بوتفليقة هو من كتبها حقا أو أملاها في ظل وضعه الصحي الذي يعرفه
الجميع، فإن التعامل مع ما رفضه الشعب في مظاهرات عارمة في كل البلاد بطريقة أن ما
أقدمه إليكم هو «المخرج الحسن» وما عداه ليس مقبولا، لأنه سيقود البلاد إلى «المحن
والصراعات وهدر الطاقات»، تعامل سيؤدي في النهاية إلى مزيد من توتير الأجواء في
البلاد لأنه سيبدو استفزازا صريحا لكل هؤلاء الذين خرجوا ضد بوتفليقة والنظام
السياسي الذي يرعاه عبر القول لهم «ليس لدينا إلا هذا»!!
يزيد
من منسوب الاستفزاز هذا الإشارات المبهمة التي يطلقها بين الفينة والأخرى الفريق
قايد صالح رئيس أركان الجيش. إنها حمّالة أوجه فـتـُــفهم على أوجه مختلفة
ومتناقضة من الوقوف مع مطالب الشعب في التغيير إلى إمكانية استلام السلطة، الله
أعلم بانقلاب أم بتسليم من الرئيس نفسه. ربما الإيجابي في مجمل تصريحات قايد صالح
حرصه على سرعة إيجاد حل للأزمة الراهنة، رغم أنه هو شخصيا ومجمل طبقة العسكريين
الكبار المتنفذين ما هم إلا جزء من المشكلة ومن الصعب أن يتحولوا إلى جزء من الحل.
الملفت في آخر كلمة لقايد صالح الاثنين أيضًا تأكيده على ضرورة حل
الأزمة الحالية في البلاد «في أقرب الآجال» ما يعني مبدئيا ضرورة الإسراع في ذلك
وهو أمر لا تتيحه حسب المعارضين خارطة الطريق التي اقترحها بوتفليقة، وبالتالي قد
يفهم من كلام قائد الأركان أن لديه تصورا معينا لتحرك أكثر حسما. أمر قد لا يطمئن
كثيرا إذا كانت سرعة التحرك هذه هي ما يفكر فيه عادة القادة العسكريون في أوقات
الأزمات «التي نؤمن أشدّ الإيمان بأنها تتطلب التحلي بروح المسؤولية من أجل إيجاد
الحلول في أقرب وقت»، كما يقول رئيس الأركان.
المعضلة
الحالية في الجزائر هي صعوبة، إن لم يكن استحالة، التوفيق بين منطق المتظاهرين
الشباب ومنطق السلطة الهرمة، الأوائل لم يعودوا قادرين على تحمل كل الطبقة
السياسية الراهنة من مدنيين وعسكريين رسميين وغيرهم ممن نخرهم الفساد وحماهم
الاستبداد، فيما تعتقد السلطة أنها استجابت لمطالب التغيير لكنها تريدها مدروسة
ونتيجة حوار وطني واسع.
هذا التمشي للسلطة الجزائرية وصفته صحيفة «الوطن» الناطقة بالفرنسية
بأنه «لعبة خطيرة» وبأن هذه السلطة عوض تقديم ضمانات ذي مصداقية للتحول السياسي
الشامل في البلاد تعمد إلى «مناورات» لإجهاضه إلى حد وصف الدور الذي يقوم به
الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي صديق بوتفليقة بأنه «مشبوه»، علما وأن الإبراهيمي،
التي تقول الصحف الجزائرية إنه ينشط هذه الأيام في اللقاء بعديد الشخصيات ووجوه
المجتمع المدني، اعتبر انه «لا يوجد مخرج للأزمة» لأن ما يجري في الشارع «يثير
الحماسة والتشجيع» إلا أنه من جهة أخرى «لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل طويلا».
المشكلة
الأخرى التي أوقعت السلطات الجزائرية في أزمة حقيقية هي أنها بعد استقالة أحمد
أويحيى لم تجد من يعوضه سوى وجوه غير قادرة على إدخال أي نفس جديد أو تغيير أي
مزاج ساخط، ولهذا نظر إلى رئيس الحكومة الجديد ونائبه على أنه مجرد «بيدق بآخر في
حين أن المطلوب هو رحيل كل هؤلاء البيادق جميعا» وفق تعبير شاب غاضب على إحدى
الشاشات العربية التي اقتحم بثها المباشر مع مراسلتها في شوارع العاصمة الجزائرية.
لا شيء يدعو إلى الخوف الآن على حراك الجزائر الراقي والمتحضر أكثر
من إيصاله إلى أنه لا أمل يرجو من التحرك الشعبي السلمي الواسع لأن هؤلاء الذين
يتحكمون في مفاصل الدولة ومقدراتها ليسوا جاهزين بعد للاعتراف بهزيمتهم والانسحاب
الكامل من المشهد. هذا الانسحاب هو الذي بدأ البعض يخوف منه على أساس أن خروج
بوتفليقة وجماعته تعني سقوطا للدولة الجزائرية بحكم الفراغ الذي سيتركونه، في حين
أن الصورة لا يمكن أن تكون بالضرورة بهذا الشكل طالما كانت هناك نية صادقة في
التغيير بعيدا عن الطرق الملتوية التي تريد تمديد الوضع القائم بمسميات جديدة.
الحيلة في ترك الحيل… وبالإمكان إيجاد مخرج سياسي وحتى دستوري لقلب
صفحة الحكم الحالي بعيدا عن أي هزات قاتلة وكلما سارعت السلطات في ذلك كان أسلم
للبلاد ولها أيضا.