هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلتها أليسا روبين، تقول فيه إن محمد صلاح ياسين كان يبحث في أرض الصحراء ليرى إن تشققت الأرض وارتفعت، فذلك مؤشر على وجود الكمأة (نوع من الفطر ينمو بعد العواصف الرعدية).
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ياسين لم يلاحظ شاحنتين صغيرتين يقودهما رجال في زي عسكري حتى وصلتاه، وقال ياسين، وهو صيدلاني يبلغ عمره 31 عاما: "أمروني أن أركب معهم في الشاحنة.. فكرت في أن أقول لهم لا، لكنهم كانوا مسلحين"، وتسلق الشاحنة ليصبح آخر ضحايا حملة يقوم بها تنظيم الدولة.
وتقول روبين إنه "بعد أن طرد التنظيم من المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا، اختفى تحت الأرض، ويقوم مقاتلوه المتبقون بهجمات متفرقة في العراق، ومنذ كانون الثاني/ يناير يقومون باختطافات، وفي بعض الأحوال يعدمون صيادي الكمأة العراقيين، خاصة في الصحراء الغربية في محافظة الأنبار، وأكدت القوات الأمنية العراقية اختطاف 44 صياد كمأة هذا العام، وربما هناك المزيد من حالات الاختطاف غير المبلغ عنها".
وتفيد الصحيفة بأن هذه الاختطافات تعد جزءا يسيرا من الهجمات التي يشنها تنظيم الدولة في العراق، حيث هناك كل يوم تقارير عن إطلاق نار على حاجز أو اشتباك أو اختطاف، مستدركة بأن الاعتداء على صيادي الكمأة يعكس تركيزا على التحريض على التوتر الطائفي.
ويبين التقرير أنه في الوقت الذي يمكن فيه لصيادي الكمأة السنة أن يدفعوا فدية ليتم الإفراج عنهم، فإن نظراءهم الشيعة لا يحظون بهذه الفرصة، حيث يتم قتلهم، مشيرا إلى أن "تنظيم الدولة يعد الشيعة كفارا، وقام التنظيم منذ ظهوره بقتلهم وتدمير مساجدهم".
وتلفت الكاتبة إلى أن المخابرات العراقية والسلطات العسكرية تعد معاملة التنظيم للمختطفين محاولة للتحريض على حرب طائفية مزقت العراق منذ عام 2003 إلى 2008، بعد سقوط صدام حسين، وتم الانتقام له ما بين عامي 2012 و2014.
وتنقل الصحيفة عن مدير المخابرات العامة أبي علي البصري، قوله إنه يخشى أن تتسبب حوادث القتل هذه بدفع السياسيين الشيعة لاعتبار السنة جميعا مسؤولين عن ذلك، وأن يقوم الإعلام بتضخيم تلك الرسالة، وهو ما قد يؤدي إلى دورة جديدة من العنف.
وينوه التقرير إلى أن عمليات الاختطاف تشكل مصدر تمويل لتنظيم الدولة، وللإيحاء للشعب المدني بأن التنظيم لا يزال قوة فاعلة، مشيرا إلى أنه لا يزال هناك حوالي 5000 إلى 6000 مقاتل تابع لتنظيم الدولة في العراق وسوريا، بحسب المسؤولين العراقيين الذين يعدون التنظيم تهديدا تمكن إدارته.
وتستدرك روبين بأنه بالرغم من المخاطر، إلا أن الباحثين عن الكمأة في الصحراء مستمرون في عملهم، فهذه السلعة الشهية تباع في السوق المحلية بحوالي 12 دولارا للكيلو الواحد، لافتة إلى أن عامة الناس يقولون إن الكمأة، التي تختلف من ناحية الطعم والرائحة عن نظيرتها في أوروبا، هي هدية من الله أهداها للسيدة مريم أم عيسى عليه السلام عندما طلبت لحما دون عظم.
وتقول الصحيفة إن ياسين قاد سيارته لعدة ساعات من بيته في خان البغدادي إلى مكان بعيد في الصحراء يصعب التخيل بأنه خطير، مشيرة إلى أن اصطياد الكمأة يعد هواية للعديد من العائلات التي تعيش في غرب العراق خلال فصل الشتاء عندما تخضر الأراضي الجرداء لفترة قصيرة، ويقول ياسين: "لقد كان مكانا سهلا وجميلا وأخضر، لا شيء إلا الأرض والسماء".
وبحسب التقرير، فإنه بعد أن قام خاطفوه بوضع عصبة على عينيه وأعين خمسة من أبناء عمه، كانوا يصطادون الكمأة أيضا، كانوا حريصين على أن يعلم المختطفين من هم الخاطفين، وقال ياسين: "لقد سألونا: هل تعلمون من نحن؟.. ثم قالوا: لعلمكم نحن من الدولة الإسلامية"، ويضيف ياسين أنه عندما سمع ذلك قال لنفسه: "أنا ميت، هذه هي النهاية، سيقومون بقتلي".
وتستدرك الكاتبة بأن المختطفين أوصلوهم إلى باب نفق يقود إلى غرفة تحت الأرض، حيث كانت توجد مجموعة أخرى من المختطفين، ولم يتحدث مقاتلو تنظيم الدولة، ولكن أتوهم بطعام ودعوهم للصلاة، وفي اليوم التالي، جاء محقق من تنظيم الدولة ليحقق مع المختطفين، لكنه كان يبدو أنه يعرف الكثير عنهم، حيث كان يسجل التفاصيل الشخصية لأحد الرجال، مثل مكان عمل الشخص وميوله السياسية.
وتذكر الصحيفة أن ياسين يشك بأن لدى تنظيم الدولة عملاء في الحكومات المحلية، يستطيعون الاطلاع على تفاصيل المختطفين، مشيرة إلى أنه في إحدى الحالات اتهم المحقق أحد الأشخاص بالكذب بخصوص عمله، بحسب مدير مدرسة ابتدائية.
ويورد التقرير نقلا عن المحقق، قوله له: "لقد اكتشفنا أنك تعمل مع الدفاع المدني، ولذلك سيحكم عليك بالقتل"، (وإلى الآن لم يقتل من صائدي الكمأة السنة سوى شرطة مجازين) وقال لهم الرجل: "صحيح كنت أعمل في الدفاع المدني.. لكني تركت العمل وأعمل الآن جزارا".
وتنقل روبين عن مدير المدرسة صلاح مالك فليح (62 عاما)، قوله إنه قام للدفاع عن الرجل، وقال: "إنه يقول الحقيقة، أنا أعرفه، إنه جاري، إنه جزار"، وبذلك نجا الجزار.
وتقول الصحيفة إن فليح أخبر بأن عليه دفع مبلغ 50 ألف دولار لإطلاق سراحه، وهو ما لا يستطيع أن يدفعه شخص راتبه 1200 دولار في الشهر، وتم تخفيض الفدية إلى 20 ألف دولار، ومن بعضهم 10 آلاف دولار، فيما كانت فدى مجموعة ياسين شبيهة بذلك.
ويشير التقرير إلى أن حمزة كاظم الجبوري (42 عاما)، وهو مزارع شيعي، كانت قصته مختلفة تماما، والمنطقة التي ذهب إليها ابن عمه واثنان من جيرانه لاصطياد الكمأة، كانت تبعد حوالي 65 ميلا إلى جنوب المنطقة التي تم اختطاف ياسين منها، لافتا إلى أنهم مثل ياسين، تم خطفهم من رجال يلبسون زيا عسكريا، وتم أخذهم من خلال نفق إلى غرفة تحت الأرض، حيث وجد مختطفون آخرون، "لكن وجه الشبه ينتهي هنا".
وتبين الكاتبة أن المتطرفين لم يقدموا لكل واحد من مجموعة الجبوري سوى حبة تمر واحدة ونصف كوب ماء، في الوقت الذي كان فيه المختطفون السنة قد أعطوا وجبة كاملة، ودعي السنة للصلاة ولم يدع الجبوري ومجموعته للصلاة، وتم فك قيود السنة، لكن القيود بقيت في أيدي مجموعة الجبوري، وأخذت منه أحذيتهم.
وتكشف الصحيفة عن أنه في الوقت الذي قام فيه أحد مقاتلي التنظيم بتسمية السنة بأسمائهم وأسماء بلداتهم، فإنه عندما استدار للشيعة نادى عليهم فقط بكلمة "الكافر" وحكم عليه بالإعدام.
وبحسب التقرير، فإن المقاتلين قاموا خلال الليل بنقل الجبوري ومجموعته إلى الصحراء، وكان هناك رشاش M-16 بين السائق والحارس الذي يجلس بجانبه، مشيرا إلى أن الجبوري قام بتحرير يديه من الحبل؛ خشية أن يقتل، وهمس لأخيه بأن يفعل الشيء ذاته، وقال: "كنت فقط آمل أن أنجو، أن أعيش، لقد شاهدت العديد من الأفلام الأمريكية.. وفكرت بأنه ربما أستطيع أن أنقذ نفسي".
وتقول روبين إنه قام هو وأخوه وجاره بالإمساك بالمختطفين من الخلف، فقام السائق بإيقاف السيارة والفرار منها في الصحراء، وقفز الجبوري في مقعد السائق، وحاول تشغيل السيارة، لكن محرك السيارة لم يعمل، فأمسك بالرشاش ووضعه في بطن المقاتل الآخر، وحاول إطلاق الرصاص، لكن لم يستجب الرشاش، وحاول مرة أخرى ولم ينطلق، وأدرك لاحقا أن الرشاش كان مؤمنا.
وتورد الصحيفة نقلا عن الجبوري، قوله: "فقدت الأمل.. السيارة لا تعمل، والرشاش لا يعمل، ولا أستطيع رؤية شيء؛ لأننا كنا نمشي دون أنوار"، وأضاف أنه كان خائفا إلى حد بعيد، فقفز من الشاحنة، "لم أكن أفكر في أحد آخر، ولم أستطع أن أفكر في شيء.. كنت فقط أحمل الرشاش وأجري".
ويفيد التقرير بأن مقاتلين من تنظيم الدولة في سيارة أخرى بدأوا بعد ذلك بإطلاق النار عليه في الظلام، فارتمى الجبوري تحت نبتة صحراوية، وبقي ساكنا حتى ذهبوا، وقال إنه مشى لمدة أسبوع قبل أن ينقذه البدو الذين كانوا يجمعون الكمأة.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه بعد ثلاثة أيام وصل بيته، لكن دون أخويه وابن عمه، ما تركه يحمل شعورا بالذنب لخذلانه عائلته، وبعد أيام وجدوا مقتولين.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)