هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث في معهد بروكينغز والمعلق شادي حميد، يقول فيه إن هناك حاجة لفهم ما يقوله المتفوقون البيض من أجل منع هجوم إرهابي مثل الذي حدث في نيوزيلندا الجمعة الماضية.
ويقول حميد في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الاكتفاء بوصف منفذ الهجوم على كرايست تشيرتش في نيوزيلندا بـ(المجنون)، أو (المهووس) ليس صحيحا، فلم يكن في الحقيقة (مجنونا)، وفكر بهدوء بما يريد عمله وتحقيقه، كما بدا من المانفيستو الذي كتبه في 74 صفحة".
ويرى الكاتب أنه "يجب التعامل مع النقاشات والدوافع التي وردت في الوثيقة بجدية، وعدم رفضها على أنها هلوسات متطرف، وهذه هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع خطورة ما حدث، ومواجهة التهديد الذي سيظل معنا ولعقود قادمة".
ويستدرك حميد بأنه "رغم عقلانية التفكير الراغب في فهم الهجوم الأخير على أنه خارج المعقول، أو مجرد فعل عشوائي ولا يمكن التكهن به، إلا أنه هو الدافع ذاته الذي يشعر فيه الكثيرون عندما يواجهون بوحشية وقسوة تنظيم الدولة أو الجماعات الجهادية الأخرى، ومع أن محاولة عقلنة الشر باعتباره أمرا لا عقلانيا يجعل من السهولة بمكان التعامل مع الأخبار المريعة، إلا في هذه الحالة فإن من الخطأ عمل هذا، ومن الضرورة أن يقوم المسؤولون بقراءة ما كتبه القاتل في البيان الذي تركه".
ويشير الباحث إلى أن "هذا ما نفعله عادة عندما تصدر الدولة الإسلامية شريط فيديو أو تسجيلا وبيانات، وقد حاولنا فهم الدوافع التي دفعت الشبان التونسيين وبأعداد غير متكافئة للسفر إلى سوريا والقتال مع الجماعة المعروفة بوحشيتها".
ويبين حميد أنه "من خلال القراءة استطاع صناع السياسة فهم أهداف الجماعة الجهادية ورؤيتها للعالم، بما في ذلك نهاية الزمن، وفي الدرجة ذاتها فإنه مع ظهور النزعات المتفوقة البيضاء العنيفة فنحن بحاجة لأن نغمر أنفسنا في بئر هذه الجماعات، التي تبدو أدبياتها مثيرة للقلق أحيانا".
ويرى الكاتب أن "17 عاما من محاولات فاشلة لمواجهة التطرف الإسلامي تقدم دروسا مهمة، ومنها أهمية دراسة وفهم الأفكار التي تدفع المشاعر المتطرفة، وحتى في محاولة فهم التنظيمات ذات البعد الأيديولوجي، مثل تنظيم الدولة، كانت هناك محاولة لتجريد الفعل من دوافعه الدينية، وتصوير أهدافه بطريقة مبتذلة، أي أنه يستخدم الإسلام للحصول على القوة وليس العكس، أو أنه يستند على تفسير متشدد من الدين".
اقرأ أيضا: إيكونوميست: كيف أصبح التهديد القومي الأبيض وجه الإرهاب الجديد؟
ويجد حميد أن "من خلال قراءة مانفيستو القاتل في كرايست تشيرتش يتضح أنه فكر عميقا حول ما سيحققه عمله من تأثير وحشي، ولو فكرنا بطريقة عقلانية من ناحية أن النتائج تنبع من وسائل، فإن القاتل ربما كان عقلانيا، ومهما يكن ربما كان هذا التوضيح غير مهم، فلا يهم ماذا وما فعل لأنه اعترف بشر عمله".
ويقول الباحث: "إن التعامل مع الأفكار القومية البيضاء بجدية، ودراسة الكيفية التي تنظم فيها أفكارها الأيديولوجية، وكيف تعمل، تؤدي إلى سلسلة من الردود الأكثر فاعلية على مسألة العنف المتطرف، أنا أؤيد ردا قويا على هجوم نيوزيلندا، وهذا يعني بالنسبة للكثيرين التعامل مع القومية البيضاء -الجماعة التي تضم جزءا كبيرا من الجمهوريين على أنها قوة خارجية عدوانية- كما هو الحال مع المتطرفين المسلمين، ويجب في هذه الحالة تدميرها".
ويورد حميد نقلا عن الكاتب في "واشنطن مونثلي" ديفيد إيتكينز، قوله في أعقاب هجوم نيوزيلندا: "طالبت عدة مقالات صحافية معاملة الولايات المتحدة الإرهاب القومي الأبيض كما تتعامل مع بقية أشكال الإرهاب".
ويستدرك الكاتب بأن "نهجا متشددا عادة ما عرقل الحرب ضد الجهاديين، وهي الحرب التي لم تكن فاعلة نظرا لديمومتها، فأي شخص كان مستعدا لانتقاد الإفراط في تلك الحرب عليه الآن أن يعبر عن الاستعداد ذاته لانتقاد الحرب المقبلة".
ويلفت حميد إلى أن "هناك دعوات متزايدة في اليسار واليمين المعادي لترامب لمعاملة القومية الإثنية على أنها ثنائية غير مقبولة، ومن هنا فإنه سيتم وضع الشعبوية اليمينية المتطرفة في الإطار ذاته مع قاتل كرايست تشريتش، وبهذه القراءة فإن أي شخص يتعاطف مع القومية يعد خطرا أمنيا وتهديدا على الحضارة".
وينوه الكاتب إلى أنه "في أثناء الحرب الممتدة على الجهادية دعا الكثيرون من صناع السياسة للتفكير أكثر حول المظالم والفشل في السياسات وغيرها من الدوافع التي تدفع باتجاه العنف، فلم يكن كافيا القول (إنهم يكرهوننا بسبب أسلوب حياتنا) حتى لو كانوا يكرهون الغرب، فالمظالم التي ساقها أسامة بن لادن ومن معه، مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والدعم الأمريكي للديكتاتوريين، والعقوبات القاتلة على العراقيين، لا تنزع عنها الشرعية لمجرد استخدام الإرهابيين لها".
ويقول حميد: "كما هو الحال مع التطرف الإسلامي، فإن من المستحسن تجاهل المظالم البيضاء، التي تعبر عن سذاجة ونظريات مؤامرة وليس المظالم الحقيقية، ففي المانفيستو الذي أعده القاتل تحدث عن سبعة عوامل دفعته للتطرف، ورغم أن بعضها غير صحيح، لكنها قد تؤدي إلى نقاشات داخل الطيف السياسي، مثل (خسارة حقوق العمال) و(التدهور البيئي) و(انهيار المسيحية)".
ويعتقد الباحث أن "تحليل المانفيستو يعني الاعتراف بالكثير مما قاله كاتبه، لكننا لسنا بحاجة لذلك، خاصة أن الكثيرين سيقومون بالعمل ذاته لو أصدر تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة بيانات وخطابات أو وثائق، مع أن القاتل لا يريد فهم المظالم التي ساقها للتعامل معها كونها حقيقة، بل يريد مفاقمة التشدد، ويعتقد أن القتل سيدخل الناس في مرحلة من الفوضى وعدم الانسجام، وهذا هو بالضبط هدف الإرهاب، أي إجبار الدولة المستهدفة أو المجتمع على التصرف بطريقة لم يكن يتصور أنه سيقوم بها، وهدف المتشددون الجدد هو (زيادة التناقضات)".
ويختم حميد مقاله بالقول إن "القاتل في نيوزيلندا ربما نجح في دفع الانقسام في المجتمعات الغربية، والمقاومة هي الحل".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)