هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الكاتب في صحيفة
واشنطن بوست، دايفيد إغناتيوس، إن عددا ممن شاركوا في عملية اغتيال الكاتب والصحفي
السعودي، جمال خاشقجي، تلقوا تدريبات في مرحلة ما في الولايات المتحدة الأمريكية،
وإن التدريب أوقف بعد العملية.
وفي مقابلة له بالصحيفة، ترجمتها "عربي21"، قال إن الولايات المتحدة علقت برنامج التدريب بعد مقتل خاشقجي، وإن مجموعة
"أن أس أو" الإسرائيلية المتخصصة في تقنيات قرصنة الهواتف أوقفت تعاونها
مع الرياض خوفا من استخدام تقنياتها بصورة سيئة.
اقرأ أيضا: واشنطن بوست: دروس لم يتعلمها العالم تتعلق بمقتل خاشقجي
وتناول في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية استمرار تداعيات اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي رغم مرور ما يقرب من ستة أشهر على مقتله. فقد أدت هذه القضية إلى زعزعة الشراكة بين الاستخبارات الأمريكية والسعودية، ما يعني أن مستقبل هذه العلاقة معلق إلى حين تقديم الرياض إجابات مقنعة عما حدث، وفق قوله.
وقال للصحيفة، إن السعودية لم تكشف رسميا كيف ولماذا قُتل خاشقجي. لكن المصادر السعودية والأمريكية بدأت في الكشف عن معلومات جديدة حول الأشخاص والأحداث المحيطة بزيارة خاشقجي القاتلة إلى إسطنبول، كما أنهم تطرقوا إلى صفقات المخابرات السرية المجمدة الآن.
وتساءل عمن قام بتدريب الفريق الذي قتل خاشقجي، وعن الأدوار التي لعبها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومساعدوه المقربون في عملية القتل. وما هي الضوابط الجديدة التي يمكن وضعها في الرياض وواشنطن، للتأكد من عدم تكرر عمليات القتل المروعة للصحفيين؟ ولكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بشكل ملح في هذه المرحلة هو: هل سيتم محاسبة أي شخص؟
وأضاف إغناتيوس أن الأكاذيب الأولية للمملكة حول القتل قد انهارت بعد فترة وجيزة من اختفاء خاشقجي في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر. لكن محمد بن سلمان لم يحمّل القتلة مسؤولية جريمتهم، التي نفذوها نيابة عنه وربما بأوامره منه. وإلى أن يقدم إجابات حقيقية، من المرجح أن تظل الشراكة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية السعودية، المهمة لضمان أمن البلدين، طي النسيان.
لفهم كيف حدث الاغتيال الشنيع لخاشقجي وما إذا كان من الممكن إعادة بناء العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، قابل مراسلو الصحيفة أكثر من عشرة مصادر أمريكية وسعودية مطلعة، كشفت بعض التفاصيل السرية في السابق لأنهم يأملون في وضع قواعد جديدة وضمان المساءلة التي قد تحافظ على العلاقة بين البلدين. ونظرا لحساسية الموضوع، طلب المتحدثون عدم الكشف عن هوياتهم.
وخلص إغناتيوس إلى أنه إذا ما لم يتحمّل ولي العهد مسؤوليته في هذه القضية ويتقبل اللوم على الأعمال التي ارتكبت باسمه، فإن علاقته بالولايات المتحدة ستبقى متصدعة. ويزعم المسؤولون السعوديون أن محمد بن سلمان قد اتخذ قرارات حيال هذا الموضوع، حيث طرد منسق العمليات السرية السابق سعود القحطاني.
وقال: "لكن آلة القمع السعودية لا تزال سارية، ويديرها الكثير من الأشخاص الذين عملوا مع القحطاني. كما أن المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالقلق إزاء ولي العهد الشاب، الذين يعتبرون أنه أضحى النسخة السعودية من صدام حسين، ليمثل "النسخة الحديثة" من الاستبداد".
ونوه إلى أن ولي العهد قد اتخذ خطوة صغيرة نحو استرضاء النقاد، وكان ذلك يوم الخميس عندما أعلنت المملكة أنها أطلقت سراح ثلاث ناشطات في مجال حقوق الإنسان في حين لا تزال عشر نساء أخريات قيد الاحتجاز. ومن جانب آخر، ناقش الأمير خالد بن سلمان، الأخ الأصغر لولي العهد، السفير السابق في واشنطن ونائب وزير الدفاع الآن، العلاقات السعودية الأمريكية في مقابلة أجريت معه في واشنطن يوم الخميس.
وفي هذا الصدد، بين خالد بن سلمان أنه على الرغم من الانتقادات الشديدة في الكونغرس للسعودية في أعقاب مقتل خاشقجي، إلا أنه يأمل في إصلاح الشراكة ذلك أن "العلاقة لم تبدأ في يوم واحد، ولن تنتهي في يوم واحد". وعلى الرغم من رغبة إدارة ترامب في الحفاظ على العلاقات مع السعوديين إلا أنها تواجه مقاومة شرسة من الكونغرس.
وأفاد إغناتيوس بأن قضية خاشقجي تمثل درسا في كيفية إساءة استخدام قدرات الاستخبارات والعمليات الخاصة التي تدعمها الولايات المتحدة من قبل دول أخرى. وفيما يلي، الاستنتاجات التي توصلت لها الصحيفة من خلال الحوارات التي أجرتها. لقد تلقى بعض أعضاء المجموعة السعودية للتدخل السريع التي تم إرسالها إلى إسطنبول تدريبات في الولايات المتحدة، وذلك وفقًا لمصادر أمريكية وسعودية.
وحذرت وكالة المخابرات المركزية الوكالات الحكومية الأخرى من أن بعضًا من عمليات التدريب الخاصة قد تمت بواسطة "تاير 1 غروب"، وهي شركة مقرها أركنساس، بموجب ترخيص من وزارة الخارجية. وقد تمت عملية التدريب قبل مقتل خاشقجي.
وأضافت الصحيفة أن خطة أمريكية لتدريب وتحديث جهاز المخابرات السعودي مازالت معلقة أيضًا، في انتظار موافقة وزارة الخارجية على ترخيص. كما أن أحد الأشخاص الذين أجروا الاتصالات للتخطيط لمشروع تدريب كولبيبر كان اللواء أحمد العسيري، نائب رئيس الاستخبارات السعودية، الذي يقول المسؤولون السعوديون إنه قيد التحقيق بسبب تورطه المزعوم في عملية إسطنبول.
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم تعيين مايكل موريل، القائم بأعمال المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، علنًا رئيسا لمجلس إدارة شركة كولبيبر سنة 2017، لكنه لم يعد يشغل هذا المنصب، وفقًا لمصدر مطلع على الشركة. وقال مصدر ثان إن موريل انسحب من المشروع خلال أيام من مقتل خاشقجي بسبب قلقه بشأن الاتجاه الذي تسير فيه السعودية.
وأوردت الصحيفة أن مجموعة "إن إس أو"، وهي شركة إسرائيلية تقدم أدوات متطورة لاختراق الهواتف المحمولة، قامت بمراجعة وتعديل علاقتها مع المملكة، وذلك وفقًا لمصدر سعودي. وبعد مراجعة داخلية للمجموعة، قالت الشركة إن تقنية المراقبة الخاصة بها لم تساهم بشكل مباشر في تتبع خاشقجي. لكن الشركة جمدت طلبات جديدة من المملكة بسبب المخاوف من إساءة استخدام تقنيتها.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين في الولايات المتحدة يعتقدون أنه دون وجود قواعد واضحة ومساءلة، فإن الشراكة قد لا تكون مستدامة، خاصة في ظل المعارضة الشديدة من العديد من أعضاء الكونغرس.
وبين إغناتيوس أنه لفهم كيفية وقوع الجريمة في إسطنبول يجب التركيز على كل من بن سلمان والقحطاني. فعندما تولى الملك سلمان العرش وبعد بضعة أشهر من تعيين ابنه محمد ولي عهده، بدأ القحطاني في استخدام البلاط الملكي لقمع المعارضة. وكانت قاعدة عملياته هي مركز الدراسات والإعلام. ومن ثم بدأ بتجميع فريق من أجهزة الاستخبارات والجيش السعوديين، وبدأ شراء أدوات المراقبة.
ونظرًا لأن القحطاني متخصص في شن الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي ضد منتقدي بن سلمان، أصبحت أهدافه تميل بشكل متزايد نحو المعارضين السياسيين والصحفيين مثل خاشقجي. وبحلول سنة 2017، كان القحطاني قد وضع قائمة بأكثر من عشرين اسمًا، من بينهم خاشقجي، لأشخاص قد يكونون عرضة للاعتقال أو الاحتجاز، وفقًا لسعودي شاهد القائمة.
وأورد إغناتيوس أن القحطاني قام بتطوير قدرات العمليات الخاصة في المركز. وأصبح العديد منهم لاحقًا أعضاء في مجموعة التدخل السريع التي تم إرسالها إلى إسطنبول لاختطاف أو قتل خاشقجي، على غرار ماهر مطرب الذي ذكر لبعض أصدقائه السعوديين أنه ارتاد العديد من البرامج التدريبية في الولايات المتحدة خلال العقد الماضي، وثائر غالب الحربي الملازم الأول في الحرس الملكي.
ونوه إلى أن ما حدث داخل القنصلية السعودية في إسطنبول لا يزال غامضًا حتى بعد ستة أشهر، لأن السعوديين لم يكشفوا بعد عن الأحداث بشكل كامل. لكن الحقيقة كُشفت من خلال التسجيل الصوتي الذي كشفته المخابرات التركية والذي يظهر النقاش الذي وقع بين خاشقجي ومطرب. ويبقى كل ما حدث بعد ذلك النقاش غامضا. لكن من المرجح أنه تم حقن جمال بمسكن ومن ثم وضع رأسه في كيس إلى أن اختنق حيث ظهر في التسجيل وهو يقول "لا أستطيع التنفس. أنا أعاني من الربو. لا تفعل هذا".
وبعد فشل التغطية الأولية، اتهم المدعي العام السعودي 11 شخصًا بمقتل خاشقجي وحكم على خمسة منهم بالإعدام. ولم يكن القحطاني أحد الـ 11، حسب مصادر سعودية وأمريكية. وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأن القحطاني قيد الإقامة الجبرية، إلا أن سعوديين صرحا بأنه ربما لا يزال على اتصال مع مساعديه السابقين. وقال مسؤول سعودي يعرف القحطاني جيدًا: "إذا كنت في منصبه، فأنت تريد التأكد من أنك لن تخسر كل شيء".
وأشار إلى أنه ما لم يعترف ابن سلمان ويتحمل مسؤولية الجريمة ويقدم ضمانات بأن مثل هذه الجرائم لن ترتكب مرة أخرى، فإن معضلة مقاولي الدفاع والاستخبارات الأميركيين ستضل قائمة، حيث أن الشركات الأمريكية التي ترغب في بيع التكنولوجيا أو الخدمات إلى السعودية أو الدول الأجنبية الأخرى تخضع لعملية فحص معقدة. وينطبق هذا الإجراء على كل الصفقات الحكومية المباشرة، والمعروفة باسم "المبيعات العسكرية الأجنبية"، والعقود الخاصة المشار إليها باسم "المبيعات التجارية المباشرة".
وأكد إغناتيوس أن الكونغرس يفرض مراجعة سجل حقوق الإنسان على الدول التي يبرم معها صفقات بيع الأسلحة أو تلقي التدريب في الولايات المتحدة. وقد صمد التحالف السعودي الأمريكي قرابة 75 عاما متجاوزًا اختبارات صارمة، بداية من الحظر النفطي العربي سنة 1973 وصولا إلى دور أعضاء القاعدة السعوديين في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. لذلك، كان من المفاجئ أن يمثل مقتل الصحفي جمال خاشقجي منعطفا لمسار العلاقة بين البلدين.
وفي الختام، قال إغناتيوس إن خاشقجي ربما قد أنجز بموته ما لم يحققه في كتاباته، حيث استطاع وضع بن سلمان في مأزق مما سيضطره إما إلى تحمل مسؤولية أفعاله والتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، أو المخاطرة بفقدان دعم الجيش الأمريكي والمخابرات الأمريكية الضروريين لضمان أمن المملكة. وكتب خاشقجي في كثير من الأحيان عن رغبته الشديدة في التحديث وسيادة القانون في المملكة. وفي لحظاته الأخيرة، أقر بأنه لا يستطيع التنفس، لكن قتله ربما يعطي الأكسجين لمطالبه بالإصلاح.