هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وصف سياسيون ودستوريون الصياغات النهائية التي توصلت إليها اللجنة التشريعية بمجلس النواب المصري، للتعديلات الدستورية، التي ناقشها البرلمان على مدار الشهرين الماضيين، بأنها خداعة ومحاولة للالتفاف على منصوص المادة الانتقالية التي أثارت جدلا كبيرا أثناء طرحها.
ويؤكد المختصون لـ "عربي21"، أن الأحداث في السودان والجزائر وليبيا، وارتفاع الأصوات الرافضة للتعديلات وتحديدا للمادة الانتقالية الخاصة برئيس نظام الإنقلاب العسكري، والتي كانت تمنحه فرصة الاستمرار بالحكم بعد انتهاء ولايته الثانية في 2022، كل ذلك دفع البرلمان للتحايل على المادة الانتقالية، وتقليص المدة الإضافية الممنوحة للسيسي لتكون حتى عام 2030، بعد أن كانت حتى 2034.
وحسب المختصين فإن المادة الانتقالية في صورتها النهائية تمثل فضيحة دستورية، ليس لها مثيل على مستوى العالم، وتعيد للأذهان الكيفية التي فصَّل بها نظام حسني مبارك المادة 76 من دستور 1976، المتعلقة بشروط الرئاسة على مقاس جمال مبارك.
وكانت اللجنة التشريعية قدمت لرئيس البرلمان علي عبد العال، الصورة النهائية للصياغات التي توصلت إليها حول التعديلات المقترحة، والمقرر التصويت عليها بشكل نهائي في الجلسة العامة للبرلمان صباح الثلاثاء 16 نيسان/ إبريل الجاري، من خلال النداء بالاسم، كما عقد ائتلاف دعم مصر الذي قدم التعديلات، اجتماعا مساء الاثنين لحشد نوابه من أجل ضمان أعلى نسبة تصويت داخل البرلمان لصالح التعديلات، حيث يتكون الائتلاف من 350 نائبا.
وتنص المادة 140 الخاصة بمدة الرئاسة في صياغتها النهائية، على أن مدة الرئاسة 6 سنوات ميلادية، لفترتين متتاليتين، بدلا من 4 سنوات، مع تعديل المادة الانتقالية الخاصة بالسيسي، لتنص على أن تكون مدة رئاسته الحالية 6 سنوات يتم احتسابها منذ تاريخ إعلان انتخابه رئيساً للجمهورية لولاية ثانية في 2018، مع منحه حق الترشح لفترة رئاسية أخرى، بعد انتهاء الفترة الحالية في 2024.
اقرأ أيضا: عصام حجي يدعو المصريين للمشاركة الإيجابية بحملة "باطل"
ترقيع مشين
ووصف الخبير الدستوري أحمد الكومي، التعديلات في شكلها النهائي، بأنها ترقيع مشين، الهدف منه منح رئيس الانقلاب فرصة للبقاء بالحكم حتى عام 2030، بعد احتساب ولايته الثانية التي جرت في 2018، بست سنوات، رغم أن الشعب انتخبه على أساس أنها 4 سنوات فقط، وهو ما يعتبر كارثة دستورية، لأنها تمثل التفافا واضحا على قرار الشعب المصري الذي أعلنه في صناديق الانتخاب، بصرف النظر عن نزاهة الانتخابات وقتها أو عدم نزاهتها.
ويؤكد الكومي لـ "عربي21"، أن نظام السيسي كان بين خيارين، الأول المضي في طريقه الذي بدأه بإقرار نفس التعديلات دون تغيير، أو إحداث تغيير يمثل تراجعا أمام الجماهير، نتيجة الرفض الشعبي المتنامي لفضيحة هذه التعديلات، ولكن في النهاية يبدوا أن ترزية الدستور توصلوا لهذا التصور المعيب، تحسبا للأوضاع السياسية الساخنة المحيطة بمصر، في السودان والجزائر وليبيا.
ويضيف الخبير الدستوري قائلا: "الصياغات التي انتهت إليها التعديلات سيئة وركيكة، وتشير للاستخفاف بفكرة أن يكون لمصر دستور يجب احترامه وتقديره، باعتبار أن الهدف من كل هذه الإجراءات هو منح السيسي، المزيد من السطوة المغلفة بإطار دستوري، تخدم أهدافه للبقاء في السلطة لما لا نهاية".
وفيما يتعلق بباقي المواد التي شملتها التعديلات، يشير الكومي إلى أن التعديلات، جاءت لإحكام قبضة السيسي على الحياة السياسية والقضائية، إلا أن هذا لا يعني عدم حدوث تغييرات على الصورة الأولى التي ظهرت عليها التعديلات وخاصة في المواد المتعلقة بموازنات القضاء، ودور المجلس الأعلى للهيئات القضائية، حيث تم تعديل التعديلات لتهدئة خواطر القضاة.
اقرأ أيضا: نافعة: تعديلات الدستور المصري لا مثيل لها في العالم
مقاطعة إيجابية
على جانب آخر يؤكد الخبير السياسي أحمد الشافعي لـ "عربي21"، أن المادة الخاصة بخلو منصب الرئيس، وأن يحل مكانه نائب الرئيس المعين أو رئيس الحكومة المعين، يشير إلى أن عملية التدوير داخل منظومة الحكم، لن تخرج عن المؤسسة العسكرية، خاصة وأن دستور 2012 ودستور 1976 قبل تعديله، نص على أن يحل رئيس مجلس الشعب، ثم رئيس المحكمة الدستورية، محل رئيس الجمهورية في حالة خلو منصبه بالوفاة أو المرض.
ويشير الشافعي إلى أن استبعاد رؤساء المؤسسات المنتخبة، واستبدالهم بالمعينين، يؤكد أن النظام العسكري الحاكم، لا يقبل بأي خيار ديمقراطي، يمكن أن يمثل تهديدا لمكونات هذا النظام، حتى لو كانت في إطارات شكلية ربما لن تتحقق على أرض الواقع.
وفيما يتعلق بقناعة الشعب المصري بهذه التعديلات يؤكد الخبير السياسي، أن المصريين، يعيشون أسوأ مراحلهم الأمنية والسياسية، وتعاطيهم مع الاستفتاءات على الدساتير، يختلف عن مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، وبالتالي فإن التعويل على أن يخرج الشعب بكثافة للتصويت ضد التعديلات، هو أمر لم يعتده الشعب المصري.
وتوقع الشافعي أن يكون التصويت الشعبي ضد التعديلات بشكل مختلف، وبعيدا عن مراكز الاقتراع، من خلال العزوف عن المشاركة في هذه المهزلة، رغم كل الإجراءات التي اتخذها نظام السيسي، لضمان المشاركة الشعبية الكبيرة في الاستفتاء، باعتباره استفتاء على سياسة السيسي وليس على التعديلات الدستورية.