هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا لمراسلها من تل أبيب جوشوا ميتنك، يقول فيه إنه مع غروب شمس يوم الانتخابات الأسبوع الماضي، ومع قرب انتهاء الدقائق الأخيرة من التصويت، فإن دعوات من مآذن المساجد ومن سيارات الشحن الصغيرة انطلقت تدعو العرب للتصويت.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن نسبة تصويت الأقلية العربية، التي تشكل خمس سكان الدولة، كانت أقل من النسبة العامة، وأصبح التمثيل العربي القليل في الكنيست مهددا بالزوال.
ويقول جوشوا إن السماعات نادت: "اخرجوا وأدوا واجبكم.. اخرجوا وصوتوا للأحزاب العربية.. فهذه الأحزاب في خطر"، مستدركا بأن ذلك كان قليلا جدا ومتأخرا جدا.
وتفيد المجلة بأن مجاميع الأصوات أظهرت بعد ذلك تراجعا دراماتيكيا في المشاركة بين العرب الإسرائيليين، فوصلت نسبة التصويت إلى أدنى مستوياتها في تاريخ الانتخابات 49.1%، حيث تراجعت عن 63.5% في انتخابات عام 2015، بحسب الباحث في معهد الديمقراطية في جامعة تل أبيب أريك رودنتزكي، وكان التراجع في المشاركة بين الناخبين كلهم 5%، فوصل إلى 68%.
ويلفت التقرير إلى أنه الآن، حيث ينتظر أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومة ائتلاف ضيقة مع الأحزاب اليمينية القومية والمتدينة، فإن التمثيل العربي في الكنيست تراجع وتصدع، ويواجه المواطنون العرب أزمة ثقة في نوابهم، وتهميشا متزايدا في السياسة الإسرائيلية.
وينقل الكاتب عن لوسي هريش، وهي صحافية تلفزيون عربية إسرائيلية، قولها في مقابلة مع الإذاعة الاسرائيلية: "لقد بدأ السياسيون العرب رحلة مساءلة الذات.. فالناخب لم يقم بالإعراب عن عدم ثقته بنظام (الانتخابات الإسرائيلي)، لكنه أعرب عن عدم ثقته بممثليه".
وتقول المجلة إن الوضع اختلف كثيرا عن النشوة التي شعر بها العرب في إسرائيل قبل أربعة أعوام، فبالرغم من فوز نتنياهو عام 2015 ورسالته العنصرية لليمينيين، حيث قال لهم إن العرب "يتدفقون" إلى مراكز الاقتراع، فإن تحالف القائمة المشتركة، الذي ضم أحزابا عربية مختلفة الأيديولوجية، فاز وخرج في الانتخابات ثالث أقوى كتلة في البرلمان، ما جعل العرب يشعرون بأنهم قوة سياسية يمكنها ـن تكون لاعبا في السياسة البرلمانية.
ويفيد التقرير بأن عدد أعضاء الكنيست من الأحزاب التي يسيطر عليها العرب سيتراجع من 13 في البرلمان الماضي إلى 10، منقمسمة بين الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطني الديمقراطي، مشيرا إلى أن عدد النواب العرب من الأحزاب كلها تراجع من 17 إلى 12.
ويذكر جوشوا أن النواب العرب، الذين تراجع عددهم في المعارضة، سيجلسون مع الأحزاب اليسارية، التي عانت أيضا من خسائر أليمة في الانتخابات، مشيرا إلى أن حزب أزرق وأبيض، الوسط، أهمل الناخب العربي، وركز على يمين الوسط الإسرائيلي.
وتبين المجلة أن "الأحزاب ذات الغالبية العربية (ليس في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة سوى نائب إسرائيلي يهودي واحد)، كانت دائما تعد غريبة في السياسة الإسرائيلية: ولم تدع أي منها للمشاركة في ائتلاف حاكم، وكانت هناك فترة قصيرة من التعاون بين الأحزاب العربية وحكومة رئيس الوزراء إسحاق رابين خلال بداية التسعينيات، عندما وقعت الحكومة صفقة السلام مع الفلسطينيين، ومع ذلك فإن كثيرا من العرب الإسرائيليين يرغبون في رؤية أحزابهم تمارس شيئا من الضغط السياسي".
ويورد التقرير نقلا عن موسى حسدية، وهو مدير شركة إعلانات، قوله: "شكلت النتائج زلزالا سياسيا، فتشكيل القائمة المشتركة انهار فجأة.. لقد كانت أنانية النواب والقادة السياسيين العرب أكبر من أن يستطيعوا الحفاظ على (القائمة المشتركة)".
ويستدرك الكاتب بأن خيبة الأمل في القيادة السياسية يمكن أن توضح جزئيا سبب قلة نسبة الناخبين الذين قاموا بالتصويت، فيذكر الخبراء أيضا إحباط الناخبين من قانون الدولة اليهودية، الذي تم تمريره عام 2018، والذي شدد على يهودية الدولة، وجعله أهم من الديمقراطية والمساواة للأقلية العربية.
وتنوه المجلة إلى أن الحملة الانتخابية زادت من الشعور بالإهانة بين العرب، فأعلن نتنياهو في مرحلة أن "إسرائيل ليست دولة لمواطنيها كلهم.. إنها الوطن القومي للشعب اليهودي فقط"، وقضى نتنياهو وحلفاؤه معظم حملتهم الانتخابية يحذرون الناخب الإسرائيلي من أن منافسه بني غانتس من حزب أزرق وأبيض سيشكل ائتلافا مع الأحزاب السياسية العربية، فكان شعار الليكود "إما بيبي أو الطيبي"، في إشارة إلى عضو الكنيست أحمد الطيبي، الذي كان مستشارا لدى عرفات، وهو الآن مع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
ويشير التقرير إلى أنه بدلا من الرد على نتنياهو، فإن غانتس بدا أنه يدير ظهره للنواب العرب، واعدا بأنه سيتعاون فقط مع الأحزاب "الصهيونية واليهودية" في إنشاء ائتلاف جديد.
ويقول جوشوا إن الإهانة الأخيرة جاءت عندما قام مراقبو الانتخابات من حزب الليكود، الذين عينوا لمراقبة الانتخابات في البلدات العربية، بالحضور إليها وهم يحملون كاميرات سرية تبرز من خلف قمصانهم، وتم نشر فيديوهات مواجهات على مواقع التواصل الاجتماعي العربية، مشيرا إلى أن مديري شركة العلاقات العامة التي عملت مع حزب الليكود تبجحوا بعد انتهاء التصويت بأن الحيلة نجحت في التخفيف من إقبال الناخبين العرب.
وتنقل المجلة عن أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة نورثويستيرن، إيلي ريخيس، قوله: "إن ذلك عالم أورويل، إن هذا عودة إلى الحكم العسكري"، في إشارة إلى أول 18 عاما من وجود إسرائيل، حيث كانت تخضع البلدات العربية للحكم العسكري وقانون الطوارئ، وأضاف: "لم يكن نزع الشرعية أقوى منه، مثل ما كان في هذه الحملة الانتخابية: (بيبي أو الطيبي)، تعني أنك لست في اللعبة، ولم يقل أي حزب أنه يريدهم في ائتلاف حاكم".
ويجد التقرير أن هذه النتيجة الكئيبة ستقوي من أزمة المجتمع العربي في إسرائيل على عدة جبهات، فقد تقوي دعاة مقاطعة النظام السياسي الإسرائيلي، مشيرا إلى أنه مع أن استطلاعات الرأي تظهر أن 10% فقط يؤيدون المقاطعة، إلا أنه كانت هناك حملة مقاطعة قوية على الإعلام الاجتماعي خلال عملية الانتخابات.
ويورد الكاتب نقلا عن الخبير السياسي في مركز جفعات للمجتمع المشترك محمد دراوشة، قوله: "البعض يدعي الآن أن أعضاء الكنيست العرب يمثلون فقط أقلية من المجتمع العربي.. وبسرعة سنبدأ بسماع كثير من الناس يسمحون لأنفسهم بأن يكونوا أكثر نقدا للقيادة العربية، لمجرد موافقتهم على الجلوس في الكنيست، إن هذه خطوة خطيرة ستنتهي بالانتحار السياسي".
وتقول المجلة إن "على معارضي المقاطعة أن يقرروا إن كانوا سيضمون أصواتهم إلى الأحزاب اليهودية الصهيونية، التي تدعو للمزيد من التعاون مع الأحزاب ذات الغالبية العربية، كون ذلك وسيلة لإعادة بعث اليسار الإسرائيلي، وذهبت حوالي 28% من الأصوات العربية للأحزاب الصهيونية، ونسبت زعيمة حزب "ميرتز" تامار زاندبيرغ، دخول حزبها إلى الكنيست للناخبين العرب".
ويذهب التقرير إلى أن "على الزعامات العربية أن توازن بين الضغط لحل مشكلة الفقر ونقص التقدم والجريمة في مجتمعاتهم، وتأييدهم لإخوانهم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، (في الأيام الأخيرة قبل التصويت وعد نتنياهو بضم الأجزاء التي تحتوي على مستوطنات في الضفة الغربية)".
ويستدرك جوشوا بأنه بالرغم من الخطاب السياسي المستقطب من نتنياهو وحلفائه السياسيين، إلا أن الحكومة المغادرة كانت قد قررت إنفاق 4.25 مليار دولار على مدى خمس سنوات على التطوير والتعليم والبنية التحتية في البلدات العربية المهملة، ففي الوقت ذاته الذي يحاول فيه رئيس الوزراء تهميش العرب سياسيا، إلا أنه يعلم أن البطالة والعزلة سيكون لهما أثر سلبي على الاقتصاد الإسرائيلي.
وتنقل المجلة عن الباحث في معهد إسرائيل للديمقراطية أريك رودنتسكي، قوله إنه كان من الملاحظ أن الأحزاب العربية لم تشر كثيرا الى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فالنواب يدركون أن هناك تناميا في عدد الفلسطينيين العرب من الطبقة الوسطى، من الصيدلانيين والأطباء والمبرمجين، يرغبون في الانخراط في التيار الرئيسي الإسرائيلي.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول رودنتسكي، وهو أيضا زميل في مركز موشي دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب: "هناك أصوات تدعو للمزيد من الانخراط، وتؤكد هويتها الإسرائيلية.. فلم تعد البطاقة الفلسطينية مجدية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)