هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت موافقة 96% من إجمالي أعضاء البرلمان المصري على التعديلات الدستورية علامات الاستفهام لدى الخبراء والمختصين عن النسبة المتوقعة التي سينتهي إليها الاستفتاء على التعديلات التي تقرر له أيام 20 و21 و22 من نيسان/ أبريل المقبل.
وأكد سياسيون ومحللون أن نظام الانقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، يسير على درب سابقيه من الأنظمة ذات الخلفية العسكرية، التي ترى أن الوصول للرقم 99% إنجازا، ودليلا على شعبيتها، حتى لو كان العالم كله يعرف عكس ذلك.
وكان البرلمان المصري أعلن موافقة 531 نائبا على التعديلات الدستورية بنسبة 96% من إجمالي عدد أعضاءه، مقابل رفض 22 نائبا يمثل معظمهم تكتل 25/30، والذين اعتبروا التعديلات المسمار الأخير في نعش ثورة 25 يناير 2011.
وكشفت مصادر برلمانية لـ "عربي21" أن ائتلاف دعم مصر، الذي يضم معظم الأحزاب الممثلة في البرلمان، اشترط على نوابه الموافقة على التعديلات ودعمها بشكل مطلق، مقابل دعم النظام لهم في الانتخابات التشريعية التي تجري في 2020.
ووفق المصادر نفسها، فإن رئيس التكتل وزعيم الأغلبية عبد الهادي القصبي، عقد اجتماعا مطولا مع نواب التكتل مساء ليلة التصويت، وأخبرهم أن الجلسة الخاصة بالتصويت منقولة تلفزيونيا بشكل مباشر لمكتب السيسي لمتابعتها لحظة بلحظة، لضمان ارتفاع نسبة التصويت المؤيد للتعديلات.
خداع سياسي
وفي وصفه لظاهرة 96% التي انتهي إليها التصويت البرلماني، يؤكد الباحث السياسي بجامعة القاهرة أسامة أمجد لـ"عربي21" أن هناك فترة فاصلة في التاريخ المصري الحديث، هي الوحيدة التي شهدت النسب الحقيقية للاستفتاءات الدستورية أو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهي الاستحقاقات الخمسة التي تلت ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وحتى الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013.
ويوضح أمجد أن أول استفتاء عرفته مصر بعد ثورة يناير، كان في 19 آذار/ مارس 2011، حول تعديل عدد من مواد دستور 1976، الخاصة بترتيبات الفترة الانتقالية، وقد أيد 77% التعديلات مقابل رفض 22% من الذين شاركوا في الاستفتاء، بينما كانت النسبة أقل في دستور 2012 الذي أيده 64%، ورفضه 36% من عدد المشاركين في الاستفتاء أيضا.
ويضيف الباحث السياسي قائلا: "الأمور اختلفت بشكل كبير بعد انقلاب تموز/ يوليو، حيث عادت نسب الـ 95% فما فوق للظهور مرة أخري مع دستور 2014، والذي أعلنت اللجنة المشرفة على إجرائه، أنه حظي بتأييد 98% من المشاركين في الاستفتاء، ثم انتقلت النسبة بعد ذلك للعملية الانتخابية وتحديدا الإنتخابات الرئاسية، حيث فاز السيسي بنسبة 97% في رئاسيات 2014 و2018".
ويوضح أمجد، أن نسبة 95% فما فوق لم تعرفها مصر إلا في ظل الأنظمة الديكتاتورية، التي تعتقد أن حصولها على هذه النسبة يترجم شرعيتها في الشارع، ويزيد من قوة موقفها لدى المجتمع الدولي، وهذه الرسالة الأخيرة هي هدف نظام السيسي تحديدا، بأن الشعب يقف في صفه، رغم أن المجتمع الدولي يتابع الانتخابات ويعرف كيف يتم التلاعب فيها، سواء من المنبع أو أثناء العملية الانتخابية نفسها.
طناش السيسي
ويضيف خبير التخطيط الإعلامي يوسف العبيدي لـ"عربي21" أن النظام المصري يحاول تكرار التجربة الناصرية، سواء في المجال السياسي أو الإعلامي، فهو يعتمد على ائتلاف دعم مصر بالبرلمان من أجل تمرير التعديلات، وعلى وسائل الإعلام الخاضعة لقبضته، من أجل الترويج للتعديلات، وعلى الأجهزة الأمنية من أجل إقرار التعديلات، مع عدم ظهور السيسي في الصورة، لتخرج التعديلات وكأنها رغبة شعبية جارفة، سوف يخضع إليها الرئيس مجبرا.
ويؤكد العبيدي أن الحديث عن التعديلات الدستورية بدأ منذ أكثر من عام، ثم بدأت الخطوات الفعلية لها بداية شهر شباط/ فبراير الماضي، ولم تهدأ الساحة المصرية منذ ذلك التاريخ بالحديث عن التعديلات، ما بين الرفض والتأييد والمقاطعة، ورغم كل ذلك، لم يصدر عن السيسي أي تصريح خاص بها، رغم أنه عقد عشرات المؤتمرات الجماهيرية واللقاءات السياسية.
ويضيف الخبير الإعلامي قائلا: "حتى دعوة الجماهير للاستفتاء الشعبي التي خولها الدستور لرئيس الجمهورية، تركها السيسي للجنة العليا للانتخابات، حتى يظهر في النهاية في موقف البعيد عن التعديلات وكأنها لا تعنيه في شيء، وهو ما يأتي ضمن مخططه المرسوم، بأن تكون التعديلات نابعة من رغبة شعبية ولا يقف النظام خلفها من وراء الستار".
وحسب العبيدي، فإن توحيد الدعاية الخاصة بدعوة الجماهير للموافقة على التعديلات، وغياب أي لافتة ترفض التعديلات أو تدعو المواطنين لرفضها، واستغلال المؤسسات الدينية في تحفيز الجماهير للمشاركة في الاستفتاء، وإجراء الاستفتاء على ثلاثة أيام، كلها محاولات لتصدير صورة للرأي العام العالمي، بأن الشعب المصري يقف بأكمله خلف التعديلات، وبالتالي فعندما تخرج النتيجة النهائية بالموافقة عليها بنسبة أكثر من 96% يكون الأمر طبيعيا، ولا مجال للشك فيه.