هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بينما كان الحراك
الشعبي في الجزائر يصر في جمعته الحادية عشر على ذهاب رئيس الدولة عبد القادر بن
صالح والوزير الأول نورالدين بدوي ورئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب أو ما
يعرف بالباءات الثلاثة أو البلاءات الثلاثة كما وصفهم نشطاء الحراك، كان الفريق أحمد قايد صالح رئيس
أركان الجيش الشعبي الوطني يستهدف المصادر
الرئيسية للسلطة في الجزائر أو ما يعرف بالقوى غير الدستورية أو الدولة العميقة
أو العصابة وهو الاسم الذي اشترك الجيش مع
الحراك في إطلاقه على قادة من اغتصبوا السلطة في الجزائر وهم السعيد بوتفليقة المستشار السابق برئاسة الجمهورية والشقيق
الأصغر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة والجنرال المتقاعد محمد مدين المدعو توفيق
والجنرال عثمان طرطاق المدعو بشير وهما رئيسي جهاز المخابرات السابقين.
لقد كان الاستهداف
بمثابة ضربة نوعية لقلب نظام بوتفليقة تفوق في أثرها عملية تنحية الرئيس بوتفليقة
في حد ذاته، وقد سبق ذلك عملية تمهيد شملت شل الأذرع المالية لهذه العصابة، التي
استفردت بالحكم طيلة عشرين سنة. وصاحب ذلك تنبيه ثم إنذار أخير ليتفاجأ الجميع
ببيان المحكمة العسكرية بالبليدة حيث أصدر قاضي التحقيق يوم الأحد 5مايو 2019
أوامر بإيداع الحبس المؤقت لأفراد العصابة الثلاثة بتهمة المساس بسلطة الجيش
والمؤامرة ضد سلطة الدولة.
هذه التهم تنسحب على
كل شخص يثبت التحقيق تورطه مع المتهمين مما يفتح المجال أمام أشخاص آخرين لاتباع
العصابة في الأحزاب السياسية والمؤسسات الإعلامية ورجال المال وفي مؤسسات الدولة
ونشطاء المجتمع المدني للتحقيق معهم.
لقد كان هذا التوقيف الحدث
الأبرز في تاريخ الجزائر الحديث فالعصابة الحاكمة والتي حاولت بجميع الأشكال
التآمر على الحراك الشعبي ضربت في قلبها النابض وعقلها المسير.
وكذلك فإن الفريق أحمد
قايد صالح ومن خلاله المؤسسة العسكرية كانت مصداقيتهم في المحك إذا لم يكن هناك
تحرك لشل أفراد العصابة بعد خطاب 30 أفريل 2019 والذي كان الإنذار الأخير لهم
للتوقف على التآمر على الجيش والحراك، وقد سبق هذا الخطاب تصريح الرئيس الأسبق
اليامين زروال والذي أعلن فيه رفضه لخطة السعيد والتوفيق لقيادة مرحلة انتقالية
يكون لهم دور مركزي فيها وهو إعلان كشف عن حجم المؤامرة التي كانت تستهدف
الالتفاف على الحراك الشعبي وتجاوز لخطة قيادة الأركان للتعامل مع التطورات لمنع
الدفع باتجاه الفوضى وإيجاد حل أو حلول كما يردد قايد صالح في معظم خطاباته.
ليأتي
تصريح الجنرال خالد نزار وزير الدفاع الأسبق وعضو المجلس الأعلى للدولة والذي قاد
انقلاب ناجح ضد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد في جانفي 1992 حيث كشف عن محتوى
اتصالاته مع السعيد بوتفليقة.
وهي تصريحات تدين
السعيد لسعيه البقاء في السلطة بجميع الأساليب عبر الدفع بمواجهة بين الشعب
والجيش؛ عبر إعلان حالة الحصار أو الطوارئ في محاولة لإعادة سيناريو العشرية السوداء.
ومن تداعيات توقيف
وحبس ثلاثي العصابة هو البدء في الكشف العلني عن شبكتي التوفيق والسعيد وهي شبكتان
تم تأسيس الأولى طيلة خمسة وعشرين سنة حينما كان الجنرال توفيق يشرف على دائرة الاستعلام
والأمن (المخابرات) وكان برفقته الجنرال طرطاق والثانية طيلة عشرين سنة وهي فترة مجيء
السعيد إلى رئاسة الجمهورية كمستشار لشقيقه عبد العزيز بوتفليقة ليتحول منذ سنة
2013 للرئيس الفعلي للجزائر.
وسيمتد هذا الأمر
لمعرفة مختلف علاقاتهم وخاصة عناصر الشبكتين من قادة الأحزاب السياسية وضباط الاتصال
فيها وزبائن التوفيق والسعيد في مختلف الدكاكين السياسية وكذلك المناولين في
المنظمات الطلابية والعمالية وجمعيات المجتمع المدني بمختلف مشاربها والتي تمتد من
الجمعيات النسوية إلى جمعيات الطرق الصوفية وغيرها.
سيفتح هذا التحقيق
الشهية للمتضررين منهم ومن زبائنهم ومناويلهم وكذلك الراغبين في تصفية الحسابات مع
من كانوا سببا في أدائهم في عالم السياسة والمال والإعلام والمجتمع المدني من
متابعتهم على المستوى القضائي والسياسي وإعادة الاعتبار لأنفسهم جراء ما لحقهم من
الأذى خاصة وأن الحراك يضم في صفوفهم جيوش من الناقمين داخل الوطن وخارجه والذين
تسبب لهم حكم العصابة في مآسي مادية ومعنوية لا تقدر بثمن ولا يمكن استرجاعها
لأنها استنفدت جزءا كبيرا من عمرهم وآمالهم في بناء وطنهم عوض الانسحاب والاستقالة
أو الهجرة خارج الجزائر.
إنه زلزال وإن حاول
ويحاول زبائن السعيد والتوفيق التخفيف من أهميته، وتتفيه شدته إلا أن خطة الفريق
مليئة بالمفاجآت غير السارة.
وسنشهد ارتدادات سريعة
لهذا الزلزال السياسي غير المتوقع وسيبدأ الرأي العام المحلي والدولي يتلقى تفاصيل
الاجتماعات واللقاءات التي تمت بين رأسي العصابة ورؤساء الأحزاب السياسية والوزراء
ورؤساء المنظمات ورجال المال وغيرهم، وحجم الفساد الذي نخر المشهد العام في
الجزائر لنكتشف أن المصيبة أكبر مما يتصور الجميع.
إن تركيبة هذه العصابة
والتي جمعت الجنرال توفيق والجنرال طرطاق وهما من قادة انقلاب جانفي 1992 والذي
فتح أبواب جهنم على الجزائر وأدخلها في مأساة وطنية فقدت الجزائر قرابة ربع مليون
من أبنائها في الجيش وقوات الأمن والمدنيين دون أن تستثني أي فئة أو جهة من جهات
الوطن وتوقفت التنمية وانهار الاقتصاد لتأتي بعدها مرحلة الحكم بالفساد والإفساد
والتي صاغ نظريتها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والذي طرد من الحكم في 1980 بسبب
فساده المالي ليعود للحكم في أفريل 1999 بطلب من انقلابي 1992 وعلى رأسهم التوفيق
وذلك لحمايتهم من المتابعات القضائية الدولية.
فمن هنا تأتي خطورة
هذه العصابة وأثرها المدمر على الوطن وسيعرف الجزائريون حجم المأساة أكثر عندما
تبدأ عملية محاكمة وزراء بوتفليقة منذ 1999 والحاليين والمتورطين في الفساد المالي
والسياسي وفي جميع القطاعات التي وصلتها عملية الافساد الممنهجة في إطار عملية
انتقامية من الشعب الجزائري.
إن خطة قيادة الأركان
في تنظيف الساحة من نظام الثنائي بوتفليقة التوفيق والمدعومة شعبيا ستكون مرحلة جد
ضرورية قبل بدء الحوار الجاد والمباشر مع الطبقة السياسية بعد فرزها جيدا من آثار
ومخلفات العصابة وتنظيم الحراك الشعبي نفسه جيد خاصة من هواة ركوب الموجات.
لنصل للمحطة الأخيرة
والجلوس حول طاولة مستديرة شبيهة بطاولة الربيع البولندي للحوار والتفاوض على
مراحل الانتقال الديمقراطي.