هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي وأحد "الرؤساء الثلاثة" في تونس ما بين موفى 2011 وموفى 2014 و"أب الدستور التونسي الجديد". من أبرز الشخصيات الحقوقية والنقابية والسياسية والثقافية الوطنية التونسية المثيرة للجدل منذ أكثر من 40 عاما. اعتبره بعض العروبيين والإسلاميين وحلفائهم "علمانيا اشتراكيا قريبا من فرنسا"، ويعيب عليه بعض العلمانيين واليساريين والدستوريين معارضته بقوة قمع الإسلاميين وحلفائهم قبل 2011 ثم مشاركة حزبه معهم في "الترويكا" التي حكمت البلاد ما بين 2011 و2014.
في الجزء الثاني والأخير من حديثه لـ "عربي21"، يسلط ابن جعفر الضوء على مخاوف عودة الدولة العميقة وتحديات الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة في تونس نهاية العام الجاري، كما يعلق على الاحتجاجات الشعبية في كل من السودان والجزائر.
وهذه هي التفاصيل:
س ـ رفضت منصب وزير في حكومة محمد الغنوشي بعد سقوط ابن علي، بينما قبل ذلك السيدان أحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي والمرحوم أحمد إبراهيم زعيم حزب التجديد ـ الحزب الشيوعي سابقا ـ بدعوى رفض التعامل مع "المنظومة القديمة".
لكن "منظومة الثورة" التي عوضت حكومة محمد الغنوشي كانت بزعامة شخصيات قديمة جدا في الحكم بينها السيد فؤاد المبزع والسيد الباجي قائد السبسي ورموز المؤسسة العسكرية.. ألم يقع "الثوريون" و"الثورجيون" في فخ التحالف مع جناح مما يسمى بـ "الدولة العميقة " ضد جناح آخر؟
ـ أولا أسجل تقديري للسيد محمد الغنوشي الذي حاول بطريقته إنقاذ الأوضاع في البلاد، وقد رفضت المشاركة في الحكومة الأولى؛ لأن أغلب أعضائها كانوا وزراء في حكومات ابن علي والمعارضون كانوا لتزيينها، بينما عمل السيدان فؤاد المبزع والباجي قائد السبسي على تكريس شعارات الثورة وهيئات حماية مبادئ الثورة.
بالنسبة للمؤسسة العسكرية أعتقد أنها حمت الثورة والانتخابات النزيهة والشفافة وخيار التوافقات.
أكثر فشلا من منظومة ما قبل 2011
س ـ اليوم هناك من يوجه اتهامات قاسية في تونس وخارجها للأطراف والشخصيات السياسية التي تداولت على السلطة منذ مطلع 2011 ويعتبرها أكثر فشلا وفسادا وتبعية للخارج من الحكومات والسلطات التي يفترض أن الثورة التونسية والثورات العربية جاءت لتطيح بها؟
ـ لم نفشل وكنا واقعيين.. نجحنا في تنظيم الانتخابات وفي صياغة الدستور، وتعتبر تجربة الانتقال التونسية ناجحة مقارنة ببقية تجارب الثورات العربية، لكن النقائص واضحة بما في ذلك في قطاعات استراتيجية مثل التربية والتعليم والصحة، وهي قطاعات تراجعت حصتها في ميزانية الدولة.
صحيح أن البعض يعتبر أن أغلب القيادات السياسية والنقابية التي وجهت سياسات المرحلة الانتقالية كانوا جزءا من المنظومة السياسية والأمنية القديمة، لكن عموما الجميع احترم قانون اللعبة وبينها عدم الترشح في انتخابات 2011 بالنسبة لوزراء الحكومة وبينها الباجي قائد السبسي. عموما نجحت سياسة التدرج التونسية.
فتن داخلية وحروب بالوكالة
س ـ في مرحلة انهيار جدار برلين برزت كتابات من قبل بعض المحافظين الجدد حول اعتماد استراتيجية جديدة في ضرب العالم الإسلامي وتوريط شعوبه في حروب بالوكالة ومعارك وفتن داخلية، هب أنت مع هذا الرأي؟
ـ شخصيا لا أساير كثيرا نظرية المؤامرة. هناك إرادة شعوب عربية للتغيير والتحرر وهناك تعقيدات وقوى معارضة لتلك الإرادة، والنخب تتحمل مسؤولية في إجهاض محاولات كل الأطراف الداخلية والأجنبية التي تسعى إلى جر بلدانها ومجتمعاتها إلى الاقتتال الداخلي والفتن وإلى الحروب بالوكالة.
بالنسبة للمتغيرات في تونس والمنطقة، هناك تأثير قوى داخلية والورقة الخارجية، لكن لا ينبغي أن نغفل عن كون الحراك من أجل الإصلاح والتعددية والتغيير هو فعل تراكمي يعود إلى سنوات الاستقلال الأولى وإلى كامل مرحلتي حكم بورقيبة وابن علي.
نضالات الطلبة والنقابيين والمعارضين
وخلال العشرين عاما الماضية تراكمت نضالات الطلبة والنقابيين والحقوقيين والمعارضين والمجتمع المدني قبل تشكيل 18 أكتوبر2005 وما بعدها، ثم تراكمت النضالات والتحركات بعد احتجاجات الحوض المنجمي في 2008 وأحداث ابن قردان ومدنين في صائفة 2010، وصولا إلى الاحتجاجات الشبابية والاجتماعية والسياسية في سيدي بوزيد والقصرين والأحياء الشعبية في العاصمة وكل المدني أواخر 2010 ومطلع 2011..
انتشر الوعي الشعبي بالفساد واحتكار المؤسسات والرشاوي عن صفقات المال العام فانهار النظام القديم.
ثورة الجزائر والسودان
س ـ هناك من يعتبر أن توظيف حراك الشعوب العربية من أجل التغيير لتوريطها في حروب أهلية وفتن طائفية خدمة لاهداف استعمارية قد يتكرر في الجزائر والسودان بعد الإطاحة برأسي النظام فيهما، ما رأيك؟
ـ في الشقيقتين الجزائر والسودان، الحراك الشعبي أثبت سلميته وسلمية الشباب والمناضلين الذين فجروه ويقودونه ونبذهم وغالبية رموز المؤسسة العسكرية للعنف والفوضى، والمؤشرات في البلدين إيجابية وترجح انتصار الحراك الشعبي السلمي الطموح.
نتمنى ألا يقع الأشقاء في الجزائر والسودان في الأخطاء التي وقعت في تونس ودول عربية أخرى، لعل من أبرز تلك الأخطاء أن النخب لم تلتقط اللحظة التاريخية للثورة ولم تراع خصوصيات مرحلة الانتقال الديمقراطي، وتحركت وكأن الديمقراطية أنجزت واعتبرت أن الأهم احتلال المواقع والصراع حولها.
الانتخابات التونسية
س ـ وماذا تنتظرون من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في تونس؟
ـ هذه الانتخابات يمكن أن تكون فرصة لتدارك النقائص والثغرات وإعادة الثقة في صناديق الاقتراع وردم الهوة بين السياسيين والطبقات الشعبية والشباب. إن من بين أكبر أخطاء الأعوام الماضية أن الطبقة السياسية تورطت في صراعات إعلامية سياسية ثانوية، وكأنها في حملة انتخابية دائمة.
ومنذ الإعلان عن نتائج انتخابات 2014 دخلت النخب في حملة انتخابية سابقة لأوانها حول قصري قرطاج والقصبة والبرلمان، وهذا الوضع غير سليم وينبغي أن نخرج منه حتى تقدم الانتخابات المقبلة الإضافة.
لا بد من ثورة في الأدمغة والسلوكيات،والنخب ينبغي أن تتعلم قبول الآخر والحوار، خاصة أن المواطن العادي يتأثر بسلوكيات النخب في القنوات التلفزية وبقية وسائل الاعلام . المواطن قد يستعيد الثقة في الانتخابات والسياسيين عندما يقلع هؤلاء عن تبادل العنف اللفظي والخطاب الإقصائي، وعندما يلاحظ أن بعض "النخب" تتبادل العنف اللفظي والسلوكيات العنيفة خلال الحوارات التلفزية يتأثر سلبا، ويتورط بدوره في مزيد من العنف اللفظي والمادي في الشارع، بما في ذلك وهو يقود سيارته أو عندما يتعامل مع إشارات المرور.
النخبة لديها مسؤولية أولى بمناسبة الانتخابات لعقلنة السلوك الاجتماعي والسياسي والتنظيم لقبول الآخر، وتحسين المناخ العام بما في ذلك الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
المشاركة في الانتخابات الرئاسية
س ـ ما هي أولويات مصطفى بن جعفر في صورة ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة؟
ـ لم أحسم أمري بعد، لأن رصيدي السياسي والنضالي ليس في حاجة إلى ترشح من أجل الترشح. أعتقد أنني يمكن أن أقدم الإضافة في صورة ترشحي وفوزي في الانتخابات الرئاسية، والمساهمة في تحقيق المصالحة الشاملة بين التونسيين والتونسيات.
المواطن في حيرة بسبب تناقض استطلاعات الرأي والتصريحات السياسية، وليس لدى غالبية المواطنين والناخبين اليوم وضوح حول مبدأ مشاركتهم في الاقتراع أو مقاطته ولا حول المشروع الذي يبنغي أن تصوت لفائدته.
أولويتي في صورة ترشحي للرئاسة تكريس احترام الجميع قاعدة قبول الآخر، بما في ذلك استرجاع الثقة بين الحاكم والمحكوم بين النخب الحاكمة والمواطنين.
تونس في حاجة ملحة اليوم إلى مصالحة شاملة داخل المجتمع، وهو ما لا يعني تغييب الاختلافات بل قبولا غير مشروط بالآخر، وتحويل النقاشات والصراعات إلى المواضيع التي تهم المواطن أولا والحوكمة والإدارة والشفافية واستبعاد عقلية الهدم والعنف اللفظي. من أولوياتي تفعيل قاعدة رفض الإقصاء وتكريس المصالحة واستكمال بناء المؤسسات.
بعد أن اتفقنا على الدستور وعلى التأسيس، نحن بحاجة إلى بناء المؤسسات ورئيس الجمهورية رغم محدودية صلاحياته التنفيذية، مؤهل لتأدية دور مركزي في هذا الاتجاه.