هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت كلمة ألقاها المفكر الإسلامي المقرئ أبو زيد الإدريسي في البرنامج الرمضاني "سواعد الإخاء" الذي شارك فيه عدد من الدعاة، ويبث على عدد من الفضائيات العربية، جدلا كبيرا، بسبب توصيفات ونعوت وصف بها المفكر المغربي حسن أوريد، وذلك في معرض إجابته عن سؤال حول رواية أوريد "رواء مكة".
المقرئ أبو زيد المعروف عليه استرساله في الحديث، ومحاولة تقريب السامع إلى أفكاره بلغة جذابة تعتريها أحيانا بعض المبالغات اللغوية الهادفة إلى تقريب المعنى، أجاب عن السؤال بعفوية شديدة، فبدأ يتحدث عن سيرة المفكر المغربي حسن أوريد، ومساره الدراسي، وإتقانه لعدد من اللغات، وأصله الأمازيغي، فضلا عن موقعه من التدين قبل روايته "رواء مكة"، وكان المقرئ يستقي معطياته مما ورد في هذه الرواية، التي تحكي سيرة رجل بعيد عن التدين، لم تساوره أي رغبة إلى الذهاب إلى الحج من قبل، حتى عرض عليه صديق مسؤول في الدولة مرافقته إلى الحج، فحاول التملص منه، ولم يستطيع فبذل له الأوراق التي يتم بها استخلاص التأشيرة، لكن الأوراق ضاعت من القنصلية، فارتاح لذلك، ثم وقع الاتصال به بعد العثور على الأوراق واستخلاص التأشيرة، ليجد نفسه أمام الواقع: واقع ذهابه إلى الحج دون أن تكون له نية تعبدية خالصة في أداء مناسك الحج.
انتهى الحج وبدأت الرحلة الإيمانية
وتتحول الرحلة إلى هدف بحثي أنثروبولوجي، على شاكلة ما فعل الدكتور عبد الله حمودي في رحلته التي انتهت بإصدار دراسته "موسم الحج إلى مكة"، ثم ينقلب هذا الهدف في آخر هذه الرحلة إلى تحول كبير في حياة الرجل، الذي كان يشعر أنه مقمح، يضع كمامة على فمه تمنعه من الشرب والارتواء، حتى جاءت اللحظة الفاصلة في آخر مناسك الحج، فأسقط الكمامة عن فمه، وبدأ يروى بآيات الله ويتدبر معانيها.
في كلمة المقرئ أبو زيد وردت نعوت كثيرة، حاول من خلالها تقريب الصورة إلى المشاهد والمستمع، ليتوقف عند لحظة التحول الإيماني، إذ كان لابد أن يصف حال المفكر المغربي حسن أوريد قبل "رواء مكة"، فوصفه بأنه كان "منحرفا فكريا وسلوكيا" و"كان بعيدا عن الإيمان والتدين" و"مدمن خمر"، و"شاكا في وجود الله"، ما جلب عليه موجة انتقادات كبيرة عل صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، واتهمته بالإساءة إلى حسن أوريد والتنقيص منه والتجني عليه، فيما اتهمته مواقع أخرى بالركوب على مبالغات غير واقعية، وذلك عندما تحدى الجمهور وقال بأنه يستحيل على من قرأ رواية "رواء مكة" ألا يحصل له تغيير بعد ذلك، كما ولو كانت هي كتاب الله تعالى، فقال المقرئ أبو زيد: "وأنا ازعم أنه يستحيل على أي واحد أن يقرأ هذا الكتاب ويبقى كما كان قبل قراءته".
جانب آخر من الانتقادات فجرتها كلمة المقرئ أبي زيد، وذلك حين وصف حسن أوريد بكونه أكبر مثقف في دائرة النخبة التي درست مع الملك محمد السادس في المدرسة المولوية، مما اعتبر محاولة للتقليل من المستوى الثقافي للنخبة المولوية التي درست إلى جانب الملك محمد السادس.
انتقادات للإدريسي
من جانب آخر، انطلقت انتقادات أخرى للمقرئ أبي زيد، ودائما على خلفية المبالغات الواردة في كلمته، لوصفه المفكر المغربي حسن أوريد بأنه يتقن ثلاث لغات، وأنه يتقنها أكثر من أهلها الأصليين.
والمثير في هذه الانتقادات والسخرية اللاذعة التي وجهت إلى المقرئ أبي زيد، أنها وقعت في تناقض خطير، ففي الوقت الذي اتهم فيه بمحاولة تبخيس قدر الرجل، واتهامه بالانحراف والبعد عن الدين والتشكك فيه، جاءت انتقادات أخرى على خلفية إطرائه للرجل، وتمجيده بكونه من أحد أكبر مثقفي النخبة المولوية، والمتقنين للغات أكثر من أصحابها الأصليين، فيما تصيدت بعض الانتقادات الموقف محاولة زرع بذور توتر بين المقرئ أبي زيد وبين النخبة المولوية، وذلك عند اتهامه بأنه بخس من مستواها الثقافي.
والواقع أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها المقرئ أبو زيد لجملة من الانتقادات، فقد تم إخراج كلمة له قديمة أثار فيها نكتة حول ألأمازيغ من أهل سوس قالها في سياق مخصوص وغير قدحي، فتم تحويل دلالتها لمحاولة تصويره كعدو عنصري للأمازيغ، كما تم توظيف كلمة له قالها عن العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ، وتم تحويل كلمته إلى مادة للسخرية والنقد على صفحات الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي.
المفكر حسن أوريد، دخل على الخط بعدما احتد الجدل، وأسقط كل الاتهامات التي نسبت للمقرئ أبي زيد، واعتبر في تصريح خص به موقع "العمق" المغربي، رد المفكر والمؤرخ والناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقا، حسن أوريد، معتبرا أن ما قاله فيه أبو زيد وفي روايته، إشادة وكلام إيجابي، "حتى إنني استحييت من الاتصال به لأشكره" بحسب تعبيره.
سيرة ذاتية
المفكر المغربي، مؤرخ المغرب سابقا، حسن أوريد أصدر رواية "رواء مكة: سيرة روائية: سنة 2017، عن المركز الثقافى العربى، يحكي فيها تحولاته الفكرية وأثر الحج في تفسير هذه التحولات، إذ يقر الكاتب في ورايته بتحوله الفكري والنفسي بعد زيارته لمكة، ويكشف في عمله الروائي، جوانب من حياته منذ طفولته ودراسته بالمدرسة المولوية وعمله داخل مربع السلطة.
ويورد تفاصيل رحلته إلى الحج عندما قرر الذهاب سنة 2007، فكتب الكتاب، وأرتأى تأجيل إصداره إلى أن ظهر سنة 2017، ومما جاء في ظهر غلاف الرواية: "وأتممت الحج.. كانت الكعبة المشرفة لقاء، لقاء مع ذاتي. كان طوافي بحثا، ولما أن فرغت سعيت، وبعد السعي، انزويت جانباً أنظر إلى ما حولي وأتملى حياتي… قد كان لحجي ألا يكون إلا شعيرة. وفجأة، نعم، كماء يتفجر من الأعماق تحول رواء انبجس من داخل نفسي… كنت أشرب من ماء زمزم من كوب من ورق مقوى وأنا أنظر إلى جموع الساعين يمشون في رفق، ثم ما يلبثون أن يهرولوا. هل لكلّ ما أرى من معنى؟ وفجأة وقفتُ، وأنا أردد، بلى. وهل الحياة إلّا تلبية لنداء الله. له وحده لا شريك له".
من جانب آخر، عرفت رواية "رواء مكة" بعد كلمة أبي زيد والجدل الذي رافقها نفاذا في السوق، واشتكى عدد من طالبيها من عدم توفرها في المكتبات، مما دفع المركز الثقافي العربي إلى محاولة إصدار طبعة أخرى للاستجابة لطلبات الراغبين في اقتناء هذه الرواية التي تحدث أبو زيد عنها وتحدى الجمهور بحتمية وقوع التحول لهم بعد قراءتها، أو على الأقل تغير حالهم عما كان عليه قبل قراءتها، إذ أقر على نفسه بوقوع هذا التحول، فأقسم قائلا: "وأنا أقسم بالله العظيم، لما قرأت الكتاب أصبحت غير أبي زيد الذي كان قبله. وقد قرأت آلاف الكتب، وعاشق للقراءة يوميا، لكني لم أتاثر إلا بكتب قليلة لأنها تنقلك، وأنا أزعم أنه يستحيل على أي واحد أن يقرأ هذا الكتاب ويبقى كما كان قبل قراءته".
نص كلمة المقرئ أبي زيد الإدريسي:
رواية "رواء مكة" للمؤلف حسن أوريد أحد أكبر المثقفين في المغرب. درس في فرنسا وأمريكا والمغرب. يتقن خمس لغات. يكتب بثلاثة منها بلغة رفيعة جدا، أحسن من أهلها أنفسهم. أمازيغي قح، ولكن فصاحته في اللغة العربية تبز فصاحة عرب الجاهلية. ولغته الفرنسية والإنجليزية بنفس المستوى. وهو أكبر مثقفي النخبة التي درست مع الملك محمد السادس في المدرسة المولوية، فيلسوف وأديب وروائي، وشاعر يكتب الشعر باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية. مفكر وفيلسوف ومجدد. كتب رواء مكة، عن رحلة غريبة عجيبة عنده الحج.
استشهد بابن منظور في مقدمة روايته، فميز في رواء بفتح الراء ورواء بضمها، فاختار رواء بالفتح التي تدل على الارتواء، بدل رواء بالضم التي تدل على البهاء، فاختار الدلالة الوظيفية على الدلالة الجمالية للكلمة لشدة عطشه وحاجته إلى الحج، وذلك أن الرجل أقر على نفسه أنه كان بعيدا عن التدين، مدمن خمر، شاك في وجود الله، يحمل معه العديد من الأسئلة الإشكالية من قبيل لماذا يوجد الظلم؟ ولماذا يوجد الشر؟ ولماذا يوجد الطغيان؟ وإذا كان هناك خالق، فلماذا لا يتدخل ليوقف الظالم عن المظلوم المسكن المقهور؟ ويوقف الفقر والجوع عن الذين يموتون جوعا وتضورا؟
فالرجل يقر عن نفسه بشجاعة غير عادية، أنه كان منحرفا فكريا وسلوكيا، وأنه بلغ مرحلة من الشك بعد تدين فطري في طفولته، لأن أباه وجده وجدته من أكثر الناس تدينا، وهذه هي العادة في البادية عند الأمازيغ الأقحاح. تدينهم أمتن من تدين العرب أنفسهم. جاء إليه شخص وقد أصبح مسؤولا كبيرا في الدولة، يريد أن يتقرب إليه بأن يأخذه معه إلى الحج، فتملص منه وتهرب وتحاشاه وجامله، وفي الأخير، ولئن الرجل كان ملحاحا، فقد استجاب لطلبه وسلمه الأوراق. لكن الذي حدث أن الرجل بعد ذلك جاء إليه أسفا معتذرا يقول له بأن أوراقك ضاعت في القنصلية، قال: ففرحت لأني كنت أريد أن أتخلص منه. لكن بعد يومين، تم الاتصال بهم وأخبروهم بأنهم عثروا على الأوراق، قال: فأحرجت لذلك. قال: فجئت إلى الحج، وأنا أنوي أن اشاهد المسلمين، وأتفرج عليهم، وأطرح أسئلة أنثروبولوجية مثل الأنثروبولوجي الذي جاء يجمع معلومات كثيفة عن مجتمع بدائي يجتمعون حول النار ويعبدون ويرقصون. لكن، بدأت في الحج تطرح عليه أسئلة، وتأتيه أحوال غير عادية.
هو يقر بأنه كان كسائر المسلمين يشاركهم في طقوسهم، فقد أحرم وطاف وسعى وقام بكل مناسك الحج، إلى أن جاءت لحظة غير عادية يوم أكمل مناسك الحج، حيث تفجرت ينابيع الإيمان في قلبه، واهتزت كل شعرة في جسمه، وانشرح صدره.
قال: لقد كنت أمازيغيا أكره العرب، فأحببت العربية كما لم أحبها في حياتي، كنت أشكك في القرآن، فوجدتني أمتلئ بالآية، أروى بالآية ريا، قلما كنت أفهم قوله تعالى: "مقمحون" والمقمح: الإبل التي وضعت على فمها كمائم لكي لا تشرب وترتوي، فقال أنا كنت مقمحا، ولهذا لم أكن أشرب، والآن بعد أن سقطت الكمامة عن فمي، فأنا اشرب وأرتوي، وبدأ يصرخ، وقال: لست أدري لماذا كنت أصرخ باللغة الفرنسية، وأقول أنا مسلم.. أنا مسلم، ولا يعرف لماذا خرجت هذه الكلمة من فمه باللغة الفرنسية.
ومنذ ذلك اليوم آلى على نفسه أن يتدين، وأن يستقيم، ويكون في مستوى هذا الإيمان وهذا الينبوع الذي تفجر داخله. ذهب ليزور أحدا، فجاءه شخص متخيل عنده، كأنه يراه ويسمعه، فقال له ماذا تزور، هذا مجرد خصام بين حيين من العرب، كما لو لكان عراكا بين حيين من أحياء القاهرة، سموها معركة أحد ومعركة بدر، والله، لكن إلى الأمريكيين ماذا لديهم: حاملات طائرات. ثم يجيئه مرة ثانية، فيقول له خذلتنا نحن الأمازيغ الذين كنا نفخر بك ونرى في كتاباتك سندا لنا. عدت إلى هؤلاء الإسلاميين الوصوليين الظلاميين، إذا أعلنت توبتك، فإنك ستنصر دعوتهم ومشروعهم وبرنامجهم. فظل هذا الرجل المتخيل يرافقه في كل مكان، ويحاوره. الرجل له ملكة لغوية غير عادية، فعبر عن مشاعره وأحاسيسه وتحولاته بلغة رائعة.
و"رواء مكة" رواء لصاحبه ورواء لمن يقرأ الكتاب. وأنا أقسم بالله العظيم، لما قرأت الكتاب أصبحت غير أبي زيد الذي كان قبله. وقد قرأت آلاف الكتب، وعاشق للقراءة يوميا، لكني لم أتأثر إلا بكتب قليلة لأنها تنقلك، وأنا أزعم أنه يستحيل على أي واحد أن يقرأ هذا الكتاب ويبقى كما كان قبل قراءته.
الرجل بعد ذلك ذهب يتوسع فجاء بتجارب الأوروبيين، الذين على شاكلته رغم أن اسمه حسن، ومن عائلة أمازيغية متدينة، لكن أحس أنه أصبح بعيدا عن الإيمان والتدين والأصالة والقيم، ثم رجع من باب الفكر والفلسفة والتأمل والمكابدة...... قال "ثم خبأت الكتاب خمس سنوات"، لم ينشره، رغم أنه رجل تفرغ للبحث العلمي وابتعد عن السياسة، واستعفي من كل المناصب والمسؤوليات، خوفا من أن يخذل هذا الكتاب، لو عاد إلى الانحراف أو الضعف بعد هذه التجربة الإيمانية التي خاضها في الحج. لما كنت أحاضر مرة إلى جانبه، قلت له لي خطابان، واحد لك، وواحد للجمهور. فأما الذي لك، فأقول: عرفت فالزم. إياك أن تنزل عن مستوى هذا الكتاب، وأما الذي للجمهور: "أتحداكم أن تقرؤوا هذا الكتاب ولا تتغيروا. فمثل هذه الكتب هي التي تغير الإنسان فأسأل الله تعالى أن يجعل هذا الكتاب في ميزان حسناته.
هذا الكتاب سيكون للدعاة زادا، خصوصا وأن مستواه الفكري والفلسفي عال يمكن من خلاله مخاطبة المثقفين والجامعيين، والمتشككين والرد على المستشرقين والماركسيين والعلمانيين المثقفين والمغرضين، لأنه من طينتهم بل هو فوقهم. وفي الختام، حسب الإسلام فخرا ألا يتحول إليه إلا هؤلاء العمالقة.