هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أدى تفاقم ارتفاع حجم فوائد الديون و أقساطها في الموازنات المصرية بعهد رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى تآكل غالبية الإيرادات العامة للدولة.
ووصلت نسبة فوائد الديون وأقساطها، في موازنة العام المالي المقبل (2019/ 2020)، إلى 85 بالمئة من إيرادات الدولة التي تمثل الضرائب أكبر مواردها بنسبة 75 بالمئة من إجمالي الموارد الحكومية.
ورصدت "عربي21"، من واقع البيان المالي لوزارة المالية للعام القادم (2020/2019) تزايد حجم فوائد وأقساط الدين المطلوب سدادها، وكذلك ارتفاع غير مسبوق لحجم الضرائب المستهدف، منذ تولي السيسي الحكم في 2014، إلى جانب خفض الدعم وزيادة الرسوم والخدمات الحكومية تحت مسمى الإصلاحات الاقتصادية.
وعلى الرغم من أن "موازنات السيسي" تأتي محملة بمستهدفات زيادة النمو، والاستثمار، وخفض نسب الدين العام والعجز والتضخم البطالة، يؤكد خبراء اقتصاد أن الحكومة المصرية تفشل دائما في تحقيق تلك المستهدفات.
اقرأ أيضا: خبراء: السيسي يسحق الفقراء بـ"عقيدة الصدمة".. وهذه دلالاتها
وأكدوا في تصريحات لـ "عربي21"، أن الحكومة تروج تلك المستهدفات لأغراض سياسية، ثم يكشف عوارها البيان الختامي في نهاية كل عام مالي.
وأوضحوا أن ما يتحقق من المستهدفات الحكومية هي تلك المتعلقة ببنود الجباية من جيوب المواطنين كالضرائب وزيادة الرسوم والخدمات، والقرارات التي تخنق المواطنين الذين هم تحت خط الفقر أو قرب مستوى خط الفقر، ويمثلون نحو 60 بالمئة من المصريين طبقا لأحدث إحصائيات البنك الدولي.
"مشكلات هيكلية"
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، أن الموازنة المصرية لازالت تعاني من نفس المشكلات الهيكلية التي تتلخص فيما يسمى بـ"المصروفات الحتمية" ومردودها الضعيف على الناتج المحلي الإجمالي.
وقال الصاوي، لـ "عربي21"، إن مخصصات الاستثمارات العامة في الموزانة لا تزال ضعيفة، مقارنة بحجم الإنفاق والمصروفات، لافتا إلى أن أعباء الدين العام المحلي تستهلك نحو 38 بالمئة من حجم الإنفاق المحدد في موازنة 2020/2019 المقدر بحوالي 1.5 تريليون جنيه، وتصل مصروفات الدعم إلى 328 مليار جنيه، إلى جانب المخصصات الأخرى الخاصة بالتعليم والصحة.
وأضاف الصاوي: "حتى المستهدف المخصص للاستثمارات العامة، يذهب معظمه إلى استثمارات البنية الأساسية أو إلى استثمارات قد لا يكون الاقتصاد في حاجة إليها الآن".
وتابع: "الدولة تسرف في عمل الطرق بشكل كبير جدا أو إنشاء بعض المباني والمنشآت التي لا تضيف للاقتصاد المصري، في حين أن الاقتصاد في حاجة إلى استثمارات في قطاع الصناعة و الزراعة و في القطاعات الإنتاجية بشكل كبير".
وأشار إلى أن أعباء الدين العام على الموازنة العامة تمثل حوالي 85 بالمئة من حجم الإيرادات المقدر بـ 1.1 تريليون جنية، وبالتالي ليس أمام صانع السياسة المالية إلا حوالي 190 مليار جنيه فقط مما يضطره إلى أن يقترض في حدود التريليون جنيه سنويا لتغطية حجم النفقات المدرجة بالموازنة العامة للدولة، وبالتالي الحديث عن انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي يفقد مدلولاته إذا استمر هذا الخلل في العلاقة بين الديون وأعبائها وحجم الحيز المالي المتاح أمام صانع السياسة المالية.
اقرأ أيضا: هكذا بررت الحكومة المصرية "فوضى الرواتب" بالموازنة الجديدة
"زيادة الضرائب"
وحول زيادة نسبة الضرائب بشكل مستمر في الموازنة العامة يرى الصاوي، أنها نتيجة لحزمة قوانين وتشريعات تتعلق بفرض زيادات في قيمة ضريبة الدمغة وضريبة الاستهلاك وضريبة القيمة، مؤكدا أن الزيادات الضريبية لم تكن نتيجة تحسن في أداء القطاعات الإنتاجية أو أداء الشركات في الاقتصاد المصري وبالتالي تمت أصبحت عبئا كبيرا على المواطن.
وفيما يتعلق بتباهي الحكومة المصرية بزيادة حجم الموازنة العامة للدولة إلى نحو 1.5 تريليون جنيه في موازنة العام القادم 2020/2019، يرى الصاوي، أنه من الطبيعي جدا أن يزيد حجم الموازنة كل عام لعدة اعتبارات وهي الزيادة السكانية، وارتفاع معدلات التضخم.
وأردف: "وبالتالي الموازنة لابد أن تزيد حتما من 15 بالمئة إلى 20 بالمئة لاعتبارات التضخم، كما أن الزيادة في حجم الموازنة يأتي من عامل إجباري آخر وهو ارتفاع أعباء الدين العام".
ومن ناحيته، يرى أستاذ الاقتصاد بأكاديمية العلاقات الدولية أحمد ذكرالله، أن زيادة الضرائب يعد إيجابيا في حالة إذا كان هناك توسعا في الاقتصاد كزيادة أعداد الشركات، والمشروعات، وأرباح الشركات، أما في ظل انكماش وركود اقتصادي وانخفاض للاستهلاك العائلي، فإن الزيادة الضريبية يتم تحصيلها من جيوب المواطنين وليس زيادة في الأرباح.
اقرأ أيضا: السيسي يخطط للاستيلاء على "أموال الوقف" بمصر.. كم تبلغ؟
"رفع الدعم"
وحول رفع الدعم النسبي بشكل مستمر في الموازنة المصرية، أوضح ذكرالله، لـ"عربي21"، أن رفع الدعم بالصورة الفجائية الحادة القاصمة لظهور المصريين لم يكن في صالح الاقتصاد المصري لأنه أدى إلى زيادة الأسعار بشدة بما لا يتوازى معه زيادة في الدخول، ما أدى إلى وقوع أعداد متزايدة من المواطنين تحت خط الفقر.
وأضاف ذكرالله: "نحن أمام تضاعف في أعداد الفقراء في مصر، إضافة إلى أن البرامج الاجتماعية المساعدة والتي تهدف إلى تقليل حدة صدمة رفع الدعم عن المواطنين لم تؤت ثمارها، لأنها برامج ضعيفة تصل إلى عدد كبير جدا ولكن بأرقام هزيلة للغاية مثل برامج التكافل والكرامة، وبرنامج التأمين الصحي".
واعتبر ذكر الله، أن التعامل مع تلك البرامج يعكس مدى الإنفاق الضعيف الذي لا يعتد بالفقراء وإنما يأخذ من جيوبهم ويحسن من عجز الموازنة على حسابهم الخاص.
واستطرد: "الدولة عجزت عن استثمار الوفورات المتحققة نتيجة رفع الدعم في تحويل هذا الاقتصاد إلى اقتصاد إنتاجي يستطيع أن يستوعب أعداد كبيرة وجديدة من العمالة وأن يرفع مستوي المعيشة ومستوى الدخول، وبالتالي رفع الدعم لا يمثل سوى فرض مزيد من الأعباء على المواطنين وتوريث كوارث اجتماعية ضخمة للغاية مثل الانتحار والقتل والطلاق وغيرها من الأمور التي نجدها تنعكس في أرقام".