هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لرئيس مكتبها في القدس ديفيد هالبفينغر، يقول فيه إن السلطة الفلسطينية المحاصرة، التي تضغط عليها إدارة ترامب، والتي تواجه حديثا إسرائيليا عن ضم الضفة الغربية، وتزداد عزلة في العالم العربي وتنفد أموالها، تدرك، بحسب اعتراف رئيس وزرائها الجديد، أنها قد تكون تنظر إلى نهايتها.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية، قوله خلال المقابلة: "نحن في حالة انهيار".
ويشير هالبفينغر إلى أن قانونا إسرائيليا جديدا لمكافحة "الإرهاب" أدى إلى حرمان السلطة الفلسطينية من دخل "الضرائب التي تجمعها إسرائيل"، وهو ما أدى إلى أزمة مالية قد تؤدي بالسلطة الفلسطينية إلى الإفلاس بحلول تموز/ يوليو أو آب/ أغسطس، بحسب رئيس الوزراء، الذي قال إنه إذا حصل ذلك فإن السلطة الفلسطينية ستضطر لتسريح ضباط الشرطة، وهو تهديد ليس مبطنا لإسرائيل التي تعتمد في أمنها على قوات الأمن الفلسطينية، وحذر اشتية من أنه سيكون "صيفا حارا جدا.. آمل ألا نصل إلى تلك النقطة".
وفي واحدة من المقابلات الأولى التي أجراها مع مؤسسة إعلامية غربية كبيرة، هاجم اشتية تكتيك الضغط الذي انتهجته إدارة ترامب في دفعها نحو خطتها للسلام، ووصفه بـ"الابتزاز"، ابتداء من مؤتمر التنمية الاقتصادية للضفة الغربية المزمع عقده هذا الشهر.
وتذكر الصحيفة أن اشتية البالغ من العمر 61 سنة كان مسؤولا عن التنمية الاقتصادية، وشارك أحيانا في المفاوضات مع الإسرائيليين قبل تعيينه في الموقع الثاني في السلطة الفلسطينية في آذار/ مارس، مشيرة إلى أن رئيسه، محمود عباس، في الثمانينيات من عمره، وهو بصحة سيئة، ومنذ ذلك الحين بدأ اشتية بمحاولة زيادة الثقة في السلطة الفلسطينية، في الوقت الذي حاول فيه أن يظهر قربا من الشارع؛ أملا في أن يكون مرشحا لخلافة عباس.
ويستدرك التقرير بأنه بدأ وظيفته في مواجهة أزمة مالية مباشرة، ففي شباط/ فبراير، وبحسب قانون صادر عام 2018، على غرار قانون تايلور فورس الأمريكي، بدأت إسرائيل باستقطاع 138 مليون دولار فيما أسمته "أموال ادفع لتقتل" من حوالي 2.5 مليار من الضرائب والرسوم الجمركية التي تجمعها إسرائيل باسم السلطة الفلسطينية وتحولها لها.
ويفيد الكاتب بأن هذا الخصم الإسرائيلي من السلطة هو ما حسبته إسرائيل بأن السلطة قدمته للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وعائلاتهم وعائلات الشهداء الذين قتلوا في الانتفاضتين ضد إسرائيل، بما في ذلك المفجرون الانتحاريون.
وتلفت الصحيفة إلى أن إسرائيل والدول الغربية ترى بأن تلك الأموال التي بدأ دفعها في الستينيات تشجع على الإرهاب، إلا أن الفلسطينيين يرون أنها شكل من أشكال الرعاية الاجتماعية، والمكافأة على التضحيات التي يقدمها الفدائيون وعائلاتهم، ويقولون إن الكثير من الأسرى لم يشاركوا في العنف، ولم يحاكموا محاكمات عادلة، فخصم إسرائيل لتلك الأموال من جانب واحد فيه خرق للاتفاقيات التي بموجبها تقوم إسرائيل بجمع الرسوم للفلسطينيين.
وينوه التقرير إلى أن عباس رد على ذلك الإجراء الإسرائيلي برفض تسلم أي أموال، وهو ما يعني التخلي عن أكثر من نصف دخل السلطة الفلسطينية، ووضع السلطة على طريق الانتحار إذا لم تقم إسرائيل بإلغاء القانون.
ويفيد هالبفينغر بأن السلطة قامت بتخفيض الرواتب، حيث لم يتسلم عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين ورجال الأمن إلا 50% من رواتبهم، فيما تجهد البنوك الفلسطينية نفسها لإقراض السلطة الفلسطينية، في الوقت الذي تجد فيه صعوبة في جمع ديونها من عملائها، وهذا ينهك سيولة تلك البنوك، بحسب اشتية.
وتنقل الصحيفة عن اشتية، قوله إن قبول الأموال منقوصة من إسرائيل سيكون معادلا للاعتراف بأن الأموال المقتطعة هي لدعم الإرهاب، وهو الأمر الذي يرفضه، وأضاف: "سياسيا لا يمكن أن نوافق على أن أبناءنا الذين في السجون هم إرهابيون، ومن ناحية قانونية فإن هذا قد يجعلنا عرضة للقضايا المرفوعة في المحاكم الإسرائيلية والأمريكية".
وقال اشتية للصحيفة: "إن كان الإسرائيليون يريدون للسلطة أن تنهار، فليدفعوها نحو الانهيار.. إلا أننا لن نحل السلطة، لكن يمكنهم دفعها نحو الانهيار"، وأضاف: "إذا كان الأمر كذلك، فإن منظمة التحرير ستقوم بواجبها" – وهو ما سيعيد الساعة إلى ما قبل بداية عملية أوسلو للسلام، مشيرا إلى أنه قد يعاد النظر حتى في الاعتراف بإسرائيل، وقال إنه عندما لا تستطيع السلطة الفلسطينية أن تدفع فواتيرها "عندها سنبدأ بتسريح رجال الأمن".
ويجد التقرير أن لذلك التهديد معنى محددا في إسرائيل، التي تعمل قواتها الأمنية عن كثب مع نظيرتها الفلسطينية لاجتثاث "الخلايا الإرهابية"، ولمنع وقوع هجمات ضد الإسرائيليين، أو ملاحقة مرتكبيها، وللتخفيف من الخطر على الأمن الإسرائيلي خلال مداهماته في المناطق التي تسيطر عليها السلطة أمنيا.
ويستدرك الكاتب بأن إسرائيل تأخذ هذه التهديدات بشكل عام بشيء من التشكك؛ لأن التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية موجه بشكل كبير إلى منع حركة حماس، التي تسيطر على غزة، من تثبيت نفسها في الضفة الغربية، لافتا إلى أنه قد يكون لدى المسؤولين في حركة فتح، الذين يسيطرون على السلطة الفلسطينية خوف من خصومهم في حركة حماس أكثر من إسرائيل.
وتورد الصحيفة نقلا عن اشتية، قوله إنه توقع أن تسعى إسرائيل لحل الإشكالية بعد أن يؤلف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حكومته، بعد أن تمت إعادة انتخابه في نيسان/ أبريل، لكن نتنياهو فشل في ذلك، وتوقع إجراء انتخابات جديدة في أيلول/ سبتمبر، يجعل انتهاء المواجهة قريبا أقل احتمالا، وقال اشتية: "أصبح ظهرنا فعلا إلى الجدار.. نحن الآن مسيطرون على الوضع، لكن لا أدري حتى متى سيستمر ذلك".
ويشير التقرير إلى أن اشتية، الذي يعد أحد أركان حركة فتح، التي تسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية وعلى السلطة الفلسطينية، يشغل منصبا تكنوقراطيا بشكل كبير حيث يقوم بتطبيق سياسات عباس.
ويلفت هالبفينغر إلى أن اشتية من سكان نابلس، وكان في شبابه يقود مظاهرات حركة فتح ضد إسرائيل في نابلس، عندما كان طالبا ثم أستاذا في جامعة النجاح، وقال إنه تم اعتقاله وضربه من الجيش الإسرائيلي في عامي 1977 و1978.
وتقول الصحيفة إنه "منذ أن بدأ وظيفته فإنه تبنى صورة شعبية، على عكس من سبقه، فنشرت له صور وهو ذاهب لعمله مشيا، متخليا على الموكب الطويل لرئيس الوزراء السابق، واستقال من مناصبه الأخرى، ومنع السفر في الدرجة الأولى للوزراء، وحضر إفطار رمضان في مخيم للاجئين، وطلب من موظفي السلطة أن يحسنوا أداءهم بشكل ملموس خلال 100 يوم".
وينوه التقرير إلى أنه في المقابلة التي أجريت معه في مكتبه في رام الله، فإنه لم ينحرف عن خط حزبه في مهاجمة خطة إدارة ترامب لعقد "ورشة عمل اقتصادية" هذا الشهر في البحرين، التي تأمل أن تجمع الدول المانحة لإقناع رجال الأعمال الفلسطينيين بالفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يتوقعوا الحصول عليها إن هم تبنوا خطة السلام التي ستطرحها الإدارة في المحصلة.
ويذكر الكاتب أن القيادة الفلسطينية اتخذت موقفا دفاعيا تجاه ورشة العمل في البحرين، وضغطت على رجال الأعمال في الضفة الغربية لمقاطعتها، وأبدت أسفها على احتمال حضور بعض القادة العرب للورشة.
وتنقل الصحيفة عن اشتية تعليقه على تناقض إدارة ترامب بالحديث عن تحسين الوضع الاقتصادي الفلسطيني، بعد أن توقفت عن دفع مئات ملايين الدولارات على شكل مساعدات منها لمشاريع في الضفة الغربية وغزة عن طريق وكالة غوث اللاجئين وللمستشفيات في القدس الشرقية، قائلا: "هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم من كانوا يعملون على تجفيف الموارد المالية للسلطة الفلسطينية".
وقال اشتية إن الورشة محكومة بأن تذهب في الطريق ذاتها التي ذهبت فيها خطط "السلام الاقتصادي"، أو تحسين نوعية الحياة للفلسطينيين، من عهد ريغان إلى أوباما، "لم يتحقق شيئا منها.. والآن هذا المؤتمر في البحرين. سيولد ميتا، ولن ينتج عنه شيء".
ويشير التقرير إلى أنه إلى الآن، فإن كلا من السعودية والإمارات وافقتا على الحضور، فيما يقال إن قطر أيضا تخطط للحضور، وقال اشتية إن غيرهم ممن سيوافقون على الحضور سيفعلون ذلك بسبب الضغط الأمريكي.
وقال اشتية للصحيفة: "نأمل ألا يذهب العرب (إلى المؤتمر).. والآن نعلم أن هناك دولا واقعة تحت ضغط شديد، بعضها قد تستطيع تحمل الضغط، وأخرى لن تستطيع تحمله".
ويفيد هالبفينغر بانه لدى سؤال اشتية عن سبب عدم تحدي الفلسطينيين التوقعات وحضور مؤتمر البحرين حتى لو لم يكن ذلك إلا لإثبات خطأ المنتقدين الإسرائيليين والأمريكيين الذين يصفون الفلسطينيين بالرافضين، فإنه قال بأن السلطة لم تتم دعوتها، لكنه قال إن المشاركة في أي جزء من عملية ترامب تعد وقوعا في الفخ.
وتلفت الصحيفة إلى أنه كرر ذكر التحركات المتحيزة لإسرائيل التي قامت بها إدارة ترامب، بما في ذلك نزع صفة اللجوء عن ملايين الفلسطينيين، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والتخلي عن حل الدولتين بناء على خط وقف إطلاق النار عام 1967.
ويورد التقرير نقلا عن اشتية، قوله: "نعلم الأجندة السياسية.. إنهم يقولون لا للاجئين، ويقولون لا للقدس، ويقولون لا للدولتين، إنهم لا يحترمون حدود 67، وإن كان المسار الاقتصادي هو جزء من الصفقة فما الذي سنوافق عليه؟ فإن حضرنا فإن الناس سيستخدمون وجودنا للاستفادة منه".
وينوه الكاتب إلى أن اشتية وصف تحركات إدارة ترامب بشكل عام بأنها تتلاعب بالوضع الراهن، مشيرا إلى أن الرد الفلسطيني منطقي جدا.
وتنقل الصحيفة عن اشتية، قوله: "ما تقوم به الولايات المتحدة أمر خطير.. نحن والإسرائيليون اتفقنا على أن القدس خاضعة للتفاوض، والآن سحبت هذه القضية الولايات المتحدة من الطاولة، والأمر ذاته بالنسبة للاجئين والمستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، التي لم تصدر أمريكا حتى بيانا واحدا ضد هذه المستوطنات، ويقولون إنها قائمة لتبقى".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول اشتية: "نحن لسنا رافضين.. لكن مشكلتنا هي أننا نعلم، هناك الكثير من الناس العميان، لكننا نعلم، نحن نعلم أين يأخذوننا، سأخبرك، هذه الخطة الأمريكية واستراتيجية الابتزاز، لن تثمر أبدا، هناك أشخاص في واشنطن يعتقدون للأسف أنه يجب هزيمة الفلسطينيين ليستسلموا، وليقبلوا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)