نشر موقع "المركز الروسي للشؤون الدولية" تقريرا، تحدث فيه عن التناقضات بين
إيران والولايات المتحدة التي وصلت مرحلة حرجة، وهو ما يطرح تساؤلا حول الموقف الذي ستتخذه روسيا على ضوء هذا النزاع الوشيك.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن استراتيجية
موسكو في الشرق الأوسط تعتمد على مبدأ الحفاظ على توازن القوى بين اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، وهو ما سيسمح لموسكو بلعب دور الوسيط بين الدول المتنازعة. في الأثناء، تهدد الهزيمة العسكرية لإيران بتحويل ميزان القوى نحو الولايات المتحدة وحلفائها، ما من شأنه أن يحد من قدرة روسيا على مواصلة سياستها في الشرق الأوسط.
وأكد المركز الروسي أن عزلة إيران قد تكون مفيدة لروسيا من الناحية الاقتصادية، نظرا لأن المواد الطاقية الإيرانية ستختفي من السوق، ما سيتيح الفرصة أمام المنتجات الروسية. ولكن التبعات السياسية لتغيير النظام في طهران قد تفوق بكثير الفوائد الاقتصادية المحتملة لموسكو، نظرا لأن المواجهة بين واشنطن وطهران تهدد بتعزيز النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وبالتالي تقويض نفوذ روسيا في المنطقة.
وأضاف الموقع أنه من الدوافع الإضافية لإيجاد طرق للتأثير على الصراع الإيراني الأمريكي هي طموحات موسكو العالمية، علما بأن من بين أهداف روسيا على مستوى السياسة الخارجية تأكيد مكانتها الدولية كقوة عظمى. والحفاظ على مكانتها الدولية، يجب على روسيا أن تثبت باستمرار قدرتها على التأثير في العلاقات الدولية، خاصة فيما يتعلق بمسألة مهمة مثل المسألة الإيرانية.
وأشار الموقع إلى أن تقاعس روسيا وعجزها عن التأثير على الوضع في المنطقة، قد يلحق الضرر بشكل كبير بمكانتها كدولة تسعى لإثبات نفسها كقوة عظمى. وعلى الرغم من أن الكرملين قد سبق وأشار إلى أنه ينبغي على إيران عدم الاعتماد على الدعم النشط من روسيا، إلا أنه في حال حدوث صدام عسكري حقيقي قد يتغير موقف موسكو.
وبيّن الموقع أنه من الواضح أن تدخل روسيا المباشر في الصراع العسكري بين الولايات المتحدة وإيران أمر مستبعد إلى حد ما. ومع ذلك، لا تزال موسكو قادرة على التأثير على الصراع. ومنذ سنة 2011، يتركز التعاون بين الدولتين بشكل أساسي على ثلاث فئات رئيسية: إمدادات الأسلحة الإيرانية الروسية، وتبادل المعلومات الاستراتيجية بشكل خاص في إطار مواجهة تنظيم الدولة والعمليات العسكرية في سوريا، وتنسيق العمليات العسكرية. وإذا ما قررت روسيا دعم إيران فستكون المساعدة بدرجة أو بأخرى على أساس هذه الفئات الرئيسية الثلاث.
وأورد الموقع أن أحد الخيارات الممكنة لردود فعل موسكو على تصعيد النزاع العسكري الأمريكي الإيراني تقوم على إمكانية تزويد إيران بإمدادات أسلحة لتعزيز قدراتها الدفاعية. وفي السنوات الأخيرة، لجأت روسيا إلى خطوات مماثلة لتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط. وبعد حادثة الطائرة الروسية أرسلت روسيا أنظمة إس-300 إلى سوريا لضمان سلامة الجيش الروسي.
وفي حالة حدوث تصادم بين قوات إيران والولايات المتحدة، ستحظى روسيا بإمكانية تزويد إيران بالأسلحة الحديثة من طراز إس-400 وأنظمة الحرب الإلكترونية كراسوخا. ومن المعروف أن تسليم المعدات العسكرية الروسية إلى طهران قد يكون محفوفا بالمخاطر بالنسبة لموسكو؛ نظرا لأن تشغيل هذه الأنظمة يتطلب خبراء من الروس.
وأشار المركز الروسي للشؤون الدولية إلى أن من بين وسائل التأثير على الصراع المحتمل الانتشار المحدود للجيش الروسي في إيران. وتجدر الإشارة إلى أن الانتشار الاستراتيجي للقوات العسكرية الروسية موجود في فنزويلا، حيث نقلت روسيا جزءا من أفرادها العسكريين، ونشرت طائرات من طراز توبوليف تي يو-160 لحماية مصالحها الخاصة. ومن جهتها، قد توافق طهران على انتشار عسكري مماثل، على الرغم من أنها غير واثقة من مدى موافقة موسكو على ذلك.
وحسب الموقع، ينبغي عدم وضع توقعات كبيرة على إمكانية نشر قوات روسيا في إيران لحماية المصالح الروسية، نظرا لأن النشر الاستراتيجي للأفراد العسكريين له القدرة فقط على لعب دور وقائي لمنع تصعيد النزاع. وبعد بدء الأعمال العدائية المحتملة واسعة النطاق بين واشنطن وطهران، سيصبح من المستحيل أن تتخذ روسيا مثل هذه الإجراءات.
وأكد الموقع أنه يمكن لروسيا تزويد إيران بدعم إعلامي، سواء قبل أو خلال الأعمال العدائية، علما أن روسيا لجأت لمثل هذه الأساليب في الماضي. ووفقا لتقارير البنتاغون لسنة 2003، نقلت روسيا في المراحل الأولى لغزو العراق العديد من المعلومات الاستراتيجية إلى حكومة صدام حسين حول حركة القوات العسكرية الأمريكية في المنطقة.
أما فيما يتعلق بطهران، تحتفظ موسكو لعدة سنوات بقنوات لتبادل المعلومات، كما أن لديها مركز استخبارات مشترك لتنسيق أعمالها لمكافحة المنظمات الإرهابية والقيام بعمليات مشتركة في سوريا. ولكن من غير المتوقع أن تتعاون روسيا مع إيران في حال نشوب نزاع مسلح مع الولايات المتحدة بنفس القدر، بالمقارنة مع حجم التعاون الثنائي في السابق. وفي الوقت نفسه، قد تزود روسيا إيران بقدر محدود من المعلومات التي يمكن أن تلعب دورا مهما في تعزيز القدرة الدفاعية.
وفي الختام، أفاد الموقع بأن روسيا لا تريد الانجراف إلى صراع عسكري بين إيران والولايات المتحدة وستبذل قصارى جهدها لتجنب ذلك. ولكن هذا لا يعني أنه ليس لديها فرصة للتأثير على تطور الصراع، خاصة أن موسكو لا تنوي تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، خاصة لصالح واشنطن. وعلى الرغم من محدودية القدرات المالية والعسكرية، إلا أنه لا يزال لدى موسكو العديد من الخيارات للتأثير على سير الصراع بين الولايات المتحدة وإيران. وسيكون دور روسيا حاسما في تحديد نتيجة الحرب.