هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز " مقالا للأكاديمية في جامعة برانديس، جايت كلوسين، تقول فيه إنه عندما كان يصل الغربيون إلى "الخلافة/ الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة" فإنهم كانوا يقومون بحرق جوازات سفرهم، ويتباهون بذلك على "تويتر".
وتقول كلوسين في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "الآن بعد أن خسر التنظيم آخر أراض يسيطر عليها في سوريا والعراق، فإن مئات الغربيين وأطفالهم أصبحوا عالقين في مخيمات وسجون في شمال سوريا والعراق، وعادة يأملون في العودة إلى بلدانهم.. لكن حكوماتهم لا تريد عودة الجهاديين".
وتجد الكاتبة أن "قصة شميمة بيغوم، وصديقتيها في المدرسة، اللواتي غادرن بريطانيا عام 2015، وهن في سن 15 عاما، إلى إسطنبول ثم إلى الرقة، لينضممن إلى تنظيم الدولة، تختزل ظاهرة (عرائس الجهاديين)، وهو شابات يافعات تم استدراجهن عن طريق المتخصصين في التجنيد عبر الإنترنت".
وتستدرك كلوسين بأن "صورة أخرى ظهرت عندما قام صحافي من صحيفة (التايمز) بمقابلتها في شباط/ فبراير في سوريا، فقالت إنها ذهبت سعيا للحصول على (العائلة المثالية) وأنها غير نادمة، وقالت إنها لم تتأثر عندما رأت رأسا مقطوعا في برميل قمامة، وقالت في مقابلة لاحقة مع (بي بي سي) إن تفجير مانشستر عام 2017 كان (نوعا من الانتقام) لهجمات الغرب ضد تنظيم الدولة".
وتشير الكاتبة إلى أنه "بعد عشرة أيام من الوصول إلى الرقة عام 2015، قامت بيغوم بالزواج من شاب هولندي كان قد تحول للإسلام، وأصبح مقاتلا مع تنظيم الدولة، وأنجب الزوجان ثلاثة أطفال، كلهم ماتوا بعد فترة وجيزة، وكان الثالث قد ولد في مخيم النزوح الذي انتهت اليه بيغوم بعد فرارها من آخر معقل لتنظيم الدولة، أما زوج بيغوم، ياغو ريديجك، البالغ من العمر 27 عاما، فهو مسجون في مخيم اعتقال كردي في شمال سوريا، وخلال مقابلة له مع (بي بي سي) أرسل برسالة حب لبيغوم، وقال إنه يأمل أن يسمح لهما بالعودة إلى هولندا معا".
وترى كلوسين أن "احتمال حدوث ذلك ضئيل، فقد حكمت الحكومة الهولندية على ريديجك غيابيا بسبب انضمامه إلى منظمة إرهابية، بالإضافة إلى أنه من المشتبه بهم في التخطيط لعملية إرهابية تم اكتشافها قبل وقوعها في مدينته عام 2018، كما أن زواجه من بيغوم، كغيره من الإجراءات التي تمت تحت حكم تنظيم الدولة، غير معترف به، ولن يخوله لجمع شمل في هولندا أو في أي مكان آخر".
وتقول الكاتبة: "هناك العديد ممن يعرفن بعرائس الجهاديين اللواتي شهدن عنفا رهيبا، ويعانين من إجهاد ما بعد الصدمة وغير ذلك من الأمراض، وكثير منهن حوامل، أو أنهن ولدن العديد من الأطفال في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم، ومن بينهن نساء شاركن في نهب ممتلكات الفارين من تنظيم الدولة، وهناك من انضممن للحسبة (شرطة تنظيم الدولة) وكن يقمن بقمع نساء مسلمات أخريات، وبعضهن تفاخرن باستعباد نساء أخريات".
وتلفت كلوسين إلى أنه "تمت محاكمة عائدة ألمانية من تنظيم الدولة، وهي جنيفر وينيتش، المتهمة بأنها كانت تعمل في شرطة الآداب في الفلوجة والموصل، بتهم ارتكاب جرائم حرب، وقتل طفلة أزيدية عمرها خمسة أعوام استعبدتها هي وزوجها في سوريا".
وتفيد الكاتبة بأن "بيغوم وغيرها يدعين الآن أنهن كن مجرد زوجات في سوريا، لكن مواقعهن الاجتماعية تشير إلى أنهن ربما ارتكبن جرائم أكبر من مجرد الانضمام إلى تنظيم مجرم".
وتشير كلوسين إلى أنه "يقدر بأن القوات الكردية الموالية لأمريكا في شمال سوريا تعتقل أكثر من ألف رجل وامرأة غربيين، مثل بيغوم وزوجها، وكثير من الأطفال في مخيمات احتجاز".
وتلفت الكاتبة إلى أن أمريكا تضغط على الحلفاء الأوروبيين بمحاكمة هؤلاء الرجال في بلدانهم، وغرد الرئيس الأمريكي ترامب في وقت سابق من العام، بأن على بريطانيا وفرنسا وألمانيا تسلم 800 رجل من بين المعتقلين ومحاكمتهم في بلادهم، وحذر من أنه إن لم يتم ذلك فإنه سيتم إطلاق سراح هؤلاء الرجال الذين سيحاولون العودة لبلدانهم وارتكاب جرائم هناك، (لكن ترامب يرفض عودة هدى مثنى البالغة من العمر 24 عاما، التي سافرت من ألاباما إلى سوريا عام 2014، التي سحبت إدارة أوباما جواز سفرها عام 2016)".
وتستدرك كلوسين بأن "الحكومات الغربية لا تريد فعل ذلك لما ينطوي على إعادة أعضاء تنظيم الدولة هؤلاء من تعقيدات، ولكون محاكماتهم لن تكون أمرا مباشرا، ففي بعض البلدان لم يكن السفر إلى سوريا للانضمام للثوار جريمة، فمثلا السويد لم تجرم السفر إلى سوريا إلا في عام، 2016 وهو ما يعني أن أي مواطن سويدي سافر قبل ذلك لا يمكن اتهامه إلا بجرائم محددة تم ارتكابها في منطقة الصراع، لكن إثبات ذلك صعب بالرغم من الاعتماد بشكل متزايد على شهادات اللاجئين والأدلة المجموعة من مواقع التواصل الاجتماعي".
وتفيد الكاتبة بأن "كثيرا من الدول الغربية لا يسمح فيها باعتقال الأشخاص أكثر من 14 يوما دون توجيه تهم لهم، ومراقبة عدد كبير من المشتبه بهم لفترات طويلة أمر صعب، وحتى إن تمت محاكمة وإدانة المتطوعين مع تنظيم الدولة فإن وجودهم في السجون سيكون مشكلة، حيث سيؤثرون على بقية السجناء".
وتنوه كلوسين إلى أنه لذلك، فإن الحكومات الأوروبية تفضل أن تتم محاكمتهم خارجيا، فقال متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي: "يجب مثول المقاتلين الأجانب أمام المحاكم، وأن تتم محاكمتهم بحسب القوانين المناسبة"، فيما قالت وزارة الخارجية الألمانية إن الألمان العالقين في سوريا يجب أن يعودوا من حيث المبدأ، لكن رئيس الوزراء هيكو ماس، قال بأن الوضع الأمني غير المستقر يجعل ترتيب عودتهم أمرا صعبا جدا.
وتشير الكاتبة إلى أن السلطات النمساوية أعلنت أن هناك مخاطرة كبيرة في إرسال موظفين قنصليين للمنطقة لتسلم المواطنين النمساويين من مراكز الاعتقال في سوريا، لافتا إلى أن فرنسا أعلنت في شباط / فبراير أن 14 مقاتلا من تنظيم الدولة اعتقلوا شرق سوريا سيتم تحويلهم للعراق للمحاكمة.
وتعلق كلوسين قائلة إن "إجراء المحاكمات خارجيا فيه إشكالية، حيث أن القانون في أوروبا لا يسمح بتسلم الأشخاص ليحاكموا في بلاد يمكن أن يتعرضوا فيها لحكم الإعدام، أو أن يسجنوا في ظروف غير إنسانية، ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المواطنين الغربيين الذين تمت محاكمتهم في العراق، ولا الأحكام التي صدرت بحقهم، لكن الصحافيين الذين حضروا بعض تلك المحاكم يتحدثون عن محاكم سريعة قد تتم خلال 10 دقائق، والرجال والنساء الذين يحكم عليهم بالإعدام يتم إعدامهم مباشرة".
وتلفت الكاتبة إلى أنه تم الحكم على ثلاثة بلجيكيين و11 فرنسيا بالإعدام شنقا، وقالت الحكومة الفرنسية إنها ستتدخل لمنع تنفيذ حكم الإعدام، لكنها تصر على أن المحاكم يجب أن تتم في البلد التي ارتكبت فيها الجرائم، مشيرة إلى أن الحكومة الألمانية استطاعت تحويل حكم بالإعدام إلى السجن المؤبد.
وتذكر كلوسين أنه تمت محاكمة الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة في المناطق الكردية في شمال سوريا، حيث لا يوجد حكم الإعدام، إلا أن الأكراد يقولون إنهم يفتقدون إلى الإمكانيات التي تسمح لهم بسجن ذلك العدد الكبير من الأشخاص.
وتقول الكاتبة: "أما المقترحات الأخرى، كذلك الذي اقترحته الحكومة السويدية من إقامة محكمة دولية لمقاتلي تنظيم الدولة، فإنه لكن لم يكن واضحا أين يمكن عقد مثل هذه المحكمة، بالإضافة إلى العدد الكبير من المشتبه بهم، الأمر الذي سيشكل حملا كبيرا على المحكمة، والتجربة في محاكم من هذا النوع مثل تلك التي أقيمت للجرائم المرتكبة في رواندا أو يوغوسلافيا سابقا تشير إلى أن العملية طويلة ومكلفة".
وتنوه كلوسين إلى أن "الحكومات الأوروبية بدأت بإسقاط الجنسية عمن انضموا لتنظيم الدولة من مواطنيهم، فبعد أسبوع من مقابلة بيغوم، قام وزير الداخلية البريطاني، ساجد جاويد بإسقاط الجنسية عنها؛ بحجة أنها تستطيع الحصول على جواز سفر بنغالي، وهو ما ينفيه المسؤولون البنغال، ولو حوكمت بيغوم في بنغلادش لربما حكم عليها بالإعدام، كما تم سحب جنسيات الأختين ريما وزارا إقبال، اللتين قد تستطيعان الحصول على جنسية باكستانية، لكن أطفالهما الخمسة غالبا ما سيصبحون عديمي الجنسية".
وتورد الكاتبة أنه "بحسب صحيفة (إندبندنت) فإن هناك ما لا يقل عن 150 بريطانيا تم سحب جنسياتهم، مع أنه ليس من الواضح كم من الحالات مرتبطة بالصراع في سوريا، كما عرف أن النمسا وبلجيكا والدنمارك وأمريكا سحبت جنسيات أعضاء في تنظيم الدولة، ودول أخرى، مثل النمسا وألمانيا والسويد، إما فكرت في تطبيق هذا الإجراء، أو أنها سنت قوانين تسمح لها بذلك".
وتفيد كلوسين بأن "المحاكم في أوروبا أسقطت الجنسية عن المتهمين بجرائم خطيرة، مثل الإرهاب، إن كانت لديهم جنسية مزدوجة، أما بالنسبة لبيغوم فإن الدول تقوم بذلك استباقا لتجنت محاكمة المشتبه بهم".
وتبين الكاتبة أن سحب جنسيات الذين سافروا للانضمام لتنظيم الدولة فتح جدلا قانونيا، وهو سياسة سيئة، فالقانون الدولي الإنساني يقضي بأن من حق الشخص ألا يحرم من الجنسية إن كان ذلك سيجعله فاقدا للجنسية، بالإضافة إلى أن معظم الدول لا يسمح قانونها بنزع جنسية شخص بأمر إداري، وفي بعض الحالات لم تتأكد السلطات من إمكانية الشخص الحصول على جنسية أخرى قبل إسقاط جنسيته، وفي أواخر 2018 قامت محكمة بريطانية بمنع الحكومة من نزع جنسية جهاديين من جوازيهما، بعد أن وجدت أنه ليست لديهما إمكانية الحصول على جنسية بديلة".
وترى كلوسين أن "منع من سافروا للانضمام لتنظيم الدولة لن يجلب للعدالة ما يقدر بـ1200 مواطن أوروبي آخر عادوا بعد القتال في سوريا والعراق، وقليل من هؤلاء العائدين تمت محاكمتهم، بالإضافة إلى أن سحب الجنسيات لا يحل مشكلة الأطفال الذين ولدوا في ظل حكم تنظيم الدولة، فأولئك الأطفال بلا جنسية، ولم يسجل أي من تلك الولادات بشكل رسمي، وكثير من الاطفال اليتامى هم في حضانة نساء لسن أمهاتهم".
وتستدرك الكاتبة بأنه "بالرغم من التعقيدات، إلا أن السويد أعادت سبعة أطفال يتامى مؤخرا من أبناء مايكل سكرامو، بعد أن رضخت للضغط من جدي الأطفال، وكانت فرنسا تخطط لإعادة 150 من أطفال الجهاديين الفرنسيين في سوريا والعراق، إلا أنها لم تعد إلا عددا قليلا خشية الاحتجاج العام، أما الحكومات الأخرى فكانت أكثر قسوة، وقالت وزيرة الهجرة الدنماركية أنغر ستوجبيرغ إن مجندي تنظيم الدولة (أداروا ظهورهم للدنمارك.. فلا حاجة لأطفالهم أن يكونوا مواطنين دانماركيين)".
وتقول كلوسين: "ليس هناك حل سهل للتعامل مع العديد من مقاتلي تنظيم الدولة المسجونين لدى القوات الكردية، والوضع غير مستقر، وترك عائلات تنظيم الدولة في المخيمات والسجون أو تسليمهم للعراق لإعدامهم لن يكون تكتيكا قابلا للحياة، ولا تزال مجموعات جهادية، بعضها متعاطف مع تنظيم الدولة، تقاتل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ويخشى أن يقوم الأخير بتحرير مقاتلي التنظيم من السجون الكردية لمواجهتهم، وقد تراجع عدد الجنود الأمريكيين في سوريا، وإن انسحبت أمريكا من سوريا، فإن من الممكن أن تهاجم تركيا والأسد الأكراد الذين لن يستطيعوا مراقبة المعتقلين".
وتختم الكاتبة مقالها بالقول إن "ترك الأطفال في منطقة حرب أمر غير مقبول، وكان ترامب محقا في هذا الباب على الأقل، فعلى أوروبا أن تعيد مواطنيها، وأن تحاكم من ارتكب جرائم منهم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)