هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع مجلة "بوليتكو" مقالا للزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ري تاكيه، يتساءل فيه عن السبب الذي يدفع إيران لاستفزاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويرى تاكيه في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن إيران تسعى لتحقيق انتصار قبل العودة إلى طاولة المفاوضات، مشيرا إلى أن هستيريا الحرب عادت وسيطرت من جديد على واشنطن.
ويشير الكاتب إلى أن "ترامب أصدر أمرا بتوجيه ضربة لإيران ليتراجع عنها في اللحظة الأخيرة، وبالتأكيد فقائمة الأفعال الضارة التي قامت بها إيران طويلة، منها قرارها عدم الالتزام ببنود في الاتفاقية بشأن تخصيب اليورانيوم، والهجمات على ناقلات النفط في الخليج، كما أكدت إدارة ترامب".
ويقول تاكيه: "لأنني درست النظام الإيراني ولعدة عقود، أعتقد أن الهدف من هذا كله ليس بداية حرب مع أمريكا، لكن الدخول في محادثات بعد زعم أنها صمدت أمام العقوبات الأمريكية واستراتيجية أقصى ضغط، وقبل التفاوض مع الولايات المتحدة فإن إيران تريد رواية نصر، وقد حصلت إيران، كما تكشف أحداث الأيام الماضية، عندما هددت إدارة ترامب بتوجيه ضربة ثم تراجعت، على المبرر بالدخول في مفاوضات مع واشنطن التي لقنتها درسا".
ويضيف الباحث: "يمكن ملاحظة تطور هذا الأمر يوم الجمعة، فبعد ساعات من إعلان ترامب وقف العملية، أعلنت منصات الجمهورية الإسلامية عن النصر، فقال خطيب الجمعة في طهران علي أكبري: (يعلم العدو أنه لو بدأ حربا فلن ينهيها)، أما الجنرال أمير حاجي زادة من الحرس الثوري فقد قال متفاخرا إن قواته قادرة على إسقاط أي طائرة تجسس أمريكية و(لكننا لم نفعل)، وهذا ما احتاجه ترامب عندما قال يوم السبت: (كانت هناك طائرة على متنها 38 شخصا، هل شاهدتم هذا، وكانت في مرمى نظرهم، ولم يطلقوا النار عليهاـ وأعتقد أنهم كانوا حكماء جدا، ونثمن أنهم لم يفعلوا هذا، وأعتقد أنه كان قرارا حكيما)".
ويرى تاكيه أن "الواقع يشير إلى أن إيران لم تحقق انتصارا، فالولايات المتحدة ألغت الاتفاقية النووية دون أن تتعرض لعزلة دولية، ثم استطاعت الحصول على دعم متعدد لخطة العقوبات المشددة على إيران، في وقت التزمت فيه الشركات بالقيود رغم معارضة الدبلوماسيين والساسة في أوروبا لها، وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإن النمو الاقتصادي الإيراني سيتراجع بنسبة 6%، فيما ستصل نسبة التضخم إلى حوالي 50%، ثم قدم مايك بومبيو قائمة من 12 نقطة، وقال إنه يجب التعامل مع دور إيران بدعم الإرهاب والتدخل في المنطقة وليس فقط الاتفاقية النووية، وحققت الإدارة تقدما في مجال وقف تصدير النفط الإيراني وتخفيضه إلى (صفر)".
ويقول الكاتب: "بعبارة أخرى، فإن لدى إيران الكثير لتكسبه من مفاوضات مع أمريكا أكثر من المواجهة المستمرة، ويعتقد الدبلوماسيون الإيرانيون أنهم يستطيعون مهاجمة محاوريهم الأمريكيين، كما فعلوا أثناء المفاوضات مع إدارة باراك أوباما، وستتعرض إدارة ترامب للضغوط في حال توقفت المفاوضات، وسيقول الأوروبيون إن المعايير التي وضعها بومبيو ليست واقعية".
ويلفت تاكيه إلى أن "الإيرانيين تعرضوا لهذه الضغوط من قبل، واعتقدوا أن الخوف من حرب جديدة في الشرق الأوسط سيدفع إدارة أوباما وجورج دبليو بوش من قبله إلى طاولة المفاوضات، ويأمل الإيرانيون أن تدفع العوامل ذاتها إدارة ترامب إلى التفاوض على تعديلات طفيفة حول الاتفاقية النووية، وعدم إلغائها بالكامل".
ويستدرك الباحث بأن "القيادة الإيرانية التي أكدت لشعبها أنها لن تتحاور مع ترامب العدواني، ولهذا فهي بحاجة لرواية انتصار، لا تستطيع الدخول في مفاوضات من موقف ضعف، ولهذا السبب بدأت إيران في أيار/ مايو استراتيجية محفوفة بالمخاطر، زادت فيها وبشكل تدريجي الضغط على أمريكا، وخففت في الوقت ذاته من شروط الدخول في المفاوضات الجديدة، وأعلن حسن روحاني أن بلاده ستعيد النظر تدريجيا في الاتفاقية النووية وواجباتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم في داخل إيران بدلا من إرساله إلى الخارج".
وينوه تاكيه إلى أن "إدارة ترامب اتهمت إيران بتفجير الناقلات في الخليج، الأمر الذي نفته إيران، لكن الأخيرة كثيرا ما هددت بضرب الناقلات في الخليج كلما تعرضت لضغوط أمريكية، في إشارة إلى قدرتها على تعطيل حركة التجارة الدولية، وفي أحد أهم الممرات الدولية، ثم ضربت الطائرة المسيرة، وذلك جزء من الاستراتيجية الخطيرة، أملا في أن تقود إلى عملية دبلوماسية، وربما جنت إيران ثمار هذه الاستراتيجية قريبا".
ويجد الكاتب أنه "لو نظرنا للأمور عن قرب للاحظنا أن كلا من روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف لوحا بغصن الزيتون، فقد توقف روحاني عن المطالبة بعودة أمريكا إلى الاتفاقية شرطا للدخول في المفاوضات، بل إنه ركز على الاحترام المتبادل، والالتزام بالمعايير الدولية، وليس إصدار أوامر للطرف الآخر بالجلوس والتفاوض، وفي السياق ذاته حذر ظريف ترامب من الفريق (ب) المولع بالحرب، ويحرضه على ضرب إيران، وذكره بوعوده الانتخابية بأنه لن يقود مغامرة عسكرية في الخارج، ومن هنا فرق ظريف بين ترامب، الذي يمكن أن يؤدي دور رجل الدولة، وبين الصقور الذين يرون أن هناك مصلحة في شن حرب جديدة".
ويقول تاكيه: "حتى آية الله علي خامنئي، الذي يشير خبراء السياسة الخارجية إلى أنه لن يدعم استئناف المفاوضات، فإنه قد يغير موقفه، فالمرشد الأعلى للجمهورية عبر في خطبه وتصريحاته عن معارضته للمحادثات مع إدارة أوباما، لكنه دعمها في الخفاء؛ لأن محادثات من هذا النوع لم تكن لتجري دون موافقته، وقال خامنئي إنه ليس مع المحادثات، وانتقد روحاني وظريف، وأضاف أنهما مسؤولان عن الدبلوماسية التي لا يتدخل فيها إلا إن تعرضت الجمهورية الإسلامية للخطر".
ويبين الباحث أنه "لهذا، فلو قرر روحاني وظريف، باعتبارهما ممثلين للفرع التنفيذي في الحكم، العودة إلى المحادثات فسيكون رد خامنئي التشكك، لكنه لن يقف في طريقهما، وهذه طريقة ملائمة للمرشد، حيث لن يتحمل مسؤولية أي فشل، لكن يتوجب على روحاني وظريف التعامل مع أي رد فعل سياسي".
ويختم تاكيه مقاله بالقول: "من الواضح لي أن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران قادمة، والتحدي أمام إدارة ترامب هو الحفاظ على معايير بومبيو، ويعتمد إرث الإدارة في سياستها تجاه إيران على كونها قادرة على مواصلة سياستها المتشددة والتقدم للأمام، أو أنها ستنضم للإدارة السابقة التي تخلت عن خطوطها الحمراء بحثا عن اتفاقية بأي ثمن".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)