هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويوك تايمز" مقالا للمعلق المعروف توماس فريدمان، يقول فيه إن الرئيس دونالد ترامب قرر مواجهة أقدم حضارتين في العالم، وتغيير تصرفاتهما وفي وقت واحد، لكن دون أن تكون لديه خطط أو أهداف.
ويقول فريدمان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الضغط في هذا الاتجاه ليس عملا جنونيا، لكن الجنون هو التعهد بالقيام بهذه المواجهة العظمى دون أهداف صحيحة، ودون حلفاء لمساعدته على إنجاز هذه الأهداف، ودون أن يكون لديه فريق أمن قومي متماسك، ودون وجود خطة للتنسيق مع بقية أهداف السياسة الخارجية لإدارته".
ويشير الكاتب إلى أنه "بعد هذا كله، قام ترامب وبقرار فردي بالخروج من الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015، التي أوقفت المشروع النووي، وفي وقت حاول فيه تحفيز الديكتاتور الكوري الشمالي كيم جون- أونغ، للموافقة على التخلي عن مشاريعه النووية".
ويلفت فريدمان إلى أن "الرئيس قام بفرض عقوبات تجارية على الصين، ويريد في الوقت ذاته مساعدتها في إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن مشاريعها النووية، وفرض ترامب تعرفات جمركية على الألمنيوم الأوروبي، وهو بحاجة لدولها في مواجهة كل من الصين وإيران".
وينوه الكاتب إلى أن "أمريكا كانت في الأسبوع الماضي على بعد عشر دقائق من المواجهة مع طهران، قبل أن تقرر وقفها، في وقت لم تستطع فيه الولايات المتحدة تحقيق الاستقرار لا في العراق أو الخروج من أفغانستان".
ويرى فريدمان أن "ترامب يستحق الثناء لشيء واحد، فقد استطاع التسبب بالألم لإيران، وخنق إنتاجها النفطي كله، وبالنسبة للصين ففرض 250 مليار دولار على صادراتها للولايات المتحدة، وعلى المنتجات من شركتها العملاقة (هواوي)، وبعبارة أخرى أصبحت لدى ترامب ورقة نفوذ على الصفقات التعاقدية أو التحويلية من البلدين".
ويقول الكاتب إن "رئيسا يتصرف بنوع من الجنون يمكن أن يحقق شيئا في وقت ما، أما الرئيس الذي يتصرف بجنون دائم، ويخلق ألما دون أهداف واضحة، ويؤكد دائما أنه ينتصر ويخسر الآخرون ودون أن يكون لديه ممر آمن للخروج، هو رئيس ليس جيدا".
ويتساءل فريدمان: "هل يريد ترامب تغيير النظام في إيران، أم أنه يريد فقط تغيير سلوكها؟ وهل يريد تقليل العجز في التجارة مع الصين أم أنه يريد الحصول على صفقة عادلة لشركاتنا؟ إن هذا الوضع ليس واضحا لي ولا للرئيس نفسه، والسؤال الحقيقي هل كان الرئيس منضبطا بدرجة ما وصبورا وماهرا لترجمة الألم الذي تسبب به إلى مكاسب ملموسة ودائمة للولايات المتحدة؟".
ويقول الكاتب: "الصين وإيران تمثلان مشكلتين مختلفتين، فالصين تعد مهمة وذات قيمة، أما إيران فتمثل مشكلة مثيرة للقلق، فالصين تسيطر على أهم صناعتين في القرن الحادي والعشرين، وهما الذكاء الصناعي والسيارات الكهربائية، وهي تريد استخدام الذكاء الصناعي لتقوية سيطرتها الديكتاتورية في الداخل، والسيارات الكهربائية والبطاريات لتحرر نفسها من الاعتماد على (النفط القديم) من القرن الماضي، وتعرف الصين أن البيانات هي (النفط الجديد)، ولهذا فإن البلد الذي تستطيع حكومته وشركاته الحصول على أكبر كمية من البيانات وتحليلها وتحسينها بطريقة مثالية سيكون هو القوة العظمى في هذا القرن".
ويشير فريدمان إلى أن "إيران تقودها مؤسسة رجال الدين متقدمة في العمر، وضيقة النظر، تركز نظرها على اكتساب أهم تكنولوجيا في القرن العشرين، وهي السلاح النووي؛ من أجل السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وإخراج الولايات المتحدة، والانتصار في المعركة على الدول السنية العربية وقيادة العالم الإسلامي، وفي محاولتها لتحقيق هذا الهدف فإن المؤسسة الدينية تقوم بقمع شعب موهوب وغني بالثقافة، وتمنع أبناءه من اكتشاف مواهبهم بشكل كامل".
ويلفت الكاتب إلى أن "إيران تعتمد بشكل كامل على بيع النفط، الذي كان قوة القرن العشرين، ولم تعد أمريكا بحاجة إليه لأنها الدولة الأكبر في مجال إنتاجه على مستوى العالم، وليست السعودية أو روسيا ولا إيران، ولو أغرقت إيران ناقلة نفط في الخليج فستخلق طوابير للوقود في الصين وليس في أمريكا، ولهذا السبب تحتاج أمريكا إلى صفقة تعاقدية مع إيران وتحويلية مع الصين".
ويقول فريدمان: "لو كان ترامب ذكيا لقام بعقد صفقة محدودة مع إيران، فالولايات المتحدة بوجودها المنخفض في الشرق الأوسط ليست بحاجة للتورط في حرب جديدة مع طهران، ولا هندسة عملية (محو) كما هدد ترامب إيران لو ضربت القوات الأمريكية في المنطقة، ويجب على ترامب دعوة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، التي وقعت على اتفاقية 2015 الموقعة مع إدارة باراك أوباما، للمشاركة في تحسين الصفقة وبعرض واضح: سترفع الولايات المتحدة العقوبات عن طهران لو وافقت على تمديد مدة الحد عليها لإنتاج القنبلة النووية من 15 عاما، كما في المعاهدة الأصلية، إلى 30 عاما، والموافقة على فحص الصواريخ الإيرانية ذات المدى الطويل".
ويؤكد الكاتب أن "منع إيران والدول العربية من الحصول على السلاح النووي لعدة عقود، سيكون إنجازا عظيما، وستكون صفقة سهلة ويمكن التأكد منها من خلال حلفاء أمريكا الذين سيوقعون عليها، بالإضافة إلى الصين وروسيا، ولن تعترض إيران التي تعاني من مصاعب اقتصادية على العرض المقدم لها".
ويقول فريدمان: "بعدها يمكننا الجلوس وانتظار البعد التحويلي الذي سيخرج من داخل إيران، وتحديدا شعبها الذي يستحق الأفضل، ويقوم بالتخلص من النظام العفن، وقد يحتاج الأمر سنوات، لكن القوى الخارجية لا يمكنها استعجال التاريخ الإيراني، فمحاولة تغيير النظام في الوقت الحالي ستقود إلى فوضى وأزمة لاجئين على مستويات واسعة".
ويبين الكاتب أنه "في حالة الحد من المشروع النووي الإيراني لمدة 30 عاما، فعندها تستطيع إسرائيل حماية نفسها بنفسها، أما السعودية فستحصل على السلاح الأمريكي لتحد من طموحات إيران، صحيح أن إيران هي لاعب سيئ، لكن السعودية قتلت الصحافي جمال خاشقجي وقطعته، وذوبت جثته على ما يبدو، وسجنت في الوقت ذاته النساء الداعيات لحقوق المرأة السعودية، ويجب علينا أن نأخذ النظرة الثاقبة للخبير في شؤون الشرق الأوسط كريم ساجدبور، من وقفية كارنيغي، في عين الاعتبار، فقال: (لدى أمريكا أعداء سيئون في الشرق الأوسط، ولديها في الوقت ذاته حلفاء سيئون)".
ويعتقد فريدمان أن "الصين تمثل تحديا أعمق، فقد نشأت من الفقر، واعتمدت على العمل الجاد والاستثمار الذكي في البنى التحتية والتعليم، واستثمارات في مجال البحث وتصنيع إبداعات الآخرين، وسرقت الصين إلى جانب هذا الملكية الفكرية للآخرين، وأجبرت الشركات العاملة فيها على نقل التكنولوجيا، وفرضت اتفاقيات تجارية غير متبادلة، وقدمت دعما حكوميا لصادراتها، وتجاهلت قواعد منظمة التجارة العالمية".
ويقول الكاتب: "لو سمحنا للصين بمواصلة ممارساتها المؤذية التي استخدمتها للسيطرة على الصناعة، وتجميع بضائع ضخمة، والتنافس مباشرة مع التكنولوجيا العالية وذات الجودة العالية للقرن الحادي والعشرين، مثل (فايف جي) ومواد جديدة وذكاء صناعي والفضاء والرقائق، فإننا سنكون مجانين".
ويستدرك فريدمان بأن "النموذج الصيني الحالي في قوته وممارسته الضارة مهم للحفاظ على الحزب الشيوعي في السلطة، ولن تتخلى عنه بكين بسهولة، ولهذا السبب فنحن نواجه لحظة كبيرة وليست عادية، وما هو على المحك بين ترامب والصين هو الاقتصاد العالمي الذي ننشده، أما الرهان مع إيران فهو منع انتشار التكنولوجيا النووية".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "لهذا السبب فإن عام 2019 هو عام محوري، مثل عام 1945 و1989، وآمل أن ينتهي على خير".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)