هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمعلق سايمون تيسدال، تحت عنوان "هذا الانحراف المتهور للحرب مع إيران عار على بريطانيا"، يقول فيه إن وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت قال إن بريطانيا ستقف إلى جانب الولايات المتحدة في حال التدخل العسكري، متسائلا كيف نسي العراق بهذه السرعة.
ويبدأ تيسدال مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالتذكير بحضارة إيران وعاصمتها التاريخية "بيرسبوليس"، التي لا تزال آثارها بادية في شمال شرق شيراز، مشيرا إلى أن بقاءها يمثل توبيخا للغزاة القدامى والمعاصرين كلهم.
ويشير الكاتب إلى أن "أعمدتها الرخامية أقيمت في حوالي 500 قبل الميلاد، في وقت كان فيه سكان الجزر البريطانية يمشون وعلى أجسادهم جلد الحيوانات، وكانت اليونان هي التهديد العسكري الأكبر لعاصمة الفرس، ولم تكن أمريكا ترامب سوى فكرة سيئة لم يحضر زمنها بعد".
ويقول تيسدال إن "تاريخ بريطانيا الحديث مع إيران مثير للخجل، فقام الإمبرياليون والتجار البريطانيون في القرن التاسع عشر بالاستغلال وممارسة البلطجة عليها، وأعادوا رسم حدودها مع الراج في الهند، وقامت الجيوش البريطانية بغزو إيران واحتلالها، وساعدت في العشرينيات من القرن الماضي بترفيع رضا شاه بهلوي ليحتل عرش الطاووس، وهو ما أدى إلى ديكتاتورية زرعت بذور المعاداة للغرب، وقادت لاحقا إلى الثورة الإسلامية في عام 1979، ولا تزال آثار الجيش الفيكتوري البريطاني وتخريبهم لآثار بيرسبوليس".
ويلفت الكاتب إلى أن "الولايات المتحدة حلت محل بريطانيا بصفتها جلادا أكبر، لكن الكثيرين قد يتفقون مع رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، الذي أخبر المبعوث الأمريكي أفريل هاريمان، قائلا: (أنت لا تعلم كم كان البريطانيون ماكرين، ولا تعرف كم كانوا شريرين، ولا تعرف كيف يلطخون كل شيء يمسونه)".
ويعلق تيسدال قائلا: "بالنظر إلى هذا الإرث المرير وعمليات النهب الأخرى في المنطقة، فربما كانت بريطانيا ستتردد في التورط في الدخول في عملية تدخل عسكري آخر، لا شيء من ذلك، فمع دق طبول الحرب في الولايات المتحدة تبدو بريطانيا في طريقها نحو حرب كارثية في الشرق الأوسط".
ويرى الكاتب أن "المثير للدهشة ليس صقور ترامب، مثل جون بولتون ومايك بومبيو، الذين يعدون لحرب مع إيران؛ لأنهم يحاولون الدفع إليها منذ أن دمروا الاتفاقية النووية التي وقعت في عام 2015، وعلينا ألا نشعر بالدهشة من الاتهامات والشتائم والاستفزازات والعقوبات التي فرضت على إيران، فهذا جزء من العملية التي تتحول فيها القيادة للغة الحرب".
ويجد تيسدال أن "ما يجب أن يثير الخوف والقشعريرة هو بريطانيا، خاصة الرجلين اللذين يحاولان التنافس على رئاسة الوزراء، ويقومان بخلق وضع لا يعتمد على النقاش أو الحوار، ولا يترك لبريطانيا أي خيار سوى دعم هجوم ترامب على إيران، والأسوأ من هذا هو أنه سيكون هناك أمل ضئيل في تجنب المشاركة العسكرية البريطانية في الضربة".
ويقول الكاتب: "يجب أن يثير الانحدار نحو حرب غير مبررة وليست ضرورية الخوف في قلوب حزب المحافظين المتواطئ، ألا يتذكر أي من أعضاء الحزب الحرب التي صنعتها أمريكا في عام 2003؟ ألا يذكرهم تقرير تشيلكوت، الذي اتهم توني بلير بعدم البحث عن الحل السياسي وبالغ في الحديث عن تهديد العراق، بدق ناقوس الخطر الآن؟".
ويتساءل تيسدال مندهشا من موقف وزير الخارجية جيرمي هانت، الذي يصفه بالمتعقل، لكنه التزم برؤية الحرب القادمة من واشنطن، ويقول: "يعلم هانت جيدا أن حديث الولايات المتحدة وإسرائيل عن اقتراب إيران من القنبلة أمر مبالغ فيه وغير صحيح، لكنه يقول إن بريطانيا في ظل قيادته ستقف مع الولايات المتحدة، وتفكر في دعم عمل عسكري، بناء على ما تقتضيه كل حالة".
ويفيد الكاتب بأنه "كان واضحا في قبوله الرواية الأمريكية التي لامت إيران في الهجمات في الخليج، بالإضافة إلى أنه قبل موقف إدارة ترامب بأن تدخل إيران في المنطقة يعد مبررا للحرب عليها".
ويقول تيسدال: "ربما لم يكن هانت يريد الحرب، لكن هناك انتشارا عسكريا بريطانيا في الخليج، بما في ذلك إرسال قوات مارينز بريطانية وسفن بحرية من القاعدة البريطانية في البحرين ومقاتلات من سلاح الجو الملكي (أف- 35) المرابطة في قبرص، ويطالب ترامب بسفن حربية ترافق الناقلات التجارية في الخليج".
وينوه الكاتب إلى أن "بوريس جونسون لم يقل الكثير عن إيران في حملته الانتخابية؛ لئلا يذكر الرأي العام بملف السجينة البريطانية الإيرانية نازنين زغاري- رادكليف، التي لا تزال في السجن الإيراني، وبعدم فعله الكثير للإفراج عنها، ولا يخجل جونسون من دعمه لترامب، بل إن خطته للخروج من الاتحاد الأوروبي تعتمد على عقد صفقة تجارية مع واشنطن".
ويقول تيسدال: "لو طلب ترامب من بريطانيا المساعدة ضد إيران فسيجد هانت وجونسون معه، وبحماس، صحيح أن أمريكا لا يهمها كثيرا ما يقوله القادة البريطانيون، والدليل على ذلك تراجع الدور البريطاني و(العلاقة الخاصة)، إلا أن ترامب بحاجة إلى ثقل أخلاقي".
ويرى الكاتب أن "هوس حزب المحافظين بالخروج من الاتحاد الأوروبي أثر على أحكامه، وعندما زار الوزير في الخارجية أندرو موريسون طهران هذا الأسبوع، فإن المقابلة القاسية التي لقيها يجب ألا تثير الدهشة".
ويشير تيسدال إلى أنه في المحادثات التي جرت مع نائب وزير الخارجية سيد عباس عرقجي، أظهر الأخير قدرة على فهم وضع بريطانيا في مرحلة ما بعد الاستعمار، ومرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقال: "يبدو أن تورط بريطانيا في معضلة البريكسيت منعها من فهم الحقائق الدولية".
ويقول الكاتب إن "إيران محقة، ففي معظم الشرق الأوسط ينظر لبريطانيا على أنها متحالفة مع الديكتاتوريين والقتلة، وفي الوقت ذاته فهي تابعة لأمريكا الضارة، ففي اليمن تربط بريطانيا بدعم ترامب للحملة السعودية هناك، ما أدى إلى معاناة كبيرة للمدنيين، وعندما يتعلق الأمر بفلسطين، فإن ترامب دمر بخطة (السلام) المتحيزة الإجماع الدولي الذي يدعو لدولة فلسطينية قابلة للحياة، وفي سوريا خرب ترامب الجهود الإنسانية التي قامت بها بريطانيا".
ويختم تيسدال مقاله بالقول: "لو استطاع صقور ترامب تحقيق ما يريدون فإن بريطانيا ستتورط مع دولة عظمى عدوانية تتعارض أعمالها وكلماتها مع مصالح هذا البلد وقيمه بشكل متزايد".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)