هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لمراسلتها في القدس بيل ترو، تقول فيه إن برامج الدعم النفسي الاجتماعي الحيوية مغلقة في غزة، ما يؤثر على الأطفال بشكل خاص.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن غالية سألت صديقتها بيأس: "ماذا تفعلين عندما يبدأ طفلك بالإفاقة من النوم يصرخ؟"، لافتا إلى أن نور البالغة من العمر 11 عاما لم تعد قادرة على الكلام بشكل طبيعي، وبدأت تتبول في الفراش؛ لأنها تخاف الذهاب إلى دورة المياه وحدها، وتتشبث بأمها "مثل ظلها".
وتذكر ترو أن غالية غرابلي، وهي أم لأربعة أطفال من غزة، عمرها 35 عاما، توضح بأن العائلة تعاني من عدة كوارث شخصية، من بينها وفاة شقيق نور محمد (15 عاما)، الذي كان يكسب قوت العائلة، وكان مصابا بالاكتئاب، وقتل برصاص الجنود الإسرائيليين عندما تسلل في أيار/ مايو 2018، ليتظاهر احتجاجا على نقل أمريكا سفارتها إلى القدس.
وتقول الصحيفة إنه كونهم يعيشون في منطقة الشجاعية الخطيرة، فإن بيت غرابلي تعرض للقصف في كل حرب شنتها إسرائيل على غزة، مشيرة إلى أن نور التي ولدت قبل أشهر من حرب 2008 عاشت تلك الحروب كلها، لكن وفاة أخيها وجولة الغارات الجوية الأخيرة والصواريخ كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
وقالت غرابلي لـ"إندبندنت" في الوقت الذي كانت تجلس فيه تحت صورة كبيرة لابنها: "لقد توقفت عن التكلم بشكل كامل، وعندما أسألها لماذا هي صامتة، تبكي.. وبدأت تصرخ خلال نومها وبدأت ترى كوابيس بأن الجنود يدخلون البيت لقتلها، لم أعد أعرف ابنتي الصغيرة".
ويلفت التقرير إلى أن عمال الإغاثة، بينهم مسؤولون في وكالة غوث اللاجئين (أونروا)، يحذرون من أزمة غير مسبوقة للصحة العقلية في أنحاء غزة، يفاقمها ارتفاع مفاجئ في العنف على مدى العام الماضي، وتخفيض في النفقات على برامج الدعم النفسي، مشيرا إلى أن أكثر الناس تأثرا من هذا الأمر هم الأطفال مثل نور التي تعيش بالقرب من الحدود.
وتستدرك الكاتبة بأن هناك بعض المساعدات، فمجلس اللاجئين النرويجي يدير برنامج دعم للصحة النفسية للأطفال من ثلاث مستويات، واستطاعت نور أن تنضم له، ويقدر المجلس بأن ثلثي القاصرين الذين يعيشون في المناطق الحدودية، مثل الشجاعية، تبدو عليهم علامات الضغط النفسي.
وتنوه الصحيفة إلى أن دراسة تم نشرها في آذار/ مارس أظهرت بأن نسبة 81% من أطفال المدارس يعانون تعليميا بسبب ضغط الصراع، ففي مدرسة نور يدير مجلس اللاجئين النرويجي تمارين تنفس واسترخاء لمكافحة القلق ونوبات الذعر والغضب ونوبات العنف التي يعاني منها الطلاب بشكل متزايد.
وينقل التقرير عن نور، التي تغيرت كثيرا، قولها حين كانت تجلس مع أمها: "كنت خائفة قبل أن أدخل البرنامج من أنني سوف أموت"، وأضافت: "كنت أخاف من كل شيء، وأشعر أن هناك تهديدا في كل مكان، لكنني الآن أشعر أني آمنة".
وقال أبو حسين ماضي لـ"إندبندنت" بأن الدعم النفسي كان مفيدا جدا لابنه نبيل، البالغ من العمر 11 عاما، والذي كان يصحو في الليل يصرخ في نومه.
وتفيد ترو بأن نبيل مثل نور، قتل أخوه، الذي اسمه أيضا محمد، في مظاهرات السياج الحدودي، وقد رأى نبيل الذي شارك مع الأطفال في ذلك اليوم اللحظة التي قتل فيها أخوه، مشيرة إلى قول والد نبيل إن "الدعم النفسي ضروري للأطفال"، وأضاف أن ابنه يحتاج إلى أشهر من الدعم، وأن ذلك "هو الطريق الوحيد ليستعيد ابنه"، إلا أن تقليص التمويل يهدد مستقبل برنامج الصحة العقلية في غزة.
وتورد الصحيفة نقلا عن رئيس وحدة الدعم النفسي التابعة للأنروا في غزة الدكتور إياد زقوت، قوله بأنه بالرغم من زيادة التحديات للصحة العقلية على مدى العام الماضي، إلا أنه كان عليهم أن يقللوا من برامجهم بسبب نقص التمويل.
ويشير التقرير إلى أن أمريكا، التي كانت أكبر ممولي الأونروا، قطعت التمويل العام الماضي، تاركة الأونروا بعجز بلغ 400 مليون دولار، لافتا إلى أنه لإبقاء مدارس الأونروا مفتوحة، ولإطعام مليون شخص يعتمدون على مساعداتها الغذائية، فإن الأونروا تضحي ببرنامج الصحة العقلية، الذي ينظر إليه على أنه أقل أهمية.
وقال الدكتور زقوت لـ"إندبندنت" من مكتبه في مدينة غزة: "استطعنا فقط أن نصل إلى 10 آلاف طفل في غزة العام الماضي، في الوقت الذي كنا نصل فيه إلى 25 ألف طفل في الأعوام السابقة".
وتكشف ترو عن أنه كان لديهم فقط 260 مرشدا نفسيا يعملون بدوام كامل، مرتبطين بمدارس أونروا، لكن الأخيرة اضطرت لأن توظفهم بدوام جزئي، بالإضافة إلى اضطرارها للاستغناء عن خدمات 80 منهم، مشيرة إلى أن وكالة الغوث إذا لم تستطع الحصول على المزيد من التمويل فإن عليها الاستغناء عن 44 مرشدا إضافيا مرتبطين بمراكز الصحة.
وقال الدكتور زقوت للصحيفة بأن التداعيات لهذا الأمر تظهر في أدلة مباشرة بزيادة أذى النفس والتصرفات التخريبية والسلوك المضطرب بين الطلاب والانتحار، وأضاف: "وصلت أزمة الصحة العقلية إلى أسوأ حالاتها وتزداد سوءا، وربما يكون القادم أسوأ.. إنها تعرض حياة الأطفال للخطر وتعرض مستقبلهم للخطر".
وتفيد الصحيفة بأن وكالة الأونروا، التي تدعم 5 ملايين لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية ولبنان والأردن وسوريا، أقامت مؤتمرا للحصول على التمويل، في محاولة لتجميع أموال ضرورية، واستطاعت تأمين مبلغ 110 ملايين دولار وعدت به، بما في ذلك مبلغ 19 مليون جنيه إسترليني من المملكة المتحدة، التي وإن كانت مشجعة فهي أقل بكثير من ميزانيتها السنوية التي تصل إلى 1.2 مليار دولار.
ويورد التقرير نقلا عن مديرة مكتب الوكالة في واشنطن إليزابيث كامبل، قولها بأن الوكالة لا تزال بحاجة للتمويل، وأضافت: "(برنامج) الصحة العقلية يبقى في حالة خطرـ فلن تتم إعادته للضفة الغربية، وتبقى التقليصات التي تمت في غزة قائمة".
وتلفت الكاتبة إلى أن هناك القليل من الأبحاث في قضايا الصحة العقلية المعقدة في غزة، مشيرة إلى أن الانتحار يبقى موضوعا حساسا وموصوما بالعار في مجتمع شديد المحافظة.
وتقول الصحيفة إنه قبل عدة أسابيع من دخول "إندبندنت" إلى غزة، ماتت شابة في إحدى المناطق الشمالية، فيما وصفته عائلتها بأنه حادث، لكن أصدقاءها مقتنعون بأنها انتحرت، وقالوا للصحيفة بأن لديها تاريخا مضطربا، ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أن لديها أفكارا انتحارية.
وينقل التقرير عن مدير مركز علاج الجسد والعقل، الذي يدير برنامجا خاصا للعائلات والأطفال الذين يعانون من صدمات، الدكتور جمال عبد العاطي، قوله بأن هناك حاجة ملحة لأن يغير للمجتمع نظرته للانتحار.
ويقول عبد العاطي إنه شاهد تزايدا في محاولات الانتحار منذ حرب عام 2015، لكن على مدى السنوات القليلة الماضية تم تقليص التمويل لمنظمته بحوالي 70%، حيث شجع قطع أمريكا المساعدات عن الفلسطينيين المانحين الآخرين على قطع مساعداتهم، ما زاد من الضغط على الإمكانيات القليلة أصلا.
وتنوه ترو إلى أن الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية زادت من صعوبة الوضع للمنظمات الخيرية المحلية، مشيرة إلى قول عبد العاطي: "أصبح الناس فاقدين للتركيز، لدرجة أنهم عند عبورهم للشارع لا ينظرون يمينا ويسارا".
وتفيد الصحيفة بأن أستاذ العلوم النفسية المتخصص في حالات الأطفال والمراهقين، عبد العزير ثابت، الذي فقد التمويل لدراساته ولعياداته على مدى عدة سنوات، يؤكد كلام عبد العاطي، ويحذر من أن حجم الأزمة في غزة، والتي هي عبارة عن مجتمع شاب في أغلبيته، قد يشكل "تهديدا لأمن إسرائيل القومي"، وقال: "نحن نتحدث عن حوالي مليون شاب مصدومين بشكل كبير، وليس أمامهم أي مستقبل".
وبحسب التقرير، فإن أم نور تشبه أزمة الصحة العقلية بجرح رصاصة خفي، وقالت والدموع تفيض من عينيها: "لمعظم الوقت عندما أحاول أن أتنفس نفسا عميقا شعرت بأنني غير قادرة على التنفس مع كل ما كان يحدث".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول والدة نور: "إنها مشكلة كبيرة، لكن لا يمكنك رؤيتها كما ترى جروح الرصاص، رأيت كثيرا من الأمهات اللاتي لا يستطعن التعامل مع أطفالهن فيدفعنهم إلى الشارع.. نحن بحاجة لمساعدة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)