مرّ الأسبوع الماضي بعدة أحداث لا بد من لفت النظر لها، والتعليق عليها، بعضها أحداث قد تبشر بأفق جديد سيفتح قريبا في سماء مصرنا الغالية.
* * *
الحدث الأول: مراجعات السياسي المصري الدكتور طارق الزمر في شأن التيارات الإسلامية في مصر والوطن العربي
من الصعب أن تجد إنصافا وتجردا وانفتاحا على الآخر في هذه الأيام الصعبة كالذي يتميز به الدكتور طارق الزمر، لذلك من الواجب على جميع التيارات السياسية أن تنظر بعين فاحصة للمبادرة التي يقدمها الدكتور طارق في هذا الوقت الحرج.
إن المبادرة توصلنا إلى أمرين أساسيين:
الأول: تفكيك منظومة الاستبداد.
الثاني: بناء اصطفاف وطني واسع.
ولكي يتحقق هذان الأمران فلا بد من تصحيح تصورات التيار السياسي الأكبر في مصر والوطن العربي، وإعادة تموضعه في الحياة السياسية.
لا بد من تصحيح تصورات التيار السياسي الأكبر في مصر والوطن العربي، وإعادة تموضعه في الحياة السياسية
من أجل ذلك يقدم "الزمر" اقتراحات مخلصة، وعلى شباب التيار الإسلامي أن يستوعبوها، وأن يضعوها موضع النقاش الجاد، وعلى شباب التيارات الأخرى أيضا أن يتابعوا ما يحدث في التيار الإسلامي من مراجعات، فالتيارات "المدنية" تحتاج إلى مراجعات هي الأخرى.
تتمحور مراجعات الدكتور طارق الزمر (باختصار أتمنى أن لا يكون مخلا) في:
- إعادة ترتيب أوضاع التيار الإسلامي مجتمعيا بما يخرجه من دائرة الاستهداف الحالي ويضعه في قلب المجتمعات، وفي داخل أنسجة القضايا الوطنية.
- إعادة ترتيب الأولويات بتقديم أولوية الحريات العامة والعدالة الاجتماعية على ما سواها من أولويات.
- إعادة تعريف وظيفة التيار الإسلامي، ورسم الحدود الفاصلة بين أهم أدواره، وخاصة الدعوي والسياسي والاجتماعي والخيري.
- التأكيد على مدنية وسلمية وجماهيرية المشروع الإسلامي، وأنه لا يمكنه أن يحتكم للسلاح؛ لتعارض ذلك مع جوهر عملية التغيير السياسي والاجتماعي المنشود، ولأن الاحتكام للسلاح يقتضي تنحية الجماهير، كما يقتضي بناء دولة حديدية مصمتة لا تلبي تحديات العصر.
- إعادة الاعتبار لدور الشباب والمرأة، وتأهيلهم وتمكينهم من مراكز القرار.
- نفي جميع أسباب ربط المشروع الإسلامي بالطائفية، وذلك باتخاذ مواقف استباقية مع مكونات المجتمع غير المسلمة.
- إعادة بناء الخطاب السياسي الإسلامي، بحيث يصبح أكثر تبشيرا بالمستقبل، وأكثر التحاما مع قضايا المجتمعات، وأكثر حرصا على توسيع دوائر الأصدقاء والحلفاء، وأكثر ذكاء في تحييد الخصوم والأعداء.
- إعادة الاعتبار للمفهوم الشامل للقوة المدنية وذلك بأساليب كثيرة، ومن أهمها العمل على تحييد الأطر الأيديولوجية في بناء التحالفات الوطنية، فالتغيير الإسلامي ليس مناقضا للتغيير على أسس أخرى، وذلك في إطار مشروع وطني جامع.
- التأكيد على واجبات المصالحة المجتمعية.. فالاستبداد فرض أجندته بتمزيق المجتمع، وهزيمته لن تتم إلا بحرمانه من أهم نقاط ومواضع تمركزه في المجتمع.
- ضرورة تفكيك الحملة المعادية للإسلام والعالم الإسلامي والحركات الإسلامية، والتي أصبحت متحكمة في كثير من مراكز القرار في العالم.
- وأخيرا.. التحلي بالواقعية في التخطيط، ومن ثم التخلي عن النظرة الرومانسية الحالمة.
* * *
الحدث الثاني: الفيلم السينيمائي المتميز "الهتك"
محاولة جادة لإنتاج فيلم سينيمائي بمقاييس المحترفين، وبضمير وطني يقظ، وبرؤية شديدة الجرأة في تفاعلها مع أحداث الوطن السياسية والاجتماعية.
قصة الفيلم تتناول مأساة الاعتقال والتعذيب في سجون
الدكتاتورية في مصر، وهو موضوع أجاد السيناريو تصويره دون السقوط في فخ الابتذال والتكرار، ودون الجري خلف الدراما المتكلفة.
النهاية التي اختارها كاتب السيناريو (وهو حصول الظالم على جزائه بقدرة الله) قد تكون غير موفقة، ولكنها مقبولة في إطار الفيلم كعمل أول لغالبية المشاركين.
الصورة بكل تفاصيلها (بدءا من اختيار مواقع التصوير بحيث تظهر كأنها داخل مصر، مرورا بالإضاءة والصوت والديكورات وغيرها) حصلت على علامة مرتفعة في التقييم الفني للعمل (باستثناء إقحام بعض الأغاني داخل سياق الفيلم دون داع).
أبناؤنا المشاركون في هذا العمل يستحقون إشادة كبيرة، ويستحقون دعما من كل الجهات التي تهتم بمقاومة الاستبداد، وبالفن الجاد المحترم.
أبناؤنا المشاركون في العمل "يغزلون برجل حمار" كما يقول المثل المصري، ضعف الإمكانات لم يمنعهم من تحقيق شروط الإبداع، برغم كل الظروف والمعوقات!
لو قدّر لهذا العمل أن يعرض في صالات السينما بمصر فإنني أقول بكل ثقة أنه سيكون من أعلى الأفلام مشاهدة في تاريخ السينما المصرية
والإشادة بالمشاركين في العمل أمام الكاميرا، والعملية الإنتاجية خلف الكاميرا أيضا!
التحية الأولى للمبدع المحترم محمد البحراوي، كاتب ومخرج العمل، الذي تمكن من استخراج طاقات الممثلين الإبداعية بشكل شديد التميز.
الممثلون (بلا استثناء) أبدعوا في تجسيد أدوارهم، وبعضها أدوار مركبة تحتاج إلى خبرة طويلة في التمثيل. والحقيقة أن بعض الممثلين في هذا الفيلم من الممكن أن نراهن على أنهم سيكونون نجوما كبارا، وأن مواهبهم (إذا وضعت في إطارها السليم) من الممكن أن تصبح علامة متميزة في مستقبل السينيما المصرية.
لو قدّر لهذا العمل أن يعرض في صالات
السينما بمصر فإنني أقول بكل ثقة أنه سيكون من أعلى الأفلام مشاهدة في تاريخ السينما المصرية، بسبب فرادة الموضوع، وجرأة الطرح، واستكماله لجميع العناصر الفنية.
لو قدر لهذا الفيلم أيضا أن ينافس في مهرجانات فنية عالمية، فإنني أتوقع أن يحظى باحترام النقاد، ولن أندهش إذا حصل على جائزة.
تحية لكل فريق العمل في فيلم "الهتك"، وأدعو جمهور السينما إلى مشاهدة الفيلم حين يتيسر عرضه، وأتمنى أن يوفق الله فريق العمل والشركة المنتجة لتيسير عرضه لأكبر شريحة من الجمهور المصري خاصة، والعربي عامة، وأتمنى كما أتيحت ترجمة العمل للغة التركية أن تتاح ترجمته للغات آخرى.
* * *
الحدث الثالث: بطولة كأس الأمم الأفريقية
لقد حاول نظام "سيسي" أن يحول البطولة إلى ورقة سياسية دعائية للنظام، وأظن أنه قد فشل في ذلك إلى حد كبير.
دعوات الجماهير قبل بدء البطولة لاستثمار الحراك الرياضي وتحويله إلى حراك سياسي اضطرت النظام إلى طرد جماهير الكرة الحقيقية من "جنة" الملاعب، ونتج عن ذلك امتلاء المدرجات بجمهور لا علاقة له بالكرة أو التشجيع.
هذا الأمر بدوره كان سببا من أسباب هزيمة الفريق المصري، ذلك الفريق الضعيف الذي لا يستحق الفوز بالبطولة أصلا (إذا كنا منصفين).
من المشاهد المذهلة التي حدثت أن الشعب المصري كان في حالة بين الشماتة والسعادة؛ بسبب هزيمة المنتخب الوطني المصري وخروجة من دور الستة عشر على يد منتخب جنوب أفريقيا، وكان من الواضح أن السبب في ذلك هو رفض الشعب المصري للتوظيف السياسي الفج للفريق، ولتدخل العساكر في الرياضة، ولفساد غالبية المسؤولين في اتحاد
كرة القدم.
الشعب المصري كان في حالة بين الشماتة والسعادة؛ بسبب هزيمة المنتخب الوطني المصري وخروجة من دور الستة عشر على يد منتخب جنوب أفريقيا، وكان من الواضح أن السبب في ذلك هو رفض الشعب المصري للتوظيف السياسي
لقد حُرِمَ الدكتاتور من اللقطة التي أرادها في مشهد الافتتاح؛
بسبب خطأ فني ناتج عن سوء الأداء وانهيار الكفاءات في جميع المجالات في مصر.
كما حرم من مشهد تتويج المنتخب المصري بكأس البطولة، وادعاءات أنه
راعي الرياضة والرياضيين (كان ذلك معدا سلفا).
بل حرم من مشهد المباراة النهائية، وذلك بسبب الجمهور الجزائري العظيم، الذي لا يمكن أن يجتمع في مكان واحد مع هذا الدكتاتور دون أن يسمعه ما قالته الجماهير الجزائرية في حراكها في مدن الجزائر: "لا إله إلا الله.. السيسي عدو الله"!
نبارك لمنتخب الجزائر حصوله على كأس البطولة، ونحيي الجمهور الجزائري العظيم الذي حرم الدكتاتور من الفخر في يوم زينته.
موقع الكتروني: www.arahman.net
بريد الكتروني: [email protected]