هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
المشهد بعد وفاة الرئيس مرسي أصبح أكثر تعقيدا والصراع مع النظام سيظل قائما ومفتوحا
نظام السيسي حاليا في وضع قوي ويستند على القمع والدعم الدولي
التحقيق الدولي في وفاة مرسي سيحدث حينما تتخلى القوى الدولية عن السيسي
لا يوجد رئيس في العالم مر بما مر به الرئيس مرسي.. ولديّ شواهد وقرائن كثيرة تؤكد أن قتله كان مُتعمدا
وفاة مرسي وتراكم الكثير من الأمور سيكون لها تداعيات على المدى المتوسط
منظومة المعارضة المصرية بها الكثير من المشاكل.. وسيحدث اصطفاف أكبر في هذه الحالة
التغيير لن يحدث إلا بدعم وإرادة مصرية بحتة وهو ما سيدفع العالم للتخلي عن السيسي
أجرى رئيس المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، ووزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق، عمرو دراج، مقابلة حصرية مع "عربي21"، تحدث فيها عن خفايا ومعلومات يكشف عنها للمرة الأولى، تتعلق بالمعارضة والتنسيق مع قوى أخرى في الداخل المصري، وكذلك صحة أي مبادرة أو مفاوضات مع نظام عبد الفتاح السيسي وقضايا أخرى نعرضها على شكل حلقات.
في بداية المقابلة، أوضح دراج أن "المشهد المصري الآن بعد وفاة الرئيس محمد مرسي أصبح أكثر تعقيدا، وأن الصراع بين النظام والقوى التي تسعى إلى استعادة الحرية والديمقراطية سيظل قائما ومفتوحا".
وأكد أن "التطورات التي تشهدها الدولة المصرية "ستؤدي، إن لم يكن على المدى القريب، إلى أشياء فورية، فعلى المدى المتوسط سيكون هناك تداعيات نتيجة تراكم الكثير من الأمور، وأحد أهم هذه الأمور هو استشهاد الدكتور مرسي".
وأشار دراج، في المقابلة الخاصة إلى أن تراكم الأحداث المختلفة بمصر سيؤدي إلى "إحداث حالة تفوق على حالة قمع النظام الداخلي، وتتجاوز الدعم والتأييد الذي يتلقاه نظام السيسي من الخارج".
وأضاف أن إجراءات التحقيق الدولي في وفاة الرئيس مرسي ستحدث وتؤدي إلى شيء ملموس حينما تقرر القوى الدولية الداعمة للسيسي أن هذا النظام أصبح عبئا عليها، وبالتالي تقرر محاسبته واستهدافه جنائيا وقانونيا.
واستدرك بقوله: "هذا لا يعني أننا نعتمد على تغير المواقف الدولية فقط، ونظل صامتين، ومكتوفي الأيدي، لأننا نؤمن بأن التغيير الذي سيحدث في مصر لن يحدث إلا بدعم وإرادة داخلية محلية بحتة، وهو ما سيدفع العالم إلى بدء التخلي عن نظام السيسي بالتدريج".
وفي ما يأتي نص الحلقة الأولى:
كيف ترى المشهد المصري الآن بعد وفاة الرئيس محمد مرسي؟
استشهاد الرئيس مرسي حدث جلل، لأنه لا يوجد رئيس في العالم مر بما مر به الرئيس مرسي. والنظام لجأ لاغتياله لأنه شعر بالخطورة الحقيقية من استمرار بقاء الرئيس مرسي على قيد الحياة، وكان يخطط بالفعل لذلك منذ فترة، وكان يأمل أن المعاملة السيئة في السجن ستؤدي إلى وفاته بشكل طبيعي.
لكني أعتقد أن القتل كان مُتعمدا في هذا الوقت بالتحديد؛ فهذا يخدم غرضا رئيسيا بالنسبة لنظام السيسي بزعم أن ما جرى لن يجعل هناك تساؤلات كثيرة حول موته. فلو استُشهد الرئيس في زنزانته دون أن يراه أحد فسيتساءل الجميع: كيف تم هذا؟ لكن إذا ما سقط مغشيا عليه في قفص الاتهام بشكل ما فسيقول الناس إنه مات بطريقة طبيعية، إلا أن لديّ شواهد وقرائن كثيرة جدا على أن هذا القتل كان مُتعمدا في هذا الوقت.
وبغض النظر عن طريقة قتل الرئيس مرسي سواء كان ذلك بشكل مباشر أو بالإهمال الطبي المُتعمد خلال الستة أعوام الماضية، إلا أن النتيجة واحدة في نهاية المطاف.
والمشهد المصري الآن أصبح أكثر تعقيدا، ولعل النظام يدرك أنه بالتخلص من الدكتور مرسي تخلص من العقبة الرئيسية التي تؤدي إلى شرعيته، وهذا غير صحيح تماما، فالدكتور مرسي لم يكن هو فقط كل ما يمثل الشرعية، فهذا النظام استولى على السلطة من مؤسسة مُنتخبة ديمقراطيا، وهي مؤسسة الرئاسة (مرسي)، وأوقف العمل بدستور 2012 الذي وافق عليه الشعب، وحل برلمانا مُنتخبا من الشعب.
وليس معنى حديثي عن دستور 2012 وبرلمان 2012، أننا نطالب بعودة هذا الدستور وهذا البرلمان الآن، لكننا نتحدث عن أن النظام القائم غير شرعي وسيظل غير شرعي، لأنه لم يأت للحكم بطريقة شرعية، وبالتالي سيظل هذا النزاع وهذا الصراع قائما ومفتوحا بين النظام والقوى التي تسعى إلى استعادة الحرية والديمقراطية والمسار الشرعي لسير الأمور من الناحية السياسية في مصر.
مضى أكثر من شهر على وفاة الرئيس مرسي التي يعتبرها البعض أكبر حدث جلل منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013.. فلماذا لم تُحدث هذه الوفاة أي تغير في المشهد حتى الآن؟
التغيرات لا تحدث بطريقة فورية، ويجب علينا أن ندرك طبيعة المشهد الآن. ونظام السيسي حاليا في وضع قوي، ويستند على ركيزتين أساسيتين: الأولى حالة غير مسبوقة من القمع، وتقييد الحريات، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتخلص من كل معارضيه سواء داخل النظام أو خارجه..
وكل هذه الممارسات تجعل الوضع مُستتبا لهم، وبات النظام بأكمله مُمثلا ومُختزلا في شخص السيسي والدائرة المُحيطة به، ليصبح في حالة سيطرة كبيرة، ويمنع أي حراك داخلي في المدى القريب.
والركيزة الثانية تتمثل في أن نظام السيسي يستند في نفس الوقت على دعم وتأييد إقليمي ودولي كبيرين، نظرا لما يحققه من خدمات، وما يقوم به من أدوار لهذه القوى.
هذان العاملان يدعمان بعضهما البعض؛ فحالة القمع والسيطرة الأمنية التي يقوم بها السيسي داخل مصر تجعل القوى الدولية والإقليمية تنظر للسيسي باعتباره مُسيطرا على الأوضاع بمصر، وبالتالي تستمر في دعمه وتأييده، وفي نفس الوقت أن الدعم الدولي والإقليمي يجعل السيسي يزيد من ممارسات القمع والقهر دون أن يكون لذلك تبعات.
ونظرا لهذه العوامل المُعقدة والمُتداخلة والمتشابكة جدا فإنه يصبح من الصعب جدا أن تكون هناك آثار فورية لأي حادث يقع، لكن ستؤدي هذه التطورات - إن لم يكن على المدى القريب - إلى أشياء فورية، فعلى المدى المتوسط سيكون هناك تداعيات نتيجة تراكم الكثير من الأمور، وأحد أهم هذه الأمور هو استشهاد الدكتور مرسي.
وهناك عوامل أخرى كثيرة مثل القمع وتقييد الحريات، واستهداف الجميع، والحالة الاقتصادية، والمعاناة الشديدة التي يعاني منها الشعب بسبب الإجراءات والممارسات التي يتبعها النظام ضد الشعب بما يؤثر على قدرته على العيش بشكل لائق وكريم.
كل هذا مع مرور الوقت وبالتراكم سيؤدي إلى إحداث حالة شعبية تفوق حالة قمع النظام الداخلي وتتجاوز الدعم والتأييد الذي يتلقاه نظام السيسي من الخارج.
هل تتوقع نجاح دعوات التحقيق الدولي في وفاة "مرسي" أم لا؟
من خلال متابعاتنا واستقراءاتنا للأحداث العالمية نجد أن إجراءات طلب التحقيق الدولي في وفاة الرئيس مرسي كي تؤدي إلى شيء ملموس فإنها يجب أن تخضع لعوامل سياسية؛ فالنظام الدولي والقوى الداعمة للسيسي دوليا لابد أن تقرر أن هذا النظام أصبح عبئا على المجتمع الدولي، وبالتالي أن تقرر محاسبته واستهدافه جنائيا وقانونيا.
وعندما تقرر ذلك ينبغي أن يكون موجودا لدينا كم كبير جدا من الحيثيات التي تجعل النظام الدولي يستطيع فعلا محاسبة هذا النظام، لكن العملية لا تبدأ إلا إذا كانت هناك إرادة سياسية دولية، والواجب المفروض علينا الآن أن نجمع ونراكم الأدلة القانونية القوية التي تدعم ربط النظام بالجرائم المُرتكبة.
وعندما تسنح الفرصة، وهي بالتأكيد ستسنح يوما ما، لأن هذه هي سمة النُظم الديكتاتورية على مدار التاريخ الذي رأيناه؛ حيث سيستمر الديكتاتور في منصبه ويكون مدعوما من الخارج، إلا أنه في لحظة ما سيقرر المجتمع الدولي والقوى الإقليمية التي تدعمه التخلي عنه أو يرون أنه أصبح عبئا عليهم، فتبدأ عجلة المحاسبة الدولية في الدوران.
وهذا لا يعني أننا نعتمد على تغير المواقف الدولية فقط، ونظل صامتين حتى تتدخل القوى الدولية وتسحب الشرعية من تحت أقدام النظام، لأننا نؤمن بأن التغيير الذي سيحدث في مصر لن يحدث إلا بدعم وإرادة داخلية محلية بحتة، وهو ما سيدفع العالم إلى بدء التخلي عن نظام السيسي بالتدريج.
وفي ذات الوقت هذا لا يعني أننا سنقف مكتوفي الأيدي ولا نساهم ولا نشارك في فضح النظام دوليا، وإن زيادة مساحة الإدانات التي يتعرض لها حتى عندما تأتي اللحظة المناسبة ويبدأ حراك داخلي بأي شكل من الأشكال فإن هذا سيشجع المجتمع الدولي على التخلي عن منظومة الحكم في مصر الآن.
ما هي خيارات المعارضة المصرية الآن؟
بداية، أنا لا أحب مصطلح "المعارضة"، لأن المعارضة تكون جزءا من النظام الشرعي، وأي نظام ديمقراطي يستمد شرعيته من الانتخابات والمعارضة أيضا يكون لها شرعية لمواجهته، إلا أن الوضع القائم في مصر حاليا مختلف تماما، لأن النظام من الأساس غير شرعي، ولم يستمد شرعيته من انتخابات حقيقية، وجزء كبير ممن يواجهونه لا يعترفون بشرعيته من الأساس، وهؤلاء ليسوا معارضة سياسية مُتعارفا عليها.
وإذا ما تجاوزنا إشكالية توصيف "المعارضة"، نجد أن هناك عوامل كثيرة جدا جعلت منظومة المعارضة المصرية فيها الكثير من المشاكل التي تحول دون القيام بالأدوار المنوطة بها، ونظرا لأن الجميع الآن أصبح مستهدفا، وأصبح القمع يطال الجميع، وأصبحت القناعة لدى الكثير من القوى والأطراف أن نظام الحكم الحالي هو أخطر شيء على مستقبل مصر وشعبها، بالتالي فإن هذا يوجب العمل على إنهاء هذا التواجد لهذا النظام.
وعندما يقتنع الجميع سيجد بالموازنة بين الضرر الواقع بسبب وجود هذا النظام والعوامل التي تمنع من تحالف قوى المعارضة واصطفافها سويا لمواجهته أن أضرار النظام أكثر، فبدون شك سيحدث اصطفاف أكبر وأوسع في طريق العمل المشترك الذي ننتظره.
وأما منهجية الانتظار وأننا لا نفعل شيئا وأنه لن يحدث شيء إلا إذا حدث مشهد الاصطفاف، وأن تجلس معا الشخصيات التي نعرفها في العمل الوطني، وتحل خلافاتها، هذا المفهوم من الصعب أن نسير خلفه ونجعله دائما الحاكم لنا، فهذا سيعطلنا عن أعمال كثيرة جدا.
ومجالات العمل التي يُمكن السعي فيها ضد النظام غير محدودة،من العمل على الساحة الدولية والتواصل مع المجتمع الدولي بأشكاله المختلفة، حكومات وبرلمانات و علام ومجتمع مدني، وفضح النظام وتوثيق الانتهاكات الحقوقية، والعمل الداخلي في توعية الشعب، أو الإعلام الموجود، أو محاولة بناء شيء جيد لمصر في المستقبل بداية من مرحلة انتقالية بعد زوال هذا النظام.
بالتالي، فإن الساحة مفتوحة، ويمكن لهيئات ومؤسسات مختلفة أن تقوم بها بشكل منفرد دون أن يكون هناك بالضرورة مشهد الاصطفاف الذي يبحث عنه الكثيرون، وبالطبع فإن هذا مشهد مهم ومطلوب للاتفاق على قيادة تقدم بديلا مناسبا عن النظام، إلا أن العمل لا يجب أن يتوقف، وكل من له القدرة سواء كان فردا أو مؤسسة على القيام بدور من الأدوار التي تقوض هذا النظام وإفشاله وتعمل على إنهاء مصداقيته، أو التفكير و التخطيط للمستقبل، دون أن يعمل شيئا فهو مقصر تقصيرا شديدا.
وعلى سبيل المثال فإن الإعلام المناهض للانقلاب سواء كان قنوات فضائية أو مواقع إلكترونية.. هذه الوسائل تعمل دون انتظار أن تأتي مجموعة وتقول لها إنكم يجب أن تفعلوا هذا أو ذاك، لأننا المُصطفين وقادة المعارضة، لأنها في النهاية تدرك دورها وتعمل في هذا الإطار، و بالتالي فهي تؤثر تأثيرا كبيرا.