هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
سجل الموقف الأمريكي تغيرا واضحا من صفقة "أس 400" التي أبرمتها أنقرة مع موسكو، ودخلت حيز التنفيذ قبل أيام.
فمن التهديد إلى التفهم، تذبذب الموقف الأمريكي حيال هذه الصفقة وصولا إلى تصريح مثير أدلى به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمعة، حين أبدى تفهمه إزاء قيام تركيا بشراء هذه المنظومة الاستراتيجية.
وقال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إنه لا يلوم تركيا على شراء منظومة "إس 400" الدفاعية الروسية، لأنها إحدى المشاكل العديدة التي تركتها إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما.
وامتنع ترامب عن الإجابة عن أسئلة للصحفيين حول فرض واشنطن عقوبات ضد تركيا استناداً إلى قانون احتواء خصوم أمريكا من خلال العقوبات (كاستا).
وحاول الرئيس الأمريكي مرارا ثني تركيا عن شراء المنظومة، بتهديده بإلغاء صفقة طائرات "اف 35"، لكن المنظومة أصبحت أمرا واقعا، وبدأت أجزاؤها تصل إلى أنقرة، منذ 12 تموز/ يوليو الجاري.
وكان لافتا ما أعلنه ترامب الثلاثاء الماضي، حين أبلغ أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ أن إدارته لا ترغب في فرض عقوبات ضد تركيا لشرائها أسلحة روسية، بحسب قناة "سي إن إن". ما يشكل تغيرا واضحا وجليا في الموقف الأمريكي، فما أسباب ذلك؟
المتخصص في الشأن الأمريكي محمد عويس قال، إن الموقف الأمريكي من صفقة "أس 400" التي حصلت عليها تركيا سجل تغيرا واضحا، عقب اللقاء الذي جمع ترامب بالرئيس التركي على هامش قمة العشرين التي عقدت مؤخرا في اليابان.
وأضاف في حديث لـ"عربي21"، أن تركيا تستفيد بشكل جيد من التخبط الحاصل في الادارة الأمريكية الحالية التي يقودها ترامب، وهي تحسن استغلال ذلك جيدا، مشيرا إلى أن تركيا عجلت في استلام تلك المنظومة لأنها تعي أنه لا وجود لاستراتيجية أمريكية واضحة تجاهها، بغض النظر عن التهديد بفرض عقوبات عليها حال إتمامها الصفقة.
اقرأ أيضا: الخارجية الأمريكية: لا جدول زمنيا لعقوبات محتملة على تركيا
وعن إمكانية فرض عقوبات على تركيا قال: "لا يستطيع ترامب الآن تقديم ملف لفرض عقوبات على تركيا، لأنه برر مؤخرا حصولها على المنظومة الدفاعية الروسية، وهو بذلك يعطي أسباب مقنعة لحصول أنقرة على تلك المنظومة داخل أمريكا".
وتابع: "سيكون من الصعب على ترامب التقدم بطلب لعقوبات دون وجود أسس يرتكز عليها، خاصة وأن تركيا بحاجة لهذه المنظومة، ولديها أسباب مقنعة، مع وجود خطر حقيقي عليها بعد أزمة غاز المتوسط، والمناورات الحربية التي تجريها دول الجوار قرب مياهها".
ورأى عويس أيضا أن موقع تركيا وتصنيف جيشها كثاني قوة في حلف الناتو يجعلها تفعل ما تريد دون أن تلتفت إلى المخاوف من فرض عقوبات، فهي تقدم أمن حدودها على كل الاعتبارات الأخرى.
لكن عويس حذر من تخبط ترامب قائلا، :"لا يستطيع أحد أن يعول على ما يقوله أو ما يفعله ترامب، ولا أحد يعرف ما الذي يدور في عقله، فهو يتصرف كرئيس عصابة، وما يقوله دائما هو للاستهلاك المحلي وليس الخارجي، وأمريكا في عهده فقدت مصداقيتها بسبب تصرفاته وسلوكه، ولذلك قد يغير موقفه في أي لحظة".
المحلل السياسي محمد الفاتح قال، إن كثيرون راهنوا على تغير الموقف التركي من شراء المنظومة في لحظة ما، وعلى أن أنقرة لا يمكن أن تمضي في هذه الصفقة، التي قد تعني التضحية بالحلفاء الأطلسيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
وأضاف في مقال نشرته صحيفة القدس العربي، واطلعت عليه "عربي21": "أن وزارة الدفاع الأمريكية لم تتوقف عن إرسال التحذيرات والتهديدات حتى قبيل أيام من بدء عملية التسليم، في حين بدا الجانب التركي وكأنه قد حسم أمره بشكل نهائي".
اقرأ أيضا: تركيا تعلن اكتمال وصول الدفعة الأولى من "أس400"
ورأى أن محاولة تخمين ما سوف يستقر عليه القرار الأمريكي أمر شديد الصعوبة، فمن ناحية لا تود الولايات المتحدة التضحية بشريك مهم يملك ثاني أكبر جيش في الحلف، ولا تريد أن تجعل دولة في مكانة تركيا الجغرافية وقوتها البشرية تنضم إلى قائمة الأعداء.
لكن من ناحية أخرى، قال: " لا يمكن التقليل من حجم الأصوات المتشددة داخل الإدارة الأمريكية، التي ظلت تدعو بشدة للرد على تركيا ومعاقبتها، لتجرؤها على نقل علاقتها مع روسيا من مجرد صلة تجارية واقتصادية مقبولة على مضض إلى مرحلة العلاقة العسكرية والأمنية.
وتابع: "فكرة العقوبات التي يلوّح بها الأمريكيون نفسها ليست واضحة، فهل المطلوب عقوبات اقتصادية أو عقوبات تتمثل في تقليل التعاون الدفاعي والتنسيق الأمني؟". وبين أن "هذا السؤال ليس سهلا لأن الولايات المتحدة لا تريد، التضحية بحليف أساسي داخل معسكرها، ولكن أيضا لأنها لا تريد أن تمارس عقوبات تدميرية غبية يمتد أثرها إليها هي أيضا في نهاية المطاف".