هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: مذكرات صحفي استقصائي
الكاتب: سيمور م .هيرش، ترجمة وتقديم: د.محمدجياد الأزرقي
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت
الطبعة الأولى ،آيار/مايو2019
(478 صفحة من القطع الكبير)
في الجزء الثالث من قراءة الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني لكتاب الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمور هيرش، يسلط الضوء على الجرائم التي ارتكبتها أجهزة المخابرات الأمريكية "السي إيه إي"، في العديد من مناطق العالم، وبالتحديد في دول أمريكا اللاتينية وعدد من الدول الأفريقية.
بعد كشف مجزرة ماي لاي وفضح التستر عليها وعلى التحقيقات العسكرية بشأنها، تحدث الكاتب في الفصل الثاني عشر عن تكوين الغيوم برش المواد الكيمياوية في الجو لإحداث العواصف لعرقلة تحركات الثوار الفيتناميين، وعدم كشف الطائرات الأمريكية المغيرة حتى لا تراها بطاريات المدفعية وتستهدفها بصواريخ أرض جو. كما بدأ يتابع التقارير عن قيام وكالة المخابرات المركزية بتأسيس شبكات لتهريب المخدرات في جنوب شرق آسيا. وتابع أيضاً الغارات الجوية لتدمير السدود في فيتنام الشمالية وانطلاق تلك الغارات من مطارات سرية في لاوس. واستطاع إجراء مقابلة مع ثلاثة أسرى ممن أفرجت عنهم هانوي لدواع سياسية محض.
خلافات داخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية
أضف إلى ذلك أنه تبين له وجود ثلاث قضايا خلقت خلافات داخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، التي كان على رأسها رجرد هلمز، الذكي المعروف الذي دخل شبكة المؤسسة الحكومية في واشنطن. القضية الأولى هي معرفة هيرش بموضوع رفع الغواصة السوفييتية الغارقة وهي تحمل ثلاثة رؤوس نووية المستقرة في قاع المحيط الهادئ، في عملية خُصص لها مبلغ 750 مليون دولار، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تستقطع من ميزانيتها المبالغ المخصصة لتوفير الحليب لطلبة المدارس العامة. والمسألة الثانية كانت عن وجود عملية أسمها عملية الفوضى، وهي مشروع سري وافقت على تنفيذه الحكومة الأمريكية عام 1967 لجمع المعلومات الشخصية عن المتظاهرين المناهضين لحرب فيتنام، وغيرهم من المنشقين.
مثل هذا النشاط يتعارض مباشرة مع مهمة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "السي.أي.إيه:CIA وميثاقها، الذي يمنع بشكل واضح تدخلها في الشؤون الداخلية أو ممارسة أي نشاط لها داخل الولايات المتحدة. المسألة الثالثة هي جهود وكالة المخابرات المركزية الحثيثة لتقويض حكومة سلفادور ألندي في شيلي ، وهو اشتراكي لم يخف أو يخفف من نقد سياسات واشنطن الخارجية.
المخابرات الأمريكية في تشيلي
وعن الموضوع الثالث ضمن اهتمامات هيرش المشار لها أعلاه، علقت احدى المجلات العربية بالقول إن سلفادور ألندي المرشح الرئاسي عن الحزب الاشتراكي في تشيلي، انتخب بالأغلبية عام 1970، مما تسبب في قلق بالغ في واشنطن بسبب سياساته الاشتراكية العلنية والموالية لكوبا. فوضت إدارة نيكسُن، بإيعاز من الرئيس نفسه، المخابرات المركزية بأن تشجع قيام انقلاب عسكري، ليحول دون تنصيب ألندي، لكن الخطة لم تنجح.
ظلت العلاقات الأمريكية ـ التشيلية شبه متجمدة أثناء حكم ألندي، بعد التأميم الكامل لكل مناجم النحاس المملوكة جزئياً للولايات المتحدة وللفرع الشيلي لشركة ITT الأمريكية، وعدد من المصالح الأمريكية الأخرى. زعمت الولايات المتحدة أن الحكومة الشيلية بخست قيمة تلك المصالح حين قيمتها للتعويض عن التأميم بخصم ما رأته تلك الحكومة "أرباحا زائدة عن الحد" ولذلك، طبقت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية ضد تشيلي. وقامت وكالة المخابرات المركزية بتمويل إضرابات مناهضة للحكومة التشيلية خلال عامي 1972 و 1973، وحملة دعاية مضادة سوداء في صحيفة "إل مركيوريو".
وفي 11 أيلول (سبتمبر) 1973، لقي ألندي مصرعه أثناء انقلاب عسكري دموي قام به القائد الأعلى للجيش أوغوستو بينوشيه، الذي أصبح رئيساً للبلد. وثمة وثيقة كشفت عنها المخابرات المركزية الأمريكية في عام 2000 بعنوان "أنشطة الـ CIT في تشيلي" أوضحت أن الولايات المتحدة عملت، من خلال وكالة المخابرات، على الدعم النشط لطغمة عسكرية بعد الإطاحة بالرئيس الشرعي وأنها جعلت من العديد من ضباط بينوشيه عملاء بمرتبات لدى المخابرات أو القوات المسلحة.
فضيحة ووترغيت
سجلت "واشنطن بوست" ورئيسها بن برادلي سبقا صحفياً حين قام مراسلاها الشابان بوب وودورد وكارل برنستين بالكشف عن فضيحة ووترغيت وبالتالي إسقاط الرئيس رتشارد نيكسُن. شعرت "نيويورك تايمز"، التي تعد نفسها الصحيفة الأولى في البلاد، بالإحراج، وطلب رئيسها أيب روزنثال من مراسله في مكتب واشنطن، سيمور هيرش، أن يضع حرب فيتنام وهوسه بها جانباً وينصرف لمتابعة موضوع الفضيحة. قبل الأخير المهمة صاغراً وبدأ بحثه الاستقصائي وكتب العديد من المقالات، التي نشرت التايمز 40 منها. ادعى هيرش، "أن تلك المقالات قربت مؤشر الاتهامات نحو نيكسُن"، لكنه عرف جيداً أن مفاتيح الفضيحة كانت حقاً في أيدي وودورد وبرنستين.
بدأت فضيحة ووترغيت بعد إعادة انتخاب المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسُن رئيساً للولايات المتحدة لولاية ثانية في عام 1972، وفوزه على منافسه الديمقراطي هيوبرت همفري. بتاريخ 17 حزيران (يونيو) 1972 تم اعتقال أشخاص اتهموا بالسطو ووضع أجهزة تنصت سرية في مكاتب الحزب الديمقراطي داخل مبنى ووترغيت بواشنطن، وتسجيل 65 مكالمة لأعضاء الحزب.
بدأت فضيحة ووترغيت بعد إعادة انتخاب المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسُن رئيساً للولايات المتحدة لولاية ثانية في عام 1972،
الأمريكيون انتصروا على النازيين بدعم من السوفييت، ويمكن لهم الآن هزيمة السوفييت بمساعدة من قبل قدامى النازيين
يرى المؤلف أن ملف باتريس لومومبا كان قد حُسِم أمريكيّا، إذْ إنّ "ألين دالاس، رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية كان يرى أن باتريس لومومبا "اشتراه الشيوعيون"، في حين طالب الرئيس ايزنهاور بـ "عمل صارم" ضده.
موبوتو وقصة إعدام لومومبا
موبوتو كان صحافيا سابقا يتحدث اللغة الفرنسية جيدا (وهو تفصيل مهم بالنسبة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، إذ لم يكن يوجد من أعضائها من يتحدث اللغة المحلية)، وأصبح مع حكم لومومبا كولونيلا. ومن بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر) بدأت الاستخبارات الأمريكية تحول له الأموال: 250000 دولار وأسلحة. وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) خسر لومومبا السلطة بعد صراع سياسي مع الرئيس الكونغولي كازافابو وموبوتو. فالتجأ إلى حماية القوات الدولية ثم اعتقلته قوات موبوتو في الثاني من كانون أول (ديسمبر)، وفي 17 كانون ثاني (يناير) تم إعدامه. وجرى تذويب جثمانه بالحامض.
يقول الكاتب: إنه "من الناحية التقنية لا دخل لوكالة المخابرات الأمريكية في اغتياله، ولكنها هي التي سلمت موبوتو المعلومات التي أتاحت له اعتقاله. بعد يوم فقط من هذه المؤامرة أصبح جون فيتزجيرالد كينيدي الرئيس 53 للولايات المتحدة الأمريكية. وقام موبوتو بتغيير اسم الكونغو إلى الزائير سنة 1971، حيث أصبح البلد قاعدة مهمة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، في حين تميّز موبوتو عن غيره من القادة باعتباره من أكثر الديكتاتوريين فسادا وأكثرهم دموية في القارة الإفريقية، إذْ إنه اختلس عدة مليارات من عائدات المناجم، كما قام بتصفية العديد من المعارضين. وكأن الأمريكيون عبروا عن بعض الندم من تعاملهم مع الرجل، إذ ها هو ألان دالاس يقول في حوار تلفزيوني: "إن الأمريكيين بَالَغُوا في تقدير تورّط الروس في الكونغو".
الحقيقة هي أن سجل العمليات السرية القذرة للوكالة المذكورة في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي لم يكن يدعو إلى الفخر. لقد دبرت وكالة المخابرات المركزية انقلابات واغتيالات في أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. لكن ضمير الكونغرس لم يستيقظ إلا بعد أن طالت العمليات القذرة نابا منه في فضيحة ووتركيت، التي أطاحت بالرئيس الأمريكي رجردنكسُن في عام 1974.
سجل العمليات السرية القذرة للوكالة المذكورة في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي لم يكن يدعو إلى الفخر