تتصاعد دعوات لعلماء الحديث النبوي بين الفينة
والأخرى، تُلحّ على ضرورة قيامهم بمراجعة
أحاديث نبوية يدور حولها جدل كبير،
ويتخذها كثير من المشككين في
السنة النبوية مدخلا واسعا للطعن فيها.
ووفقا للكاتب ياسر الزعاترة، فإن "من يتابع
المواقع التي تستهدف الإسلام فسيرى كيف تستخدم بمختلف أشكالها بعض الأحاديث،
والتراث الفقهي والتفسيري، في استهداف الإسلام دينا، أكان من أجل تشكيك أتباعه، أم
من أجل تسخفيه في عيون الآخرين".
ولفت الزعاترة في كتابه الصادر حديثا، المعنون
بـ"لماذا يفشل الإسلاميون سياسيا"، إلى أهمية "التفريق بين من يريد
شطب السنة النبوية والسيرة من المعادلة، وقد يصل لاحقا إلى
القرآن الكريم، وبين من
يريد تنقيتها وفق أصول علمية؛ كي تكون أكثر انسجاما مع القرآن وروح الدين.. حتى لا
تُستخدم في سياق التشكيك في أصل الدين".
من جهته، ذكر الأستاذ المشارك في الحديث النبوي،
عضو رابطة علماء الأردن، الدكتور ثامر حتاملة، أنه "لا بدّ من معرفة من هم
المطالبون بذلك، وما هي منطلقاتهم، فبعضهم من المتخصصين في الحديث النبوي أو العلم
الشرعي، ولهم وجهة نظر، وبعض هؤلاء يدعي الغيرة، لكنه يريد تعطيل السنة النبوية،
ونفي حجيتها، متسترا بهذه المطالبات".
وأضاف: "أدعو هؤلاء المطالبين الغيورين إلى
الرجوع لأهل العلم والحديث النبوي، وسؤالهم قبل هذه المطالبات، فربما يزول إشكال
الفهم لديهم عند السؤال، ومعرفة أقوال العلماء في الأحاديث موضع البحث كما قال
تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
وشدد في حديثه لـ"عربي21" على أن
"المطالبة بهذه المراجعات لا بدّ أن تنضبط بضوابط، ويُرجع فيها إلى أهل
التخصص، فكما أننا نحترم التخصصات الأخرى، فلا بدّ من احترام اختصاص الحديث
النبوي"، متسائلا: "ثم هل هذه المراجعات التي يريدها المطالبون: هي
مراجعة فهم الأحاديث أم مراجعة ثبوتها وحجيتها؟".
وردا على سؤال: كيف يمكن لعلماء الحديث ودارسيه
سد الطريق على المشككين في الأحاديث النبوية، بيَّن الحتاملة أن الأمر "يتطلب
جهدا منظما ومتخصصا لسد هذه الثغرة، كما يجب توحيد الجهود، وتبني المؤسسات
والمراكز الرسمية والأهلية جهود الدفاع، وتقريب السنة للناس جميعا".
وأردف "كما يجب على علماء الحديث أخذ زمام
المبادرة والوصول إلى الناس في نواديهم ومنتدياتهم، كل حسب طاقته وقدرته، فينبغي عدم التقوقع في المجالس الخاصة، وقاعات الدراسة، مع أهمية استخدام التقنيات الحديثة،
والاستعانة بوسائل التواصل التي سهلت الوصول إلى أكبر عدد يمكن استهدافه".
بدوره، رأى الأكاديمي السوري، المتخصص في الحديث
النبوي وعلومه، الدكتور عداب الحمش، أن "علماء الحديث المعاصرين ينسحب عليهم
ما ينسحب على جميع الأمة من الطائفية والمذهبية"، مشيرا إلى أن "غيرة
الأمة على مذاهبها أكبر بكثير من غيرتها على الأحاديث النبوية".
وأرجع ذلك إلى كون "الأمة، سنة وشيعة
وإباضية، جاهلة جهلا شبه مطبق بمناهج المحدثين في تقويم الحديث ونقده، والعالمون
منهم بذلك أفراد، لا يبلغون عنده أكثر من عشرة، ومهما بالغ غيره في تضخيم أعدادهم،
فلن يصلوا إلى مئة عالم، منثورين بين مليار وستة مئة مليون مسلم، وحتى هؤلاء
العشرة، أو حتى المئة من نقاد الحديث، ليسوا أقل اختلافا في منهج نقد الحديث عن
المتفقهين في الفقه المذهبي"، وفق وصفه.
وواصل شرح فكرته لـ"عربي21" مشيرا
إلى أن عامة أهل السنة، بمن فيهم هؤلاء العشرة، يقولون لك: جميع ما في البخاري
صحيح، فبقولهم هذا أغلقوا الباب في وجه أي دراسة نقدية لبعض أحاديث البخاري، وخذ
مثالا أبعد عن حساسية أهل السنة، فالمسند الجامع المنسوب إلى الربيع بن حبيب
الأسدي الإباضي كتاب هزيل، أسانيده مختلقة موضوعة، وفيه روايات مصنوعة ظاهرة
البطلان، إلا أن جماهير الإباضية يعتقدون أنه أصح من صحيح البخاري".
أما بخصوص مبادرة علماء الحديث إلى سد الطريق
على المشككين في الأحاديث النبوية، والطعن في السنة بعمومها، فاستبعد الحمش
"وجود طريقة شاملة يمكن من خلالها سد الطريق على المشككين في السنة النبوية
والحديث".
ودعا
إلى ضرورة التمييز بين السنة النبوية التي هي منهج الرسول عليه الصلاة والسلام
(وهي السنة التطبيقية العملية المتفق عليها بين الأمة، وبين الروايات الأحادية
التي لم يحصل إجماع عام على مضامينها، فتبقى روايات يستأنس بالصحيح منها
استئناسا".
من جانبه، قال الباحث الشرعي المصري، محمد
الصياد: "لهذه القضية مستويان: أولهما يتمثل بالقراءة النقدية الداخلية للحديث
النبوي، وهي موجودة بكثرة عند علماء الأمة باختلاف مشاربهم وفنونهم، كما فعل ابن
القيم في كتابه (المنار المنيف)".
وبيَّن الصياد لـ"عربي21" أن العلماء
"وضعوا قواعد معروفة للتعامل مع متون الروايات، كرد الروايات المخالفة
للقرآن، أو السنة المشهورة، أو العقل الصحيح، أو التاريخ القطعي، أو قواعد الشريعة والإجماع".
وأوضح الصياد "أننا نجد في هذا المستوى أن العلماء تعاملوا مع الروايات الحديثية المُشكلة بطريقين: الأول: تأويلها بما
يتناسب مع مقام السياق، شريطة أن يكون التأويل غير متعسف، ومقبول عند العقلاء،
والثاني: ردُّ الرواية إن لم تقبل التأويل العلمي غير المتعسف، وهذا محل اتفاق
عندهم من حيث القاعدة، وإن وقع الاختلاف فيه على المثال".
أما المستوى الثاني، فيتمثل طبقا للصياد
"في الإصلاح من الخارج، أي من خارج المدرسة العلمية والتراثية بشقيها
التقليدي والإصلاحي، ويمثله بعض الكتاب من غلاة العلمانيين، أو من يُسمون
بـ"التنويريين"، ممن ينقلبون على قواعد الفنّ، وعلم مصطلح الحديث
بأكمله، وهؤلاء لا يمكن التحاور معهم؛ لأن مشروعهم هدم وتشكيك وتشويه ممنهج".
وختم حديثه بالتنبيه على "أننا نحتاج إلى
مزيد من النقد والتفكيك، لكن من أهل الفن والاختصاص، ومن الإصلاحيين، من الذين
يحترمون تراث الأمة ومناهجها"، محذرا من مشاريع "الهدم والتشكيك، التي
تريد هدم جهود الأمة على مدار أربعة عشر قرنا".