قضايا وآراء

مسجد داود باشا.. والوالي الذي رفضه الأزهر!

حسين دقيل
1300x600
1300x600
يقع مسجد داوود باشا في شارع سويقة اللالا المتفرع من حارة عمر شاه بالسيدة زينب بالقاهرة، وهو مسجل بوزارة الآثار برقم 472. وقد تم إنشاؤه على يد "داود باشا"، الوالي العثماني على مصر، عام 955هـ/ 1584م، لكنه لم يكتمل في عهده، بل أكمله أحمد بك بن عبد الله عام 961هـ/ 1554م.

وداود باشا؛ هو الأمير داود باشا ابن عبد الرحمن اكتمال، عُين واليا على مصر، من قبل السلطان العثماني سليمان القانوني، سنة 945هـ/ 1538م؛ وظل حاكما لأكثر من 11 عاما. وهو أحد أعظم ولاة مصر العثمانيين، فقد تميز بثقافته الواسعة، وعلمه الغزير، وعرف عنه اقتناؤه للكتب العربية، وكان يحترم العلماء ويُنزلهم منازلهم، هذا فضلا عن اتصافه بالحلم وكرم الأخلاق.

اشتُهر داوود باشا بـ "الخصي"؛ فقد كان أحد عبيد السلطان سليمان القانوني الذين تم إخصاؤهم. وقد رفض الأزهر الشريف ولايته لهذا السبب؛ حتى أن الشيخ أحمد بن عبد الحق شيخ الأزهر تصدى له مرة وقال له: أنت لا تصلح للحكم وأنت تحت الرق، وما دمت غير معتوق فالأحكام باطلة. فهمّ الوالي بإعدام الشيخ؛ ولكن منعه الجند الذين تعصبوا للشيخ، ولما وصل الأمر لمقر الخلافة، قام السلطان العثماني بإرسال شكر لشيخ الأزهر مع ورقة تفيد بأنه قد أعتق داود باشا!!

أقام داود باشا العديد من المنشآت المعمارية بمصر والحجاز والشام. وتوفي سنة 956هـ، ودفن بجوار قبر الإمام الليث بن سعد في القاهرة، بناء على وصيته، ويعتبر الوالي العثماني الوحيد الذي دفن في مصر.

أما مسجده العتيق؛ فإنك بمجرد رؤيته تنجذب نحوه، فتشم بين جنباته عبق الزمن الراقي الذي يحمل أصالة الماضي وروحانية تكاد تكون مفقودة في غيره من الأماكن المقدسة. يقول عنه علي مبارك في خططه: "إن الجامع كان في أول أمره مدرسة أنشأها المتولي على مصر داود باشا، وأنشأ سبيلا كساه بالرخام... والمحراب مجوف، كسي تجويفه وخواصره وجوانبه بالرخام الملون، ويعلو حائط القبلة أربع نوافذ مربعة صغيره، وتقع فوق المحراب مباشره نافذة مستديرة. وتوجد في الضلع الشمالي من الصحن دكة تقوم على كوابيل حجريه ولها طرقة تتصل بسلم المدخل الثانوي".

تم تخطيط المسجد حسب الطراز العثماني والمملوكي. تقع الواجهة الرئيسية منه في الجدار الشمالي الغربي منه، وهي تحتوى على ثلاث كتل بنائية؛ الكتلة الأولى والتي تقع في الركن الجنوبي الغربي، حيث يوجد المدخل الرئيسي الذي يؤدى إلى قبلة من خمس درجات يصعد منها إلى ردهة تتقدم باب المسجد، كما تعلو الفتحة الخارجية إلى ما يقرب نهاية المسجد. وتحت الشرفات كرديان ممتدان من الحجر نقشت في خواصرهما زخارف نباتية محورة وتنتهى بأربعة صفوف من الدلايات. ويعلو باب المسجد عتب من الرخام الأسود، يعلوه لوح من الرخام نقش عليه بيتان من الشعر سجلت اسم المنشئ وتاريخ الإنشاء السابق، هما:

أتم بناه داود صديق    وفي سبيل الهدى قد جد سيرا
حمدناه فأرخنا بناه     "حوى حمدا جزاه الله خيرا"

وتعلو اللوحة نافذة صغيرة مربعة ملئت بخشب الخرط. ويحتوي المسجد على صفين من النوافذ، يعلوهما عتب وعقد عاتق ثم شريط طويل من الكتابة. وقد ملئت تلك النوافذ من الخارج بمصبعات حديدية، ومن الداخل بضلف من الخشب المطعم بالعاج والصدف والأبنوس. وقد تعرض المسجد للعديد من السرقات، وكان آخرها سرقة بعض حشوات تلك المنافذ.
التعليقات (1)
واحد من الناس
الخميس، 29-08-2019 08:34 ص
عام 955هـ/ 1584م، الصواب: 1548م