هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعيش الجزائر استقطابا
حادّا بين الداعين للانتخابات الرئاسية وبين الرافضين لها في الظروف الحالية، وهو
ما أزال مؤقتا الفوارق السياسية بين مختلف الأحزاب الفاعلة في البلاد.
ويحاول كل طرف إظهار
الأدلة والبراهين التي تدعم موقفه أحيانا بطريقة حادّة تصل حتى لاستعمال لغة
الاتهام والتخوين، بعد أن تأكد رسميا أن السلطة ماضية في تنظيم الانتخابات
الرئاسية.
وعلى يمين المشهد،
يصطف الداعون للرئاسيات، وهم في معظمهم ينتمون للتيار الوطني والإسلامي، إذ يرون
ضرورة المرور فورا إلى الانتخابات كونها الآلية الوحيدة الممكنة حسبهم للخروج من
الأزمة الحالية.
وبدأ من الآن التحضير
داخل هذا المعسكر للانتخابات، عبر إعلان شخصيات فاعلة سحب أوراق الترشح، على غرار
علي بن فليس رئيس الحكومة سابقا ورئيس حزب طلائع الحريات الذي يعتبر من أبرز
المنافسين.
اقرأ أيضا: الجزائريون يتحدون قرارات قائد الجيش ويواصلون احتجاجاتهم (شاهد)
وتبع علي بن فليس في
قراره، شخصيات أخرى أقل وزنا لكنها مُتعودة على تأثيث المشهد الانتخابي، مثل عبد
العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل وعبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء
الوطني المنتمية إلى التيار الإسلامي.
ويوجد في قائمة
الانتظار للمرشحين المحتملين، عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر
الأحزاب الإسلامية التي لم تعلن موقفها بعد، لكنها أكدت أن الانتخابات الرئاسية هي
الممّر الوحيد الآمن للعبور من الأزمة.
ويبرّر الداعون
للانتخابات موقفهم، بطول الأزمة السياسية التي استغرقت لحدّ الآن 7 أشهر دون أن
تعرف طريقها للحلّ، وما صاحب ذلك من تأثير على عمل الدولة وهو ما يوجب وضع حدّ
لذلك عبر ترك الجزائريين يختارون رئيسهم.
كما يطرح أصحاب خيار
الانتخابات، إشكالية الوضع الاقتصادي الذي يسير من سيّء لأسوأ حسب قراءتهم، وهذا
ما يتطلب إجراء الانتخابات حتى يتمتع الرئيس المقبل بالشرعية التي تؤهله لاتخاذ
قرارات قوية في هذا الجانب.
ويحتج المنخرطون في
الانتخابات المقبلة، بتحسّن ظروف المنافسة، بعد تنصيب سلطة مستقلة لتنظيم
الانتخابات ستشرف على العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، ما يقلّل حسبهم
من احتمالية التزوير.
ويعتقد أنصار هذا
المعسكر، باختلاف الظروف عما كانت عليه في انتخابات 4 تموز/ يوليو الملغاة،
فالجزائريون اليوم ليسوا متوحدين على رفض الانتخابات الرئاسية كما كانوا في السابق
ما اضطر السلطة لعدم إجراء الانتخابات.
نوعان من الرفض
أما على اليسار، فيقف
الرافضون لتنظيم الانتخابات، وهم ينقسمون بدورهم إلى نوعين، المطالبون بضمانات حقيقية من أجل الانخراط في المسار
الانتخابي والداعون إلى مسار تأسيسي قبل أي حديث عن الانتخابات.
ويتمسك الفريق الأول
ضمن هذا المعسكر، بضرورة رحيل الأول نور الدين بدوي وكل طاقمه الحكومي وإشاعة
إجراءات التهدئة من قبيل إطلاق سراح المسجونين وتحرير الإعلام من قبضة السلطة.
ويقول عبد العزيز
رحابي السياسي والدبلوماسي المعارض، في منشور له على فيسبوك، إن المتوقع كان أن
أصحاب القرار في الجزائر سيفتحون باب المجال الإعلامي والسياسي على مصراعيه،
لاعتبارات متعددة، أهمها أن العمل السياسي يحث الجزائريين للمشاركة في الاستحقاق
الرئاسي.
اقرأ أيضا: الجزائر.. اتهامات لقائد الجيش بجر البلاد إلى العنف
ثم يستطرد قائلا:
"لكن وللأسف، المناخ السياسي الحالي والمتميز باعتقال نشطاء سياسيين من دون
أن تذكر العدالة سبب ذلك في ظروف غير مقبولة، يجعلنا نشعر بأننا في حالة طوارئ،
وهي ممارسات لا تبشّر بأي مشروع ديمقراطي جاد يقوم على الحريات والعدالة التي خرج
من أجلها الملايين من الجزائريين في حراك غير مسبوق في العالم".
وفيما يخص الفريق
الثاني، فهو يتشكل من أحزاب التيار الديمقراطي واليساري وينشط في تكتل "قوى
البديل الديمقراطي" الذي يرى ضرورة الذهاب إلى مسار تأسيسي قبل الانتخابات.
وينطلق هذا التيار في
تبرير فكرته من أن الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية قبل تعديل الدستور الحالي،
يُهدد بجعل الجزائر تحت حكم ديكتاتور جديد، بحكم الصلاحيات المطلقة التي يحوزها في
الدستور الحالي دون أي ضامن بأنه سيقوم بتعديله بعد الرئاسيات.
ويبدو الحراك الشعبي،
مؤيدا للمشروع الرافض لتنظيم الانتخابات في الظروف الحالية دون أن يعني ذلك
بالضرورة تبنيه لأفكار أي طرف سياسي، إذ لا تزال تصر الشعارات على رحيل رئيس
الدولة والوزير الأول باعتبارهما رمزان لنظام بوتفليقة قبل الحديث عن أي انتخابات.
خارطة جديدة؟
واللافت أن معظم
الأحزاب المختلفة اليوم، كانت قد توحدت قبل سنوات على مشروع سياسي واحد، ضمن ما
عرف سنة 2014 بـ"أرضية مازافران" التي كانت تدعو لمفاوضة السلطة على
الانتقال الديمقراطي.
ويقول عمر خبابة أحد
الفاعلين في ندوة مازافران التي جاءت كرد فعل على انتخاب الرئيس السابق عبد العزيز
بوتفليقة لولاية رابعة، إنه من السابق لأوانه اليوم الحديث عن خارطة سياسية جديدة
في ظل الاستقطاب الحاد بين الداعين للرئاسيات والرافضين لها.
ويوضح خبابة في حديثه
مع "عربي21"، إن الأقرب إلى أرضية مازافران، هي ما طرحته ندوة عين
البنيان قبل أشهر قليلة والتي كانت تدعو للانتخابات الرئاسية في ظل شروط معينة.
ويضيف خبابة:
"نجد اليوم أن الأوفياء لأرضية مازافران، يطالبون باستقالة حكومة بدوي والذهاب إلى حكومة كفاءات أو حكومة توافق
وهيئة مستقلة للانتخابات، ونظرا لغياب رئيس منتخب عادت الأولوية لانتخاب الرئيس
وتأجيل تعديل الدستور إلى وقت لاحق بعد انتخاب رئيس".
خلاف جوهري
ومن زاوية أكاديمية،
يرى البروفيسور رابح لونيسي، أن الخلاف اليوم هو بين من يريد تغيير جذري للنظام
سواء عبر مسار تأسيسي أو بانتخاب رئيس شرعي يحوز فعلا ثقة الشعب ويقوم بعملية
التغيير وعدم تضييع أهداف الحراك الشعبي، وطرف آخر يريد الإبقاء على نفس النظام
السائد بنفس طريقة الانتخابات السابقة".
ويضيف لونيسي في حديثه
مع "عربي21"، أن بعض السياسيين خلافهم الوحيد كان مع الرئيس السابق عبد
العزيز بوتفليقة، وليس مع النظام كله الذي تشكل في 1962، متناسين أن نظام
بوتفليقة هو نتاج آليات نظام تشكلت غداة استقلال الجزائر سنة 1962 واستمرار هذه
الآليات ستنتج لنا بوتفليقة آخر بصورة أخرى فقط".
أما بشأن مستقبل
الخريطة السياسية، فهي مرتبطة حسب لونيسي بالحراك الشعبي، حيث يقول: "إذ فشل
الحراك سنبقى ندور تقريبا في نفس الخريطة السابقة بأحزاب موالية ومعارضة شكليا،
لكن لا تأثير لها في الساحة، لكن في حالة نجاحه، ستكون هناك قطيعة تامة مع أغلب
الطبقة السياسية والأحزاب القديمة، إن لم أقل جلها لأن الشعب يراها مسؤولة سواء
كانت في الموالاة أو المعارضة عما وصلت إليه الجزائر اليوم".