سياسة عربية

هكذا يعيق السيسي "انتفاضة سبتمبر".. ما مستقبلها؟

مراقبون أكدوا أن الحراك الحالي أشبه بحرب استنزاف بين الطبقات الشعبية المُحتجة وبين النظام ولن تنتهي- جيتي
مراقبون أكدوا أن الحراك الحالي أشبه بحرب استنزاف بين الطبقات الشعبية المُحتجة وبين النظام ولن تنتهي- جيتي

انتهت تظاهرات "جمعة الخلاص" التي دعا لها الفنان والمقاول المصري محمد علي دون حدوث أي تغيرات ملموسة في المشهد السياسي.

وبمشاركة محدودة، خرجت المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية في محافظات قنا، والأقصر، والجيزة، والقاهرة، للمطالبة برحيل رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي.

إلا أن وزارة الداخلية أحكمت تماما قبضتها الأمنية في مختلف المحافظات المصرية، حيث فرضت حالة واسعة من الإجراءات الاستثنائية أبرزها التطويق الأمني لأماكن التظاهرات والتجمعات، والانتشار الأمني المكثف بشكل غير مسبوق في هذه المناطق، ما أدى لحصار كل الميادين والشوارع الرئيسية التي كان يمكن أن تشهد احتجاجات.

"ضربات أمنية شرسة"

وقامت قوات الأمن بتفريق بعض المسيرات الاحتجاجية عبر استخدامها قنابل الغاز والخرطوش، وذلك في حي الشوبك الشرقي بمدينة الصف في الجيزة، وفي جزيرة الوراق بالجيزة، ما أدى لإنهاء تلك التظاهرات.

ويوم الجمعة الماضي، قامت أيضا قوات الأمن بإيقاف واستجواب العديد من المواطنين الذين تواجدوا بالقرب من الميادين الرئيسية في القاهرة والجيزة، وتم إغلاق الشوارع الرئيسية المؤدية إلى ميدان التحرير -أكبر ميادين الاحتجاج بمصر- ووسط القاهرة.

وكذلك، تم إغلاق محطات المترو في نطاق وسط العاصمة والقريبة من الميادين بداعي "الصيانة"، وفق صحف محلية.

وغلقت قوات الأمن كوبري قصر النيل وكوبري الجلاء أمام حركة السيارات والمارة، ما أدى لفصل محافظة القاهرة عن محافظة الجيزة لساعات.

وسبق كل ذلك، حملات اعتقال واسعة شهدتها العديد من المحافظات المصرية على مدار الايام الماضية، طالت أكثر من 2200 معتقلا حتى الآن، بحسب رصد وتوثيق منظمات حقوقية.

وفي نهاية يوم الجمعة، قال إعلام النظام ومؤيديه أنهم تجاوزوا تماما تلك الاحتجاجات التي أدعوا أنها كانت تهدف للفوضى، مُعربين عن فرحتهم بعدم اندلاع أي احتجاجات واسعة، ومؤكدين أنه كان يوما مخيبا لآمال معارضي السيسي.

وأمس السبت، دعا الفنان محمد علي، الشعب المصري، إلى التظاهر مُجدّدا لمدة ساعة، بعد انتهاء مباراة الأهلي وفريق كانو سبورت بطل غينيا الاستوائية، إلا أن تلك الدعوة لم تلق استجابة سوى في محافظة البحيرة فقط.

ويبقى السؤال: هل نجح السيسي في التغلب على ما يُوصف بـ "انتفاضة سبتمبر" التي اندلعت يوم 20 أيلول/ سبتمبر الجاري؟ وهل فشل الحراك؟ أم يكون له ارتدادات أخرى؟

"تحريك المياه الراكدة وإحياء الأمل"

وللإجابة على هذه الأسئلة، من جهته، أكد عضو الهيئة العليا لحزب الوسط سابقا، وليد مصطفى، أنه لا يمكن القول إن "حراك انتفاضة سبتمبر قد فشل، كما يقول البعض، بل على العكس، فقد حرّك المياه التي كانت راكدة تماما منذ سنوات سابقة، وأحيّا الأمل في نفوس الكثيرين بإمكانية نجاح التغيير، وأننا قادرون على إزاحة السيسي".

ورفض قيام البعض برفع سقف المطالب، قائلا:" التفاؤل بقدر كبير جدا في الثورات أمر غير مجدٍ، لأن الأمر يتطلب الكثير من الجهود والتضحيات، ويستغرق وقتا طويلا، والمعركة لن تنتهي بالضربة القاضية بل بالنقاط، ولذلك كان توقع البعض بأنه ستتم الإطاحة بالسيسي وإعلان عزله الجمعة، على غرار ما حدث في 30 حزيران/ يونيو 2013 أمر خاطئ تماما وفي غير محله".

ودعا مصطفى إلى إعادة تقييم وضع النظام الذي قال إنه أصبح هناك -ولأول مرة- رد فعل، فلم يعد فاعلا في المشهد، مثلما كان الحال طوال الأعوام الستة الماضية، منوها إلى أن "هناك جرأة كبيرة في انتقاد السيسي، واتساع ملموس للحراك الاحتجاجي بعد أن توهم البعض أن الشارع قد مات".

وذكر، في حديث مع "عربي21"، أن "حجم الحراك المؤيد للسيسي كان واضحا للجميع بأنه ضعيف للغاية وفي أقل درجاته في ظل التراجع الحاد لشعبية السيسي مقارنة بعام 2013، وذلك رغم كل الرشاوى والتهديدات والحشد المنظم من كل المحافظات".

وأضاف أن حشد المؤيدين للسيسي كان بمنزلة "إدراك لمدى خطورة الغضب الشعبي المتنامي، ولذا سعى النظام لمحاولة اصطناع انقسام شعبي ليدعي أنها هناك مؤيدين كُثر له مثلما هناك معارضون لحكمه".  

وشدّد القيادي السابق بحزب الوسط على أن "صفحة (انتفاضة سبتمبر) لم ولن تطوى، بل إن هذا الحراك ستأتي اللحظة المناسبة له ويشتعل أكثر، فهذا الغضب حتما سينفجر إما عاجلا أو آجلا"، مشيرا إلى أن "النظام أغلق الميادين والشوارع الرئيسية بأعداد غير مسبوقة من قوات الأمن يوم الجمعة، وهذا أحد الدلائل على مدى قلق النظام من نزول الناس للميادين".  

وبسؤاله عن دور المعارضة في المشهد، أجاب:" الكرة الآن في ملعب المعارضة التي عليها التوحد بشكل حقيقي، وصياغة رؤية مشتركة للخروج من المأزق الراهن، وتقديم بديل مقبول لدولة مدنية مستقرة وديمقراطية عادلة، وعبر انتقال سلس للسلطة، والبدء في مرحلة انتقالية بشراكة مع الجميع".

 

اقرأ أيضا: محمد علي يشكر المصريين ويتعهد باستنزاف السيسي (شاهد)

وأضاف أن التحركات الميدانية لابد أن يكون لها منظمون على الأرض، وذوي الخبرة في التظاهر الذين قالوا إنهم تشتتوا بين السجون والمنفى، مطالبا قادة المعارضة بأن يكونوا على قدر المسؤولية، وأن يتمتعوا بالحكمة وسرعة البديهة لتلبية طموحات الشعب.

"حرب استنزاف"

من جهته، قال الباحث في معهد الدوحة للدراسات العليا، سيف الإسلام عيد، إن "موجة الحراك الاحتجاجي لم تنتهِ بعد، بالتالي لا يمكن القول إنها فشلت أو أن السيسي نجح في احتوائها، بل سيكون لها جولات وجولات أخرى مقبلة، خاصة أنها بعيدة عن القوى السياسية التقليدية، بل مع طبقات شعبية غير مسيسة تماما، والتي خرجت لتعبر عن نفسها دون حشد من قوى المعارضة".

ونوّه إلى أن "المجال العام في مصر مُغلق تماما، وليس به أي فاعلين سياسيين ما لم يكونوا مؤيدين للنظام، ولا يمكن الحديث عن أحزاب أو حركات معارضة لها فاعلية داخل الشارع المصري، لأن جميع تلك مكونات المعارضة متواجدة في الخارج، وأي معارضة من الخارج دون ظهير سياسي داخلي لا تُعد معارضة من الأساس".

ورأى الباحث المصري في معهد الدوحة للدراسات العليا، في تصريح لـ"عربي21"، أن "الحراك الحالي سيأخذ شكلا أشبه بحرب استنزاف بين الطبقات الشعبية التي تحتج وبين النظام، وأنه سيكون له ما بعده"، مؤكدا أن المعارضة لم تحسن التجاوب مع موجة احتجاجات سبتمبر، ولم تستثمر هذا الحراك الجديد بشكل جيد وإيجابي.

وقال: "المعارضة المصرية بشقيها الإسلامي والعلماني تمر بحالة من حالات الصدمة، ولا تعرف كيف تتعاطى مع الاحتجاجات الراهنة، خاصة أنها انصرفت إلى الخلافات الأيدلوجية وتصفية الحسابات القديمة بين بعضها البعض، لذلك هي معارضة فاشلة بامتياز، وعليها أن تتحرك بشكل مختلف تماما عما كان عليه في السابق".

التعليقات (0)