هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بدت الأحداث الأخيرة في مصر كحجر أُلقي في مياه كانت تبدو راكدة، ومهما كانت حقيقة "مياه نظام عبد الفتاح السيسي"، فإنّ استنفاره وإن أراد منه تكريس دعايته التقليدية التي يُسوّر نفسه بها، وتأكيد تحطيمه للحياة السياسية في البلد، ومنعه الدمويّ لأيّ فعل شعبيّ مهما كان صغيرا ومحدودا، وإدامة أجواء الخوف والرعب والقحط السياسي، فإنّه في الوقت نفسه أظهر موت السياسة داخل النظام نفسه؛ النظام الذي لا شيء لديه يقوله لشعبه سوى تعظيم الخوف، والترهيب من البديل والمجهول، والذي يلصق مكوّناته بالفساد الموزّع، ويستند في بقائه والحاجة إليه إلى فقر الدولة السياسي والأخلاقي وعجزها وفشلها، ليكون السيسي معبّرا بحقّ وصدق عن طبيعة الدولة، لا عن طبيعة النخبة الحاكمة الراهنة فحسب.
منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي، ونحن نحاول القول إنّ مجرد صعود الشخص نفسه، بخلفيات غامضة، وسياسات مريبة، وارتباطات مشبوهة، وثقافة محدودة، ونزعات أخلاقية مرذولة.. يعني بالضرورة خللا عميقا في بنية الدولة المصريّة، ويشير إلى اختراقات جوهريّة في عمقها، وفي أجهزتها ومؤسساتها كلّها، وكأنّ الدولة كانت مستباحة للفاعلين الإقليميين والدوليين، طوال حقبتي السادات ومبارك على الأقل، بما في ذلك من يفترض أنّهم أعداء تقليديون لهذه الدولة.
أصوات ظاهرة في معارضة السيسي، عادت للخطاب التقليدي في الرهان على الدولة نفسها، ممّا يعني أنّها لم تستفد من أهمّ ما في تسجيلات محمد علي التي تحمّست لها، ويعني ركود تفكيرها
أهمّ ما كان في تسجيلات محمد علي في مرحلتها الأولى هو تأكيد هذا المؤكّد، وسماعه بشكل مختلف، مع حقائق من داخل الدوائر المحيطة بالسيسي، وهو ما يعني بالحرف؛ فساد الجيش ومؤسسات حماية الدولة، وانخراطها العميق مع السيسي في عمله التخريبي. وبالرغم من ذلك، فإنّ أصواتا ظاهرة في معارضة السيسي، عادت للخطاب التقليدي في الرهان على الدولة نفسها، ممّا يعني أنّها لم تستفد من أهمّ ما في تسجيلات محمد علي التي تحمّست لها، ويعني ركود تفكيرها، وجموده عند ما قبل ثورة يناير حتّى، عند خرافات أسطرة الدولة وجيشها ومؤسساتها.
ثمّة فرق دقيق هنا بين الاستفادة من التناقضات الداخلية إن كانت حاصلة، وبين وضع تلك التناقضات في سياق مناقض تماما لسياقاتها الحقيقية. فوجود شرخ في بنية النظام عامل مهمّ للتغيير، بيد أنّ الخلل في توصيف ذلك الشرخ وفهمه، هذا في حال وجوده فعلا.
صار السيسي عندهم فارّا أو مخلوعا، والحركة المحدودة التي عقبت تسجيلات محمد علي صوّروها ثورة عارمة، وأمانيهم عن صراعات مؤسسات الحكم وتناقضات الجيش والمخابرات العامة والحربية، جعلوها حقائق