هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تتوقف العمليات الهجومية التي ينفذها تنظيم الدولة، ضد قوات النظام السوري في الضفة الغربية لنهر الفرات والبادية، وضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في الضفة الشرقية، على مدار الأشهر الماضية، مسجلة خلال الأسابيع الأخيرة وتيرة غير مسبوقة من حيث العدد ونوعية العمليات.
وآخر هذه العمليات، وأكثرها زخما،
الهجوم المباغت الذي شنه عناصر من تنظيم الدولة على قوات النظام السوري المتمركزة
في منطقة السخنة ببادية حمص (وسط)، ليل الأحد، وخلف الهجوم عددا غير معلوما من
القتلى في صفوف قوات النظام والمليشيات الروسية، وفق مصادر.
ومنذ منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي،
صعّد تنظيم الدولة من وتيرة هجماته، وذلك بعد التسجيل الأخير لزعيمه أبي بكر
البغدادي، الذي دعا فيه إلى إنقاذ مقاتليه وعائلاتهم المحتجزين في السجون
والمخيمات، متوعدا بـ"الثأر" لهم.
واتفق خبراء في شؤون الجماعات
الإسلامية، تحدثوا لـ"عربي21" على أن "تنظيم الدولة، يحاول الرجوع
إلى البدايات الأولى لنشأته، مستفيدا من عوامل عدة، على رأسها النزاع على السيطرة
بين الأطراف الدولية والإقليمية (روسيا، إيران، الولايات المتحدة) الفاعلة في
سوريا، وارتداد ذلك على قوة السيطرة على الأرض، إلى جانب غياب الحل السياسي".
اقرأ أيضا: شغب في مخيم الهول ومقتل وإصابة زوجات عناصر من "داعش"
وضمن هذه الرؤية، اعتبر الخبير بشؤون
الجماعات الجهادية حسن أبو هينة، أن الحديث عن عودة التنظيم إلى أوج قوته
(2014-2017)، عندما كان مسيطرا على مساحات واسعة من العراق وسوريا، أمرا خارج نطاق
التوقعات.
وقال أبو هنية لـ"عربي21":
"المشروع السياسي الدولي للتنظيم انتهى منذ خسارة الأخير لآخر مناطق سيطرته
في الباغوز بريف دير الزور الشرقي في آذار/ مارس الماضي، وبالتالي اليوم نشهد عودة
للتنظيم، لكن كمنظمة تتتبع أسلوب حرب العصابات دون وجود سيطرة مكانية".
وأضاف أن "التنظيم يعيد بناء
نفسه كهيكلية تنظيمية، وبدأ العمل في إطار تكتيك الاستنزاف، أي حرب عصابات واسعة".
سيطرة هشة
ويبدو أن تنظيم الدولة استفاد من
السيطرة الهشة للنظام ولـ"قسد" في المحافظات الشرقية السورية، لتقوية
تنظيمه، مستندا إلى خبرته التاريخية، والحديث لهنية، الذي أشار إلى أن "التنظيم
يتغذى على النزاعات، والظروف السابقة التي أدت إلى ظهور التنظيم في البدايات لا
زالت موجودة، أي غياب الحل السياسي".
وأوضح أن "التنافس الإقليمي
الدولي على مناطق الفرات السورية، ورغبة كل الأطراف الدولية والإقليمية بعدم
تركها، يساعد التنظيم على تجنيد عناصر جدد"، لافتا إلى التقارير التي تتحدث
عن تجنيد تنظيم الدولة لحوالي 150 عنصرا محليا، شهريا.
اقرأ أيضا: أمريكا تعلن التعاون مع الوفاق تنفيذ غارات ضد تنظيم الدولة
ورأى الخبير، أن اكتفاء الأطراف بهذه المقاربة السياسية، دون المباشرة في عمليات إعادة الإعمار، وغياب المشاريع التنموية، يجعل من الصعب القضاء على وجود التنظيم الذي يعمل بشكل مرن، وعبر مجاميع صغيرة، فروسيا غير مستعدة لمواجهة حرب العصابات، بينما الولايات المتحدة غير مهتمة بقتال التنظيم، في حين تبدو "قسد" غير قادرة على الدفاع عن نفسها.
ومشاطرا الرأي السابق، أكد الأكاديمي
والباحث بشؤون الجماعات الإسلامية، عرابي عبد الحي عرابي، أن ظهور تنظيم الدولة
كان نتاج تحول بالغ الأهمية في بنية المنظومة الجهادية المعاصرة، ولذا فإن خسارة
التنظيم وتعرضه للانزواء عقب فقدانه أرض الميدان، تدفع الآن لظهور انعكاسات جوهرية
في عملياته العسكرية في ضوء إعادة تقدير الموقف وبناء الاستراتيجية المستقبلية.
التخلي عن السيطرة المكانية
وأشار عرابي لـ"عربي21"
إلى اتباع التنظيم خطوات عديدة لإعادة بناء حاضنته، بعد خسارته مناطق سيطرته، مثل
إعلانه العفو عمن يعلن التوبة ويترك التعامل مع ميليشيات "قسد" والنظام،
إضافة إلى جبايته الزكاة في ريف دير الزور علنا وتوزيعها لبعض الناس، في إشارة منه
لحضوره القوي وقدرته على بناء شبكاته مرة أخرى.
وتابع عرابي: "لذا لا نستغرب أن
تكون هجمات التنظيم الحالية، على طرفي الحدود العراقية السورية، وعلى مناطق قسد
إضافة إلى هجومه على محيط بلدة السخنة ذات الموقع الستراتيجي في عقدة طرق المنطقة
الشرقية والوسطى والجنوبية، عبارة عن إعادة رسم للحدود المحلية للتنظيم في سوريا،
كما أنها لحظات بناء جديدة في انتظار الإعلان عن انطلاقته القادمة".
وموضحا ما يعنيه، تابع قائلا: "منطقة
شرق تدمر الممتدة إلى دير الزور تشكل أولوية قصوى لقطع إمداد النظام وحلفائه
الروس، ولذا فإن هجماته في البادية السورية خلال الأشهر الماضية، طالت مواقع
مختلفة وابتلعت أرتالا عديدة للنظام على ضفة الفرات الغربية".
اقرأ أيضا: مقتل 4 بينهم 2 من تنظيم الدولة بهجومين في العراق
ولفت إلى أنه "بالرغم من ذلك
كله فإن التنظيم لم يثبّت سيطرته في أي نقطة سيطر عليها، وذلك دليل على أن التنظيم
يسعى لتهديد كافة الأطراف باستنزافها المستمر ودفعها للعيش بترقب خطواته وهجماته
التالية، ما يزيده قوة في حال عرض عليه التفاوض وتوقيع هدن متفرقة بين هذه
الأطراف، بالتوازي مع عمله على إعادة انتشاره وبناء هيكليته مجددا".
ووفق عرابي، فإن انحسار سيطرة التنظيم على الأرض
ليست خسارة "في عقيدته العسكرية"، لأن هدف "الإثخان" وتهديد
العدو، والقدرة على بلوغ الهدف الأيديولوجي هو معيار النصر والهزيمة في آن معا،
ولا يعد التمسك بالأرض معيار البقاء أو الفناء أو النصر والهزيمة لدى التنظيمات
الجهادية.
وختم عرابي بقوله: "التنظيم
الآن يأخذ نفسا عميقا، يستعد من خلاله لجولة جديدة تظهر فيها أجيال أشرس وأشد من
الجهاديين، محملين بفقد الأب وموت الأم"، كما قال.
تحول استراتيجي
بدوره، أكد الباحث بشؤون الجماعات
الجهادية، خليل المقداد، لـ"عربي21" أن تنظيم الدولة دخل في مرحلة تحول
استراتيجي عسكري، للعودة إلى البدايات.
وحول تصاعد وتيرة العمليات الهجومية
التي يشنها تنظيم الدولة على النظام و"قسد"، قال إن "عدم التمسك
بالسيطرة على المدن، سهلت على التنظيم مهمة توجيه الضربات والانسحاب إلى مناطق في
عمق البادية".
وأشار المقداد إلى انسحاب عناصر
التنظيم من مدينة السخنة، بعد توجيه ضربات قوية لقوات النظام، وعلّق بقوله:
"ليست المدينة (السخنة) بطبيعتها السهلية المكان المناسب للبقاء، وعلى ذلك
التركيز على الغنائم، والحرب النفسية على العدو هي الخيار المفضل للتنظيم
حاليا".
اقرأ أيضا: هذه أهمية إعادة فتح معبر القائم-البوكمال.. "استفادة ثلاثية"
وتابع قوله: "كل المؤشرات، تدل
أن التنظيم مستمر، ولن يتوقف، رغم أن إمكاناته ليست كما كانت عليه".
ومتفقا مع المقداد، قال الصحفي فراس
علاوي رئيس تحرير موقع "الشرق نيوز" المتابع عن كثب للتطورات شرقي
سوريا، إن عمليات تنظيم الدولة في البادية السورية لم تتوقف ضد مواقع نظام الأسد
والمليشيات العراقية والإيرانية المنتشرة هناك"، موضحا أن "الهجمات كانت
شبه يومية تشنها خلايا تابعة للتنظيم تتخذ من البادية مقرات منتشرة لها، وهي تتبع
أسلوب الإغارة بأعداد قليلة وأسلحة فردية خفيفة، ما يؤكد أن فرضيات إنهاء التنظيم
جميعها غير صحيحة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت
علاوي إلى تزامن الهجمات الأخيرة التي يقوم بها التنظيم مع إعلان النظام السوري
والعراق عن إعادة افتتاح معبر القائم/ البوكمال الحدودي بينهما، مستدركا: "التنظيم
يقول إنه لا زال موجودا، ويملك زمام المبادرة".
يذكر أن النظام السوري، والحكومة
العراقية، أعادا فتح معبر القائم-البوكمال الحدودي الواقع أقصى غرب محافظة الأنبار
بين البلدين للتجارة والأفراد، وذلك بعد إغلاق استمر لخمس سنوات.