نظَّم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، السبت الماضي، مؤتمرا دوليا في مدينة إسطنبول، لمناقشة الأزمة السورية، والبحث عن حلول لها. وشارك في المؤتمر المثير للجدل موالون للنظام السوري، وقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، التابعة لحزب العمال الكردستاني، في غياب أي تمثيل للمعارضة السورية وفصائل الثورة.
المؤتمر عكس موقف حزب الشعب الجمهوري الثابت من أحداث سوريا، وهو الانحياز السافر لنظام الأسد الطائفي ضد ثورة الشعب السوري. ويكفي لمعرفة ذلك مجرد الاطلاع على أسماء المدعوين، كما أن نتائج المؤتمر كانت معروفة مسبقا، وأبرزها الدعوة إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري ودعمه ضد فصائل الثورة.
المؤتمر عكس موقف حزب الشعب الجمهوري الثابت من أحداث سوريا، وهو الانحياز السافر لنظام الأسد الطائفي ضد ثورة الشعب السوري. ويكفي لمعرفة ذلك مجرد الاطلاع على أسماء المدعوين
حزب الشعب الجمهوري تحالف في الانتخابات المحلية الأخيرة، وقبلها في
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، مع حزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني، ويحرص كلا الحزبين على حماية تحالفهما حتى بعد الانتخابات. وكانت آثار هذا التحالف واضحة في المؤتمر، وقالت إحدى المشاركات إن وحدات حماية الشعب الكردية التي سمتها "قوات السلام"، هي التي يجب أن تقيم منطقة آمنة داخل الأراضي التركية، لمنع تحرشات القوات التركية، وسط صمت قادة حزب الشعب الجمهوري المستمعين إلى مثل هذه التصريحات المستفزة.
رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، في كلمته بالمؤتمر، اتهم حكومة بلاده بتبني موقف طائفي من أحداث سوريا. وهذه محاولة رخيصة للفت الأنظار عن سبب دعمه للنظام السوري الذي يمارس
الطائفية في بلاد الشام منذ عقود بأبشع صورها. وهذا الأسلوب ليس جديدا، بل سبق أن رأينا أمثلته كثيرا، وشاهدنا أنصار نظام قائم على استغلال الدين يتهمون غيرهم باستغلال الدين والمتاجرة به، وآخرين وضعوا دستورهم وفقا لمذهبهم، ولكنهم يتهمون كل من يفضح طائفيتهم بممارسة الطائفية.
محاولة رخيصة للفت الأنظار عن سبب دعمه للنظام السوري الذي يمارس الطائفية في بلاد الشام منذ عقود بأبشع صورها
المشاركون في حزب الشعب الجمهوري يصفون فصائل الجيش السوري الحر بــ"تنظيمات إرهابية"، ولكنهم لا يرون وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني "تنظيما إرهابيا"، كما أنهم لم يتطرقوا إلى المليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب قوات نظام الأسد ضد الشعب السوري. ولا تختلف هذه اللغة عن تلك التي تستخدمها وسائل إعلام النظام السوري وحلفائه في حق أبناء الشعب الثائر ضد الظلم والطغيان، مطالبا بالحرية والكرامة والديمقراطية.
مؤتمر حزب الشعب الجمهوري وقع في تناقضات عديدة، حيث دعا إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري، والتنسيق معه في مكافحة حزب العمال الكردستاني. وبغض النظر عن عدم قدرة النظام السوري حاليا على محاربة وحدات حماية الشعب الكردي التي تدعمها الولايات المتحدة وتحميها، فإن النظام السوري هو نفسه احتضن المنظمة الإرهابية وقادتها لسنين ليستخدمها ضد تركيا، كما تحالف معها بعد اندلاع شرارة الثورة لقمع المظاهرات وإجهاض الثورة في الشمال السوري. وبالتالي، دعوة المؤتمر إلى التنسيق والتعاون مع النظام السوري لمكافحة حزب العمال الكردستاني؛ غير واقعية وضرب من الخيال.
الظاهر أن حزب الشعب الجمهوري يتبنى الرؤية الأمريكية مهما كانت تخالف الحقائق الدامغة، وتتعارض مع مصالح تركيا الوطنية
وحدات حماية الشعب الكردي هي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. ويعرف الجميع تبعية الأول للثاني تنظيميا، إلا أن الولايات المتحدة تصر على كذبة أنهما كيانان مختلفان، وتعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، فيما تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري، وتتحالف معه في سوريا. ومن الظاهر أن حزب الشعب الجمهوري يتبنى هذه الرؤية الأمريكية مهما كانت تخالف الحقائق الدامغة، وتتعارض مع مصالح تركيا الوطنية.
مؤتمر سوريا الدولي الذي عقده حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول بمشاركة الموالين للنظام السوري وحزب العمال الكردستاني، كشف عن ملامح السياسة الخارجية التي سيتبناها أكبر أحزاب المعارضة التركية في حال فوز مرشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة. وهي، باختصار شديد، سياسة مبنية على إعادة تركيا إلى "بيت الطاعة" لتدور في فلك الولايات المتحدة، كما كانت في السابق، بالإضافة إلى تحسين العلاقات مع أنظمة الثورة المضادة. إلا أن الغريب في الأمر أن حزب الشعب الجمهوري، إن فاز مرشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة، فسيفوز بدعم "الإسلاميين" الداعمين للقضية الفلسطينية وثورات الربيع العربي، المستعدين للتحالف مع حزب الشعب الجمهوري ودعم مرشحه، لحساباتهم الضيقة، ونكاية في رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان.