هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع شبكة "بي بي سي" تقريرا أعده عامر سلطان، يقول فيه إن وثائق سرية كشفت عن أن بريطانيا استغلت شعبية جماعة الإخوان المسلمين وتأثيرها لشن حروب نفسية ودعائية سرية على أعدائها، من أمثال الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر.
ويشير التقرير إلى أنه بحسب الوثائق، فإن بريطانيا روجت بيانات تحمل زورا اسم الجماعة، تهاجم فيها بقسوة سلوك الجيش المصري خلال وجوده في اليمن، الذي كان ساحة للصراع بين نظام عبد الناصر الجمهوري الجديد من جانب والسعودية وبريطانيا الاستعمارية من جانب آخر.
ويقول سلطان إنه شاهد الوثائق، التي صنف بعضها على أنه "بالغ السرية"، بعد استجابة الخارجية البريطانية، لطلب الإفراج عنها وفق قانون حرية المعلومات.
ويفيد الموقع بأن رئيس الوزراء البريطاني دوغلاس هوم أمر في تموز/ يوليو 1964 وزير خارجيته راب باتلر بالانتقام من عبد الناصر، بعد أزمة السويس، وتدخل مصر العسكري في اليمن، بما يهدد مصالح بريطانيا النفطية بشكل خاص، عن طريق "جعل الحياة جحيما بالنسبة له باستخدام بالمال والسلاح"، وطلب من وزير الخارجية التحرك بسرية، وأن "ينكر ذلك إن أمكن"، ثم تم تشكيل لجنة عمل سرية بمشاركة مختلف الأجهزة والوزارات المعنية لإدارة السياسة البريطانية تجاه اليمن.
ويلفت التقرير إلى أن نظام عبد الناصر قد أرسل عشرات الآلاف من قوات الجيش المصري إلى اليمن بداية من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1962، تلبية لطلب الدعم من عبد الله السلال، الذي قاد انقلابا عسكريا على نظام الإمامة (الملكي) المُؤيَد من السعودية وبريطانيا.
وينوه الكاتب إلى أن بريطانيا شاركت في الفترة بين عامي 1962 و1965 في عمليات سرية؛ دعما للقوات الملكية في مواجهة الجمهوريين اليمنيين، الذين استولوا على السلطة في صنعاء في أيلول/ سبتمبر عام 1962، ورفضت بريطانيا الاعتراف بالنظام الجمهوري، وقدمت مساعدات عسكرية للإمام البدر في مواجهة الجمهوريين المدعومين من الجيش والنظام المصريين، واستمر الصراع السياسي والعسكري والإعلامي بين مصر وبريطانيا في اليمن طوال عقد السبعينيات.
وبحسب الموقع، فإنه قيل إن القوات المصرية استخدمت خلال الشهور الأخيرة من وجودها في اليمن الغازات السامة، ما أدى إلى قتل عدد كبير من اليمنيين، ونفت مصر هذا الاتهام، وقالت إنه جزء من "حملة نفسية بريطانية أمريكية" عليها، وفي شهر شباط/ فبراير عام1967، أعلنت القاهرة ترحيبها بتحقيق أممي، إلا أنه في الأول من الشهر التالي قالت الأمم المتحدة إنها "غير قادرة" على التعامل مع هذه القضية.
ويشير التقرير إلى أن بريطانيا انتهزت الفرصة، واستغلت اسم الإخوان المسلمين، في إطار حربها السرية، لتأليب المسلمين، في مختلف الدول، على عبد الناصر ونظامه، وجاءت تلك الحرب السرية في عقد شهد صراعا مريرا بين نظام عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين.
ويلفت سلطان إلى أنه في شهر آب/ أغسطس عام 1965، قال النظام إنه أحبط ما وصفه بمؤامرة إخوانية للانقلاب عليه، ثم اعتقل الآلاف، وقتل عشرات منهم أثناء الاعتقال، وبعد عام، أعدم عددا من الإخوان، بينهم سيد قطب، وهو أحد أبرز منظري الجماعة، في هذا السياق، كانت الأجواء مواتية لتمرير المنشورات البريطانية المزورة على أنها فعلا صادرة عن الإخوان.
ويورد الموقع قول أحد المنشورات، نقلا عن الإخوان، إن القوات المصرية في اليمن ليست مسلمة لأنها تقتل المسلمين بالغاز، وتساءل: "من يستطيع أن يقاوم الصعقة عندما يصف شاهدو العيان العرب كيف قتل مائة وعشرون من الرجال والنساء الأطفال دفعة واحدة بعد أن أمر القادة المصريون الأشرار طياري الجمهورية العربية المتحدة في قاذفات القنابل التي صنعها الشيوعيون السوفييت الملحدون بإلقاء خمس وعشرين قنبلة غاز، التي هي كذلك من صنع الشيوعيين، على قرية كتاف الواقعة شمال شرقي صنعاء؟".
وينوه التقرير إلى أن المنشور، الذي صدر بتوقيع من "جمعية الإخوان المسلمين الدولية"، استخدم الانتقادات ضد التدخل العسكري المصري في اليمن، الذي كان له دور في هزيمة مصر في حرب عام 1967 أمام إسرائيل، وقال إنه "إذا كان لابد للمصريين أن يخوضوا غمار الحروب، فلماذا لا يوجهون جيوشهم ضد اليهود؟"، وأضاف أن "القنابل التي ألقيت على اليمن خلال الحرب التي تستعر نيرانها في هذا البلد المسكين لأربع سنوات، كانت تكفي لتدمير إسرائيل تدميرا تاما".
ويكشف الكاتب عن أن فريق الحرب الدعائية البريطاني استخدم مفردات مشابهة لتلك التي استخدمها الإخوان المسلمون ليبدو المنشور وكأنه بالفعل صادر عن الجماعة، وطالب المنشور المسلمين بأن يدينوا "المصريين الكفرة، ويرفضوا التعاون معهم في الأمور جميعها، لتظهروا تضامنكم مع شعب اليمن المستعبد في مصيبته الكبرى".
وينوه الموقع إلى تعاون بريطانيا مع واشنطن في الفكرة، ففي إحدى الوثائق، يقول المسؤول، بعد عودته من أمريكا: "تشاورت مع الآنسة ستيفنسون، ووافقت على أنه من المرجح والطبيعي أن مثل هذا التنظيم (تقصد الإخوان) يرسل هذا المنشور".
وبحسب التقرير، فإن الوثائق تكشف عن أن الزعيم الإندونيسي الراحل أحمد سوكارنو كان أحد أهداف الحرب السرية البريطانية، وأدت بريطانيا دورا حاسما في الإطاحة بسوكارنو؛ بسبب ميوله القومية التي اعتبرت مناهضة للغرب، ومشروعات تأميم الصناعة الإندونيسية خلال فترة الحرب الباردة، وأرسلت لندن في أوائل عقد السبعينيات من القرن الماضي فريقا يضم خبراء من إدارة بحوث المعلومات في وزارة الخارجية، وجهاز الاستخبارات الخارجية "إم أي 6"، وإدارة الحرب النفسية في الجيش البريطاني إلى سنغافورة؛ لشن حرب دعائية مناهضة للزعيم الإندونيسي، وفي منتصف الستينيات، بلغ عدد الفريق الشامل 400 شخص، وانتهى الصراع بتمكين الجيش الإندونيسي من الانقلاب وتولي سوهارتو، الذي شن حملة قتل فيها مئات الآلاف ممن اشتبه في كونهم شيوعيين، السلطة.
ويشير سلطان إلى أن حملة بريطانيا النفسية والدعائية ضد سوكارنو استمرت على مدار عامي 1965 و1966، وأخذت، بحسب الوثائق، شكل "إصدار منشورات باسم الإخوان المسلمين.. تهاجم سوكارنو بسبب أشكال البذخ المخالف للدين في حياته الخاصة".
وينقل الموقع عن أحد المنشورات، قوله: "لا ينكر أحد أن سوكارنو قد أدى في الماضي دورا عظيما في تحرير بلاده من المستعمرين، لكن يجب أن يقال إن عيوبه وأخطاءه في السنوات الأخيرة قد غطت على عظمته في بادئ الأمر".
ويفيد التقرير بأنه طعن بقسوة في أخلاق الزعيم الإندونيسي، وقال: "إن انغماس سوكارنو في شهواته الجنسية مع النساء الفاحشات، رغم أن قدرته حتى فيما يتعلق بهذا الخصوص أخذت تزداد ضعفا يوما تلو الآخر، قد صدم المؤمنين بدين الله الحنيف إلى حد لا يطاق".
ويختم "بي بي سي" تقريره بالإشارة إلى قول المنشور، الموقع باسم "جمعية الإخوان العالمية"، إنه "بدلا من أن يساعد سوكارنو شعبه على اتباع طريق الإيمان الحق، فإنه قام بتشجيع الشيوعيين الملحدين في بلاده، ليس سرا فقط، بل على رؤوس الأشهاد كذلك".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)