هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعده رفائيل ميندر من مدنية برشلونة الإسبانية، تحت عنوان "الرجل الذي يحاول إثارة ثورة من على بعد في مصر"، تقول فيه إن المقاول المصري محمد علي أثار في أشرطة الفيديو التي نشرها عن الفساد في مصر تظاهرات نادرة، وفي الوقت ذاته تكهنات حول دوافعه.
ويقول ميندر إن "محمد علي هو حكاية عن ثورة ستحدث في عصر الإنترنت، فمن منفاه الاختياري في إسبانيا يزعم المقاول السابق، الذي قام بمقاولات لصالح الجيش المصري، أن لديه معلومات خاصة عن حجم الفساد في بلاده، واستطاع منذ بداية بث أفلامه على (فيسبوك) إثارة تظاهرات نادرة ضد النظام القمعي لعبد الفتاح السيسي".
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن نجاحه غير المتوقع أثار تكهنات منطقية حول محمد علي نفسه، من هو ومن يقف وراءه، وإن كان أداة لضباط في الجيش الذين عمل معهم سابقا بشكل قريب أو أنه أداة لواحدة من المؤسسات الأمنية التي تريد رحيل السيسي أو أنه في يد جماعة الإخوان المسلمين.
وتذكر الصحيفة أنه لهذا السبب قرر محمد علي (45 عاما) الخروج من الظل، فاستقبل مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في مكتبه في الطابق العلوي من عمارة تطل على البحر المتوسط، ويبعد 25 ميلا عن برشلونة؛ في محاولة لتبديد الغموض حول دوافعه، وربما لتكبير قضيته ضد الحكومة المصرية.
ويعلق الكاتب قائلا إن الاحتجاجات التي أثارتها أشرطة الفيديو لمحمد علي كانت مفاجأة للنظام المصري وهزته، لكنها لم تكن احتجاجات قاتلة للسيسي، مشيرا إلى أن محمد علي يأمل في بث الروح فيها من جديد في محاولاته للإطاحة بالرئيس.
وينقل التقرير عن علي، قوله: "لا أحد يستطيع الإطاحة برئيس في شهر واحد، لكن في ثلاثة أو أربعة أشهر، يمكن بالتأكيد عمل هذا"، وأضاف: "عندما تبدأ الحكومة بالارتجاف فهذا يعني أنها ضعيفة"، وأكد أن لا طموحات سياسية لديه، وأنه يريد أن يعمل قوة توحد الجماعات المعارضة للسيسي، بينها جماعة الإخوان المسلمين، فيما نفى أن يكون قد تلقى دعما من قوة معارضة أو من ضباط في الجيش.
وتورد الصحيفة نقلا عن محمد علي، قوله: "لا يدعمني أشخاص أقوياء في الجيش، لكن بعض الجنود العاديين، إلا أنهم لا يستطيعون عمل أي شيء لأنهم خائفون"، وأضاف: "من أجل أن تصبح مصر في وضع جيد فإن هذا يتطلب الإطاحة بالسيسي.. لا أريد أن يحكم الجيش ولا الإخوان، لكن المواطنون، شخص من الشعب".
ويشير ميندر إلى أن محمد علي بث منذ بداية أيلول/ سبتمبر 50 شريط فيديو، كلها سجلها في إسبانيا، وتتراوح من دقيقة إلى نصف ساعة أو ساعة، لافتا إلى أنه تحدث في المقابلة، كما في أشرطة الفيديو، بلهجة الشارع المصري، حيث قدم تفاصيل عن الفساد وسوء إدارة أموال الدولة، التي يتحكم فيها السيسي والدائرة المغلقة المحيطة به من داخل الجيش.
وينقل التقرير عن الباحث في منظمة "أمنستي" حسين بيومي، قوله: "أعتقد أن ما كشفه محمد علي هو محدودية القمع الذي يمكن للسيسي ممارسته وكيف يرتد بطريقة سلبية.. المشكلة أن النظام ليست لديه طريقة جيدة لإنكار ما قاله".
وتلفت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي تابع فيه الملايين أشرطة علي، التي انتقد في بعضها الخطابات التي ألقاها السيسي، فإن الأخير وصف ما ورد فيها بـ"الكذب والتشهير"، وبعد ذلك بدأ محمد علي يدعو الناس للخروج إلى الشوارع والإطاحة بالسيسي، بل إنه بدأ في مناقشة النظام السياسي في مرحلة ما بعد النظام الحالي.
ويستدرك الكاتب بأنه رغم شهرته من خلال فيلم شارك في إنتاجه والتمثيل فيه، إلا أنه عبر عن دهشته من نجاح أشرطته، وكيف قادت إلى خروج الناس إلى الشارع، وأجبرت السيسي نفسه على إنكار الفساد.
ويورد التقرير نقلا عن المحاضرة في جامعة لونغ أيلاند، داليا فهمي، قولها بأن اتهام الحكومة بالفساد أمر ليس جديدا، إلا أن الفساد الذي تحدث عنه محمد علي كان مختلفا، و"بالنسبة للمواطن العادي الذي يعرف أن أموال الدولة تدار بطريقة سيئة لتمويل بناء البيوت الفخمة للرئيس وعائلته، في وقت يعاني منه الناس من سياسات التقشف، فإن هذا يبدو أنه أعمق من الكشف عن الفساد الحكومي".
وتنقل الصحيفة عن علي، وهو ابن صاحب محل وبطل كمال أجسام، قوله إنه بدأ في العمل وهو في سن الـ 16 عاما، إلا أن عمله قفز قفزة هائلة قبل 15 عاما عندما انضم للمقاولين العاملين مع الجيش لبناء بيوت الضباط، وأضاف علي أنه كان يعلم أن العمل في قطاع الإنشاءات يتطلب دفع رشاوى، لكن ليس على القاعدة التي اكتشفها لاحقا في ظل السيسي، الأمر الذي كشف عنه في أشرطته.
ويورد ميندر نقلا عن علي، قوله: "عندما بدأت، لم أكن أعرف مدى الفساد في النظام.. يتصرف السيسي مثل المتسول الذي يرضى بالحصول على المال من أي مكان"، وأضاف علي أن على الحكومة الأمريكية تحمل المسؤولية عن بقاء حكومة السيسي التي يدعمها الرئيس دونالد ترامب بقوة وغض الطرف عن فسادها، وفي الوقت ذاته فإن "ترامب هو من وصفه بديكتاتوري المفضل، وهو الذي قال إن التظاهرات هي أمر عادي".
وقال علي للصحيفة إن السيسي "يأخذ المال والقروض من أمريكا والمال من دول الخليج"، وأضاف علي أن المصريين يستطيعون تأكيد مزاعمه عن مملكة الرئيس العقارية؛ لأنه قدم لهم المعلومات الكافية ليذهبوا "ويشاهدوا هذه القصور بأنفسهم"، ودافع السيسي في أحد خطاباته عن بناء القصور، مؤكدا أنها ليست باسمه ولكن باسم مصر.
وينقل التقرير عن الأستاذ في جامعة رويال هولواي في لندن، إبراهيم الحلاوي، قوله: "من الصعب الكشف عن نوايا علي الحقيقية، لكن من الصعب تجاهل تاريخه في التعاون مع الجيش وفي مشاريع واسعة"، ويضيف الحلاوي: "لا أعتقد أن لديه طموحات سياسية.. ربما كان الأمر انتقاما شخصيا، خاصة تركيزه على السيسي نفسه وكلامه الاعتذاري عن المؤسسة العسكرية".
وتنوه الصحيفة إلى أنه قال ردا على سؤال حول سبب انتقاله إلى إسبانيا، إن ذلك لم يكن ليس مرتبطا بأي مشكلات سياسية أو مالية، أو تداعيات في مصر، مشيرا إلى أنه بدأ خطته للكشف عن الفساد منذ ستة أعوام، إلا أنه كان مضطرا للاستمرار في العمل حتى ينهي بعض المشاريع، والتأكد من سلامة زوجته وأبنائه الخمسة، ونقل أمواله إلى الخارج، وتخفيض حجم شركته "أملاك"، التي كان يعمل فيها ألف شخص.
ويفيد الكاتب بأن محمد علي يعتقد أن أشرطة الفيديو ضربت على وتر حساس لدى الناس العاديين؛ لأنه أظهر لهم أنه كان في "قلب مطبخ" النظام، وأنه أصبح غنيا من الصفر، وأكد أنه ليس مدفوعا بالانتقام أو الرغبة بالحصول على أمواله من الحكومة، وقال: "لو أردت مالي لواصلت العمل هناك"، لكنه أشار إلى أن الحكومة المصرية مدينة له بـ 220 مليون جنيه مصري (13.5 مليون دولار أمريكي).
وبحسب التقرير، فإن محمد علي اتهم الحكومة بمصادرة بيته وسياراته بعدما غادر القاهرة عام 2018، وقال إنه استقر في إسبانيا، ولديه 3 ملايين يورو، وبعدما اشترى شقة بـ1.2 مليون يورو، وحصل على تأشيرة إقامة.
وتشير الصحيفة إلى أنه يحاول إعادة بناء تجارته، وقد أنفق 600 ألف يورو لتحويل محطة طاقة كهربائية مهملة إلى جامعة، لافتة إلى أن المشروع متوقف لأنه لم يحصل على الإذن من السلطات المحلية للبدء في تنفيذه، وقال: "كنت آمل بالحصول على قروض ومستثمرين، لكن الأمور توقفت منذ بداية نشري أشرطة الفيديو".
وينقل ميندر عن علي، قوله إن هذه الأشرطة أثارت تهديدات له بالموت، وجائزة من ثري سعودي لأي شخص يقتله، وأضاف: "أعتقد أن الشرطة والحكومة في إسبانيا جيدتان، ولن تسلمني الحكومة إلى بلدي، لكني أخشى من المافيا ودفع مال لقتلي".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه ليست لديه أي خطط لطلب اللجوء السياسي، رغم قلقه لما سيحدث بعد انتهاء جوازه في العام المقبل، فقال: "أريد أن أكون حرا في التحرك".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)