منذ أكثر من أسبوعين وحتّى الساعة؛ والشارع العراقيّ يغلي غلياناً متنامياً، لدرجة لا يمكن تصوّر درجات انفجاره التي بدأت مع
مظاهرات اليوم الجمعة الحاشدة في غالبيّة مدن
العراق.
الأزمة الكُبرى بدأت في لحظة استخدام حكومة بغداد للنيران القاتلة في مواجهة المتظاهرين العزل قبل أسبوعين تقريباً، والتي خلّفت أكثر من (6165) قتيلاً وجريحاً!
التعامل الحكوميّ مع غضب الجماهير كان انتقامياً ومخجلاً، وقد تحدث رئيس الحكومة عادل عبد المهدي عن قتل المتظاهرين بقوله: "لقد طبّقنا قواعد الاشتباك الصحيح"!
فهل الحكومة في حالة حرب مع الشعب، حتّى تتحدّث عن "قواعد الاشتباك"؟
المهدي، وبعد ضغوطات داخليّة وخارجيّة، تراجع وشكّل لجنة تحقيق في قتل المتظاهرين!
اللجنة أعلنت نتائجها الهزيلة يوم الثلاثاء الماضي، وليتها لم تتكلّم، وتركت الملفّ مع مئات ملفّات التحقيق السابقة التي شُكّلت في حوادث متشابهة من حيث النهايات المأساويّة!
اللجنة لم تتطرّق للقوى الإرهابيّة التي قتلت المتظاهرين، أو تلك التي أعطت الأوامر بإطلاق النار على المدنيّين، وحاولت تبرئة حكومة المهدي بطرق غير قانونيّة وغير منطقيّة، ولم تذكر، على الأقل، أنّ رئيسها لم يَقم بواجبه في حماية المواطنين!
وفي المقابل، وقعت اللجنة في فخّ كبير، حيث كشف تقريرها هشاشة المنظومة الأمنيّة الرسميّة في الوزارات الثلاث (الدفاع والداخليّة والأمن)، وأنّها عجزت عن معرفة أماكن القنّاصة، الذين قتلوا أكثر (150) متظاهراً!
مخرجات لجنة التحقيق غير مقبولة، لا قانوناً، ولا عقلاً، ولا في أيّ فقرة من علوم المنطق والجريمة؛ ولذلك فهي لم تُقنع أهالي القتلى بنتائجها، وكان تقريرها حقنة تحذيريّة منتهية الصلاحيّة لخداع الناس وحماية الحكومة!
ومع ذلك يبدو أنّ السحر انقلب على الساحر، وقد تابعنا قبل يومين مظاهرات عشائرية لبعض ذوي القتلى، وهم يحملون القاذفات والبنادق وغيرها من الأسلحة المتوسّطة والخفيفة، وأكّدوا بأنّهم سيثأرون من قتلة أبنائهم، ودعوا القوّات الرسميّة لعدم مواجهتهم!
فما الذي دفع هؤلاء لهذه الخطوات التصعيديّة الخطيرة؟
أتصور أنّ الفشل الحكوميّ في استيعاب المظاهرات، واستخدام القوّة المُميتة، وعدم وضوح تقرير لجنة التحقيق، وغياب القانون الرادع للمجرمين جميع هذه العوامل دفعت بعض العشائر للتنديد بالحكومة، والتهديد بأخذ ثأرها من القتلة الذين، كما يبدو؛ بأنّ غالبيّتهم معروفون للأهالي!
المدن الجنوبيّة التي وقعت فيها التهديدات، هي مقار لقوى شيعيّة من أتباع (أحزاب الدعوة وبدر والصدر وغيرهم) من القوى المالكة للرجال والسلاح، وجميعهم أصابعهم على الزناد بانتظار أوامر الرمي الحيّ ضدّ الأطراف الأخرى!
ويوم أمس الخميس انقلبت الأمور في محافظة ديالى (57 كم شمال شرق بغداد) بعد اغتيال حارث الربيعي، مدير ناحية أبي صيدا، وهو مسؤول منظّمة بدر في المحافظة!
الربيعي قتل على يَد أحد أفراد المنظّمة، وعلى أثر الحادث تمّ اغتيال رئيس المجلس المحلّيّ للناحية سعد صريوي مع نجله، ومدير الجنسية المقدم محمد الحميري! وبعد مواجهات وفوضى عارمة فرضت الحكومة حظراً للتجوال في غالبيّة مدن ديالى!
المخرجات غير الواضحة لمظاهرات يوم 25 تشرين الأوّل/ أكتوبر الحاشدة، والتي أشعلت الشارع العراقي حتّى اللحظة، وتنامي الخلافات المليشياوية الميدانيّة هي بوادر لحرب أهلية شيعيّة- شيعيّة حذرنا منها مراراً، وقلنا إنّها ستحرق الأخضر وتمحو الأبرياء، وتهلك نسبة ليست قليلة من الصالحين والطالحين!
الحرب الأهليّة ستكون متداخلة فمن جهة ستكون بين العشائر والحكومة، ومن جهة أخرى ستكون مليشياوية- حكوميّة، ومن جهة ثالثة ستكون مليشياوية- مليشياوية!
المسؤول الأوّل عن هذا الانهيار العامّ في البلاد هم غالبيّة المشاركين في حكم البلاد، وهم الذين سيوصلون الوطن لحرب أهليّة، لا يمكن التكهّن بلحظة وقوعها الكبرى، لكنّها ستقع، وستكون قاسية!
في الحرب الأهليّة سيخسر العراق، وستفوز قوى الشرّ والإرهاب في صفقة خراب الوطن.
لنتدارك العراق قبل ساعة الصفر، ولنسعى لبناء دولة المواطنة ليعمّ السلام وننعم بحياة حرّة كريمة.
فهل أنتم واعون لخطورة المرحلة، أم أنّكم تنتظرون الجلوس على التلّ ومراقبة خراب العراق؟