أفكَار

غلق معابد البروتستانت في الجزائر.. كنائس أم "مخافر"؟

تقديرات تشير إلى وجود ما بين 35 ألفا و50 ألف مسيحي بالجزائر- (إنترنيت)
تقديرات تشير إلى وجود ما بين 35 ألفا و50 ألف مسيحي بالجزائر- (إنترنيت)

أحدث إقدام السلطات الجزائرية قبل أيام على إغلاق "معابد" البروتستانت، في منطقة القبائل (أمازيغ منطقة جرجرة، ولايتي تيزي وزو وبجاية) والتي انتشرت بقوة خارج دائرة القانون، مستغلة في العقود الماضية، حالة الفلتان الأمني وانتشار الإرهاب في التسعينيات، وصمت النظام البوتفليقي حول نشاطاتها المشبوهة، جدلا واسعا في الجزائر، خاصة حول قضية حرية التدين والعبادة في البلاد، وحقوق الأقليات الدينية في ممارسة شعائرها، في وقت تشهد فيه البلاد موجة ثورية في سبيل تحقيق دولة الحق والحرية والعدالة.

وتستند السلطات بعد إقرار والي ولاية تيزي وزو غلق 12 كنيسة أو معبدا، إلى عدم حصول هذه المعابد على تراخيص قانوينة تخول لها النشاط الديني، وإلى مخالفتها للقانون الصادر سنة 2006 والذي يعمل على تنظيم الحريات الدينية لغير المسلمين بالجزائر وينص على منع الصلاة الجماعية في غير الأماكن المخصصة لذلك.. بينما يذهب مراقبون إلى ما هو أخطر من ذلك، باعتبار هذه الكنائس التي تم غلقها بقوة القانون، تقف خلفها وتمولها الكنيسة الإنجيلية المعروفة بنهجها التبشيري التدميري لوحدة وانسجام المجتمعات خاصة العربية منها، كونها الذراع الضاربة للصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل، وهي أبعد ما تكون عن أداء الأدوار والأبعاد الروحية التي تميز المعتقدات الدينية عادة.

 



وما يرجح هذه النظرية، هو حالة الحرية والطمأنينة، التي تتمتع بها الكنيسة الكاثوليكية بالجزائر، باعتراف أبرز رؤوسها من أمثال بول دوفارج والأب هنري تيسي، حيث إن الدستور الجزائري واضح في هذا المعنى، والمادة 42 منه تقول حرفيا: "لا مساس بحرمة حرية المعتقد"، لكنها تربطها بشرط "حرية ممارسة العبادة مضمونة في ظل احترام القانون". 
 
خطة تنصير منطقة القبائل

تعد منطقة القبائل (ولايتي تيزي وزو وبجابة شرق العاصمة)، أكثر المناطق في الجزائر استهدافا لعمليات التبشير المسيحية، وقد ركز الاستعمار الفرنسي على هذه المنطقة تحديدا لأغراض خبيثة، بغرض الإلحاق وتكوين نخب تابعة في الفكر واللغة وحتى الديانة، فكانت حملات (الآباء البيض) ضارية على المنطقة، كما كانت حملات الجنرال (لافيجري) هي التي زرعت الكنائس في هذه المنطقة بقوة السلاح.

وقد استمر الوضع بعد الاستقلال يسير بوتيرة بطيئة، كان فيها المتنصرون أو المرتدون لا يجدون أمامهم سوى الكاثوليكية كوعاء يحتضن أصحاب الرؤى والأفكار الملوثة، أو تلك التي تلفها الشكوك بسبب الوضع الخاص للمنطقة الناطقة بغير العربية، وترسخ بذور الاستعمار في التفريق بين العرب والأمازيغ، وإذكاء نظرية أن العرب محتلون للأرض باسم الاسلام، وأن على السكان (الأصليين) أن يتخلصوا من العرب ومن دينهم أيضا.

هذا الوضع تحول بشكل دراماتيكي مع دخول الجزائر عشرية الدم والدموع، بعد انقلاب 1992، أين استغلت قوى استخباراتية عالمية الوضع المتردي لتشرع في غرس البروتستانتية (الإنجيلية) داخل هذه المنطقة، عبر استغلال نفور نخبها المتغربة من (الإسلام السياسي) الذي كانت تمثله الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

وهنا برز صراع خفي بين السفارتين الفرنسية والأمريكية على النفوذ الديني واستغلال الأتباع داخل هذه المنطقة المؤثرة في صناعة القرار الجزائري، لتنفيذ المخططات التدميرية والإلحاقية وكذا لاستغلال ثروات البلاد النفطية.

 


ورغم أن المنطقة القبائلية تزخر بتاريخ حافل بالدفاع عن الإسلام، وبأعداد كبيرة من المساجد والزوايا وبالعلماء الذين سطروا تاريخا مشرفا للمنطقة، إلا أن التركيز الغربي الصليبي على المنطقة، أثر مع الوقت في تكوين نخبة إلحادية، وأخرى متنكرة للإسلام ومعتنقة لأي فكر أو ديانة أخرى المهم أن لا تكون الإسلام (الذي تتبناه السلطة القائمة برأيهم وباسمه تقوم بتعريب المنطقة)، لتجد البروتستانتية الإنجيلية تربة خصبة للنمو، دون اعتراض واضح من سكان المنطقة (وهو نفس الصمت الغريب عن حركة الماك الانفصالية التي يقودها فرحات مهني)، بل إن تواطؤا بات يلاحظ بوضوح مع هذه المظاهر غير الإسلامية والكنائس التي تنبت كالفطريات، إلى الحد الذي ظهرت "شرذمة" من القوم، لم يتورعوا في مرات عدة على تدمير مساجد كانت ستبنى (مثال تدمير مسجد اغريب في تيزي وزو قبل سنوات).

"إسطبلات" لا كنائس!

هنا كان لافتا أن تصريح وزير الداخلية الجزائري صلاح الدين دحمون، بعد غلق الكنائس البروتستانتية غير المرخصة، يحمل الكثير من المعاني لسلطة جديدة ورثت تركة خطيرة من الفوضى التنظيمية والسكوت المريب عن هذه الأوضاع، حيث نفى أن تكون المعابد التي تم غلقها كنائس قائلا "إن ما تم غلقه كان عبارة عن مستودعات لتربية الدجاج واسطبلات ومقرات فوضوية" منوها إلى أن "الدستور يقر بحرية العقيدة والجزائر تعمل دوما على حماية كل الديانات، ولكن يجب أن يكون ذلك في إطار احترام قوانين الجمهورية"، وأن إنجاز مراكز العبادة يخضع لجملة إجراءات من بينها الحصول على ترخيص رسمي من قبل السلطات، مؤكدا أن الإجراء يطبق أيضا على المساجد.

 



وتكشف هذه التصريحات أن الجزائر كانت نهبا لتيارات دينية متطرفة وافدة، استفادت من صمت النظام البوتفليقي الذي كان يستهدف استرضاء القوى الكبرى، والظهور بمظهر المتسامح ولو على حساب الانسجام الديني للبلد، وتشير بعض الاحصائيات إلى وجود آلاف بل وهناك من يتحدث عن عشرات الآلاف من المسيحيين الجزائريين (تقديرات رئيس الكنيسة البروتستانتية بالجزائر صلاح الدين شلاح، عن وجود ما بين 35 ألفا و50 ألف مسيحي بالجزائر)، كما أن كنيسة الإنجيل الكامل" التي كانت من بين الـ 12 كنيسة التي تم غلقها في الحملة الأخيرة، تضم لوحدها اكثر من 1200 منخرط.

هذا التنامي المخيف، والذي بات يتشكل في قاعات ومساكن ومستودعات، ينبئ بوجود قوة مالية كبيرة من الخارج تدعم هذه البنايات "التي وصفها وزير الداخلية بأن بعضها أشبه ما يكون بمستودعات تربية الدجاج واسطبلات"، لكن خطرها عظيم، من ناحية التركيز الفادح على منطقة بعينها، هي في الأصل تتنازعها اشكالية الأقليات العرقية، فكيف بإيجاد أقليات دينية داخلها، لتصبح المشكلة مركبة ومعقدة أكثر؟

رائحة السياسة في مبدأ حرية التدين

بينما يرفض كل الجزائريين تقريبا ظاهرة بناء هذه الأوكار التعبدية، خارج النطاق القانوني، يثور جدل بين أهل المنطقة وحتى بين العلمانيين أنفسهم، لكنه جدل تفوح منه رائحة السياسة ومحاولات الاستغلال السياساوي الفاضح، عبر محاولات ربط عملية غلق الكنائس غير المرخصة في منطقة القبائل بعملية منع الرايات الأمازيغية، للتدليل على وجود جهة تتعرض للاضطهاد، واستجلاب تأييد المنظمات الحقوقية الدولية.

ومن بين المواقف التي أثارت ضجة كبيرة، لكونها وقفت بشكل أو بآخر مع بناء الكنائس بدعوى الحرية الدينية، موقف عالم الاجتماع ناصر جابي الذي كتب معلقا: استفزاز أبناء منطقة القبائل ومن ورائهم كل الجزائريين مستمر، بعد منع الراية، جاء الدور على الكنيسة، على من يكون الدور يا ترى في الأيام القادمة؟

 


ورد عليه محمد مقدم: الشخصية الوطنية كان نائما عندما أصدر رئيس بلدية إعكورن بتيزي وزو، المحسوب على الأرسيدي، قرار هدم مسجد بقرية تينساوين، بحجة أنه شُيّد فوق أرض تابعة لأملاك الدولة، وهي محافظة الغابات، وهو المسجد الوحيد بالقرية". وأضاف: "إن شاء الله لا يخرج لا ناصر جابي إذا قرر الوالي غلق جميع المخامر غير المرخصة بقول غلق المخامر استفزازا لأبناء منطقة القبائل ومن ورائهم كل الجزائرين".

في حين لم يتردد المحامي المعروف مقران آيت العربي على التنديد "بكل قوة بهذه التصرفات غير القانونية وطالب بفتح هذه الكنائس للسماح للمواطنين غير المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية"، قبل أن يستنجد بمنظمات حقوق الإنسان للتدخل.

ويرد عليه رشيد رايس: "مقران آيت العربي يتساءل في بيانه المندد بغلق الكنائس "أين النشطاء الحقوقيين؟" وهذا نداء صريح لتدويل القضية، لقد أغلقت السلطات 900 مسجد لمسائل أمنية ولم يتم تضخيم القصة لكن بعد غلق 12 كنيسة وغير مرخصة، ها نحن نجد البعض يتاجر بالقضية حتى يصورها أمام الرأي العام أنها أقليات مضطهدة وورقة ضغط على السلطة الفعلية ليبعث برسالة الهدف منها :

ـ  يريدون أن يصوروا الجيش على أنه يقمع الأقليات.
ـ استهداف منطقة القبائل وتصويرها على أنها مضطهدة وأنها غير متدينة أو مسلمة عكس باقي الولايات.

في حين انبرى عدد من أبناء منطقة القبائل الشرفاء أنفسهم للذود عن دينهم ودعم عملية غلق الكنائس هذه، من ذلك ما كتبه ابن المنطقة على صفحته في الفيسبوك الأستاذ ياسين سعادة.. "لا تأخذكم إخوتي العزة بالإثم... والله إن هذه الأماكن أوكار فساد سياسي، اجتماعي، وأخلاقي وهي ممولة من الحركة الصهيونية وزُرعت في منطقتنا لأن تعامل الحركة الوطنية ـ وبعده الدولة الجزائرية ـ مع الأزمة البربرية التي انطلقت شرارتها سنة 1947 جعلت من المنطقة أرضا خصبة لزرع أفكار سياسية مختلفة باسم معارضة النظام، وتحولت هذه المعارضة أو ما يسميه بعض الأكاديميين المهتمين بالمسألة بالرفض القبائلي من السياسي إلى الثقافي، من المطالبة بالاعتراف بالهوية الأمازيغية إلى رفض لغة الآخر الذي لم يعترف بكياننا، أي رفض اللغة العربية التي يدافع عنها هذا النظام لا لاقتناعه بالفعل الحضاري المتمثل في استرجاع اللغة الوطنية وإنما لأغراض سياسية (ودليل ذلك أن مؤسسات الدولة إلى يومنا هذا تعتمد اللغة الفرنسية في تعاملاتها)، ثم تحول الرفض القبائلي من رفض اللغة العربية إلى رفض كل الحجج التي يتحجج بها هذا النظام لرفض الهوية واللغة الأمازيغية، وبالتالي كانت ظاهرة رفض الإسلام ولغة القرآن، وبالتالي وجدت عملية التنصير أرضا خصبة لها في منطقة القبائل .

وأضاف: "المعارضة التي تبتز النظام في ثوابت الأمة لا يمكنها أن تكون وطنية، وبالتالي لا يمكننا أن نقتنع بأن عملية التنصير هذه عفوية، وبأن هذه الكنائس بريئة، لا، أبدا لن أبيع ديني وعقيدتي باسم المعارضة"
.
في المقابل، لم يجد رئيس الكنيسة البروتستانتية بالجزائر صلاح الدين شلاح، إلا اتهام السلطات الجزائرية بممارسة الاضطهاد ضدهم، مشيرا بقوله "صحيح أننا مسيحيون، لكنا جزائريون أيضا ويجب أن نتمتع بجميع حقوقنا كبقية المواطنين الآخرين من باقي الديانات الأخرى. ولقد كلفنا محامين برفع دعاوى قضائية من أجل إبطال جميع الإجراءات التي اتخذتها السلطات الولائية بتيزي وزو. أتباعنا سيستمرون في ممارسة شعائرهم الدينية في منازلهم إلى غاية رفع قرارات غلق كنائسنا".

الحداثيون يدافعون عن البروتستانتية المتصهينة

ولفهم أبعاد هذه الحركة في مواجهة البروتستانتية الفوضوية، طرحنا الإشكال على البروفيسور بوزيد بومدين المختص في القضايا الدينية، وصاحب كتاب "الشعائر الدينية: حريّة ممارستها حقّ يَكفُله الدّين والقانون"، فأكد أنه تم غلْق بعض المقرّات والمحلاّت التي اتّخِذت دُوراً للعبادة منذ أشهر، بعضها لا يملك حتى شهادة المُطابقة المطلوبة في المرَافِق والمحلاّت والمَساجِد ودُور العبادة، وقد أدّى بعض الذين ينتمُون للبروتستانتية طقوسهم في ساحات عمومية، مستغلّين الوضع الاحتجاجي العام في البلاد ومَسيرات الجُمَع، إن بعضهم لا يتجاوز القوانين المُنظمة للشّأن الديني فقط بل يُسيء أيضاً للمسيح ـ عليه السّلام ـ وللمسيحية في جوهرها الدّاعي إلى المحبّة واجتناب العنف، وقد تمّ غلْق أيضاً ومنع الممارسة الدينية الجماعية في فيلات بولاية وهران، لكن السّؤال المطروح لماذا هذا الصّخب بعد غلقها في بلاد زواوة (القبائل)؟ معتبرا أن هناك أطرافا تحاول أن تربط ذلك بالحقوق والحرّيات، والغريب أن الحداثيين الذين يَسخر بعضهم من الدّين ولا يعترف به هم الذين لا يُعجبهم الحال، وهذا تناقض صارخ بين رؤية الحداثيين للدّين ودفاعهم في نفس الوقت عن البروستانتية المتصهينة؟.

 


وأوضح البروفيسور بوزيد بومدين في حديثه لـ "عربي21"، أن إجراءات الغلق أو المتابعة القضائية كانت ضدّ بعض الذين تشيعوا وأقاموا حسينيات بمناسبة عاشوراء في بيوت خاصة، وهو ما اعتبرته الجِهات الأمنية والقضائية ممارسة لشعائر دينية دون رخصة، كما تمّ غلق بعض المساجد التي لا تتوفر على الملف الإداري ومنها الرّخصة المطلوبة، مشيرا إلى أنه في هذه الأجواء جرى تطويب رهبان تبحرين بكنيسة وهران سانتا كروز العام الماضي بحضور ممثل خاص من بابا الفاتيكان والسّماح رسمياً برخصة من مديرية الثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف دُخول ألاف النُّسخ من الإنجيل بما فيها المترجمة للأمازيغية والصينية إلى الجزائر.

ودعا البروفيسور بومدين إلى ضرورة إعادة النظر في تسيير الشأن الديني برمته في الجزائر، فمثلاً يمكن تعيين ممثلي الديانات على مستوى وزارة الشؤون الدينية والقانون يسمح بذلك ويكفل لهم الرتب والضمان الاجتماعي مع شرط الجنسية، كما من الضروري إعادة النظر في اللجنة القطاعية الوزارية الخاصّة بالشّعائر الدينية لغير المسلمين، وتخصيص لها ميزانية خاصّة لمتابعة ومرافقة المسيحيين الجزائريين، وتسهيل الحصول على الرّخصة، كما أنه على وزارة الشؤون الدينية والقطاعات الأخرى تقديم معرفة دينية معتدلة ومتسامحة للدين الإسلامي، هذا فضلا عن ضرورة إنشاء مرصد خاص بالديانات والتدين في الجزائر يقدّم تقريره السنوي، والشرح والتوعية للتفريق بين الحريات الدينية والعقدية والممارسات الدينية الجماعية التي ينبغي أن تخضع للقانون، وفي كون "الطائفية الدينية" مهما كانت قد تكون خطراً على الاستقرار وعلى الأديان في حدّ ذاتها.

الخلفية الفلسفية والاستعمارية 

وحول قضية صراع النفوذ بين الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية يرى البروفيسور بومدين أنه ارتبط في شمال إفريقيا والبلدان الإفريقية والعربية بمصالح استعمارية وهيمنة سياسية واقتصادية، وكانت تاريخياً الجزائر وبلدان المغرب منطقة لنشاط الكاثوليكية وحين استعمرت كان الآباء المبشرين يحلمون بعودة الصليب والقضاء على الهلال ونشروا ثقافة أن البربر في الأصل أتباع المسيحية تاريخياً ولذا عليهم العودة إلى هذه الديانة لأن عرقهم آري وليس سامي، وظلّ هذا التركيز على منطقة القبائل، وفي التسعينيات سنوات الفِتنة ومع صعود اليمين الجديد في الولايات الأمريكية المتحدة نشط التبشير البروتستنتي من أجل تأسيس مناخ ثقافي ـ ديني يتوافق مع الهيمنة الاقتصادية والسياسية الأمريكية، والقبول بواقع إسرائيل كدولة لها حقّ في الوجود بحكم النصوص الدينية التي ترى أنّ عودة المسيح ترتبط بعودة اليهود إلى أرض إسرائيل، وقد انتقد الفيلسوف اليهودي الجزائري جاك دريدا مفهوم نهاية التاريخ باعتباره رؤية دينية تحاول أن تجد في نظرية هيجل التاريخية سندها الفكري.

البروتستانتية المتصهينة تنشط أيضاً في مناطق التوتر والحروب باسم العمل الخيري وجمعيات السّلام، والدولة حين تحارب ذلك باسم القوانين هو أيضا موقف ضدّ استخدام الدين في السياسة سواء في المساجد أو الكنائس.

من جانبه فسر عمار دريد الضجة المثارة حول غلق الكنائس في تيز وزو، إلى وجود مكبر صوت قبائليل كبير، عكس مكبر الصوت الوهراني مثلا، حيث تم غلق كنائس مشابهة في وهران وغيرها دون ان يحدث اي ضجيج.

واعتبر عمار درير لـ "عربي21" أنه من حيث المبدأ العام من حق السلطة مراقبة عمل الكنائس وغلقها إذا كانت غير مرخصة، وإذا ما اتضح استخدام الدين أي دين ?غراض سياسية تمس بأمن واستقرار البلاد ولا دخل لموضوع حرية الاعتقاد في هذا التنظيم الأمني العام للدولة.

 



أما الإعلامي حسين بولحية فأكد أن بداية التنصير بالنسبة للكنيسة البروتستانتية في الجزائر يعود إلى سنوات 1993 وما تلاها من إرهاب أعمى، حينها بدأ توافذ بعض القساوسة الاستكشافيين إلى الجزائر وبالأخص نحو ولاية تيزي وزو، أين بدأت عملية ربط وارتباط وتبشير من خلال تقديم مساعدات مادية للمحتاجين الذين تم اقناعهم أنهم ضحايا الإسلام وأن العرب المسلمين المعمرين هم من يقتلونهم .

وعاد حسين بولحية إلى الجانب التاريخي للظاهرة البروتستنتية في حديثه لـ "عربي21"، مؤكدا أن مصالح الأمن في بداية التسعينيات كانت لا تعير اهتماما كبيرا لما يقوم به المبشرون الإنجيليون البروتستانت كون الجميع كان مهتما بمكافحة الإرهاب، إلى أن جاء العام 2001، الذي عرف أحداثا ضخمة منها حركة العروش القبائلية التي حاولت احتلال العاصمة، ليتم الكشف أن المبشرين البروتستانت لم يكونوا إلا قادة وأعوان استخبارات أجنبية تحت غطاء ثوب ديني، عملت على بناء أوكار استخباراتية تهدف للتشجيع على اعتناق المذهب البروتستانتي والتخلي عن الإسلام  لخلق أقلية مسيحية في الجزائر تتصدى لاحقا لما عرف حينها بالمد الإسلامي نتيجة لفوز الجبهة الإسلامية وما تلاه بعد ذلك من أعمال عنف وإرهاب.... وتكون عنوانا في ما بعد للتدخل الخارجي.
 
واللافت يضيف حسين بولحية هنا أن المعلومات كانت تشير إلى تواطؤ أو شبه تواطؤ من جهة القيادة آنذاك على ما كان يقوم به الاستخباراتيون الإنجيليون  في ولايتي تيزي وزو وبدرجة أقل بجاية، حيث شهدتا انتشارا رهيبا لفتح  بيوت ومحلات تساهل معها منتخبو الأحزاب المحلية (الارسيدي والافافاس) ولم يمنعوها رغم أنها كانت مخالفة للقانون.
 
ويختم حسين بولحية بالتأكيد على أن "عملية غلق تلك الأوكار الآن التي أطلق عليها الوزير اسم اسطبلات تعد تتويجا وتنفيذا لما سبق وأن كشفت عنه الجهات الأمنية منذ 20 سنة تقريبا وهو عمل مشروع لا غبار عليه".

حدود الحريات الفكرية والدينية

بالنهاية، نعم للحريات الفكرية والدينية، لكن بضوابطهما، فالحرية مسؤولية قبل أن تكون عملا فوضويا أخرقا، ثم إن مفهوم الحريات الفكرية والدينية بحد ذاته نسبي للغاية، ويكفي الاطلاع على محتويات التقارير الغربية للحريات الدينية مثلا، لنكتشف البون الشاسع بين الخطاب الموجه للعالم فيما يتعلق بوضع تلك الحريات في العالم الإسلامي، وبين ما تقوم به الدول الغربية نفسها من تضييق على أماكن العبادة الإسلامية المرخصة منها وغير المرخصة، ومن ذلك مراقبة الشرطة للمساجد بدعوى التطرف والإرهاب.

في الجزائر كما في باقي الدول العربية، هذا المفهوم مطاطي أيضا وبدرجات مثيرة للاستغراب خاصة بين النخب المتغربة، التي لا تثور إطلاقا للمساس بالحريات الدينية وحرية المعتقد عندما يتعلق الأمر بالإسلام الذي تعتبره دين تخلف ورجعية، لكنها تكشر عن أنيابها وتتحول إلى حاملة لواء التسامح إذا تعلق الأمر بالديانات المسيحية أو اليهودية أو حتى الممارسات الإلحادية اللادينية، وقد رأينا في الجزائر ذلك مجسدا في هدم مسجد اغريب العام 2010 بدعم صريح من هذه القوى المتناقضة فكريا وعقائديا.

أما وأن يتعلق الأمر بالمسيحية الإنجيلية، وبهذه البروتستانتية المتغلغلة برأس مال الماسونية العالمية، فإن الأمر يبدو أخطر من جميع جوانبه، خاصة وأن تقارير دولية مختلفة لا تخفي عمليات تمويل واسعة تقوم بها هذه الطائفة لهجرة اليهود إلى فلسطين، وتقديم المساعدات المجزية للمستوطنين الصهاينة لضم الأراضي الفلسطينية.. في ذات الوقت الذي تتحدث عن علاقة مشبوهة بين هذه الطائفة وحركة "الماك" الانفصالية للحكم الذاتي، التي لا تخفي علاقاتها بالصهيونية.

نعم للحريات الفكرية والدينية، لكن على أن لا تكون غطاء للتخريب والردة وقضم الأرض.

التعليقات (2)
ناقد لا حاقد
الأحد، 27-10-2019 07:12 ص
رأي من رأي اخي الجزائري ، محاولة خبيثة من العصابة المسيطرة على مقاليد الحكم لزرع الفتنة و العرقية حتى تبرر لاستعمال العنف ، العصابة لا تريد الخير للبلاد و تسعى الى نشر الفوضى و الا امن لانها تجيد اللعب في الاوحال و المستنقعات ، الحراك وطني و لا يخص منطقة بعينها و الحراك يريد تغييرا حقيقيا و لكم في الحراك في الدول العربية من شرقها الى غربها ، لبنان و العراق مؤخرا -- اللهم انصرهم و اهزم اعدائهم --
الجزائري
السبت، 26-10-2019 03:50 م
هذا المقال محاولة تبريرية و دعائية بائسة لهذه الحركة السياسوية التي أقدمت عليها سلطة الأمر الواقع في إطار مسلسلها العبثي البائس من أجل تشويه منطقة القبائل باعتبارها المنطقة الرافضة و المعارضة التاريخية للسلطة الانقلابية منذ الاستقلال ، و حتى على اعتبار أن معظم الجزائريين ينظرون بعين الريبة لحركة التنصير في هذه المنطقة الغالية من أرض الوطن إلا أنهم يدركون جيدا مرامي السلطة من هذه العملية خصوصا من حيث توقيتها المشبوه الذي يرمي مع إجراءات أخرى إلى تشويه المنطقة و ساكنتها و الطعن في نضالهم السياسي و حراكهم القوي لتوجيه الرأي العام بخبث إلى ارتباط غير موجود أصلا بين أصلاء المنطقة و شرفائها و مواطنيها بهذه الجمعيات و الكنائس التي شجعت على انتشارها السلطة و فتحت لها الباب لأغراض دنيئة تتوضح الآن في مثل هذه الظروف الوطنية الحساسة بالإضافة إلى أن منطقة القبائل الأصيلة هي إحدى قلاع الإسلام الراسخة في شمال إفريقيا من حيث عدد مساجدها و زواياها و نشاطها الديني و القرآني و الشرعي و علمائها فضلا عن كونها حصنا ثوريا تاريخيا أصيلا بقادتها و مجاهديها و عدد شهدائها و شوكة في حلق هذا النظام الانقلابي من حيث المعارضة و النضال و تأجيج الحراك الشعبي بمطالبه المشروعة من أجل الحرية و الخلاص من شرذة الاستبداد و الفساد .. في الأخير يجدر الإشارة إلى أن كاتب المقال معروف بعنصريته و حقده المقيت تجاه هذه المنطقة و ساكنيها بروحه القومجية المساندة للاستبداد و عسكرة الدولة و المجتمع و الجزائريون بما فيهم سكان منطقة القبائل يساندون معالجة مثل هذا الملف في إطار القانون دون الحاجة إلى مزايدة بالبظولات و محاولة تشويه منطقة كبرى و مكون وطني أصيل لضرب الوحدة الوطنية و تضليل الرأي العام في معركة مواجهة حراك الشعب الجزائري ..