بعد الإعلان عن التوقيع المبدئي على ما بات يعرف باتفاق الرياض، والمقرر أن يتم التوقيع عليه رسمياً اليوم الأحد أو غداً الاثنين، لا تعكس ردود الفعل رضا من طرفي الاتفاق، وهما الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي أنشأته الإمارات في أيار/ مايو 2017، كرد فعل على إقالة محافظ عدن آنذاك عيدروس الزبيدي؛ الذي أصبح رئيساً لهذا المجلس.
ويصل بعض ردود الفعل هذه، إلى حد رفض الاتفاق من الرجل الثالث في الحكومة نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، الذي طالب الرئيس هادي بالتمسك بالثوابت الوطنية وعدم مكافأة الانقلابيين، وسبقه إلى ذلك وزير النقل صالح الجبواني، وكلاهما يتواجدان حالياً في محافظة شبوة، ومقربان من الرئيس هادي ويدافعان بقوة عن الدولة اليمنية الاتحادية.
ليس غريباً أن لا يصادف هذا الاتفاق رضا من أي من الطرفين المتصارعين، والسبب هو أن السعودية تكرس نفسها مهيمناً إقليميا ومرجعياً أعلى للسلطة الشرعية، وقد صممت اتفاقاً يخرج السياسيين الأقوياء من صفوف الشرعية، ويأتي بوزراء وقادة جدد محايدين في مواجهة سياسية لا تحتمل الحياد، خصوصاً إذا تعلق الأمر بثوابت الشعب اليمني، كالوحدة والنظام الجمهوري والنظام الديمقراطي.
لا يصادف هذا الاتفاق رضا من أي من الطرفين المتصارعين، والسبب هو أن السعودية تكرس نفسها مهيمناً إقليميا ومرجعياً أعلى للسلطة الشرعية، وقد صممت اتفاقاً يخرج السياسيين الأقوياء من صفوف الشرعية، ويأتي بوزراء وقادة جدد محايدين في مواجهة سياسية لا تحتمل الحياد
يضاف إلى ذلك أن هذا الاتفاق أعاد تكييف الطموح السياسي للمجلس الانتقالي ذي المرجعية الإماراتية مع الأولويات السعودية، وفي الآن ذاته يرمي هذا الاتفاق، وفقاً للترتيبات السعودية، إلى تحجيم الشرعية وإعادة حقنها بجماعات سياسية متوترة وراديكالية لجهة نظرتها لمستقبل الدولة اليمنية الموحدة، بما يحولها إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة ومتى ما أراد اللاعب الإقليمي غير النزيه ذلك.
يعكس مضمون الاتفاق ما كان قد تداوله الوسطاء الدوليون منذ ثلاث سنوات بشأن التسوية السياسية النهائية للأزمة اليمنية برمتها، ويتجلى التشابه في الشق السياسي والعسكري والأمني لهذا الاتفاق، حيث أولوية دمج المكونات المتصارعة في جسم الدولة اليمنية، بما في ذلك القوات العسكرية والأمنية، كما أنه يلتزم بمرجعية مؤتمر الحوار الوطني الشامل في ما يخص تقاسم السلطة المرحلي بين الشمال والجنوب.
يمكن القول إن هذا الاتفاق الهجين والمرحلي والتكتيكي في الآن ذاته، قد ينهي في ظاهره المشروع السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، ويمكِّنْ السلطة الشرعية، وهذا أمر جيد للغاية، لكنه في الحقيقة عبء زائد عن حاجة الأزمة اليمنية المثقلة بالمسارات والاتفاقات؛ لأن النتيجة التي سيتم التوصل إليها عبر اتفاق الرياض، كان يمكن الوصول إليها باستخدام
النفوذ الطاغي للتحالف في عدن والمحافظات الجنوبية، إذ لم يكن الأمر يحتاج لأكثر من سحب المدرعات التي وُضعتْ في أيدي الانقلابيين.
النتيجة التي سيتم التوصل إليها عبر اتفاق الرياض، كان يمكن الوصول إليها باستخدام النفوذ الطاغي للتحالف في عدن والمحافظات الجنوبية، إذ لم يكن الأمر يحتاج لأكثر من سحب المدرعات التي وُضعتْ في أيدي الانقلابيين
وهذا يوصلنا إلى قناعة تامة بأن اتفاق الرياض إنما يمثل حاجة سعودية أكثر من كونه حاجة يمنية، أو حتى حاجة وأولوية للمجلس الانتقالي الجنوبي نفسه.
من أبرز مظاهر الخسارة السياسية بالنسبة للمجلس الانتقالي المتمثلة بعدم بلوغ هدف الانفصال؛ الانسحاب الإماراتي المشوب بالغضب من مناطق نفوذها في الجنوب، إلى حد أنها أنهت نشاط الهلال الأحمر الإماراتي، الذي يفترض أنه يقوم بأنشطة إغاثية وإنسانية منفصلة، وحرصها على أخذ الأشياء التي كنت قد قدمتها لتشغيل مرافق حيوية مثل محطة الكهرباء.
ليس لهذا من مبرر سوى أن كلا من الرياض وأبو ظبي وصلا إلى مرحلة افتراق غير معلنة في المصالح والأهداف والأولويات، تعززت على ما يبدو بالتقارب الإماراتي الإيراني الذي تزامن بدوره مع تلقي السعودية أقوى ضربة عسكرية لعصب اقتصادها الوطني من جانب إيران، على خلفية الحرب الدائرة في اليمن.
بدأت الساحة تتمرد عل التدخل العسكري السعودي، وترى فيه تهديداً لا يقل خطورة عن المشروع السياسي للحوثيين الذين انقلبوا على السلطة الشرعية والتحموا بالأجندة الإيرانية
لذا سعت السعودية إلى توظيف مغامرة الانقلاب الذي نفذته
الإمارات ضد السلطة الشرعية، في العاشر من شهر آب/ أغسطس الماضي بالعاصمة السياسية المؤقتة عدن والاعتداء الجوي للطيران الإماراتي على الجيش الوطني، لتحقيق اختراق سياسي يمكن أن يحسب لها في ساحة تشهد إخفاقات سعودية متعددة المستويات، إلى حد بدأت معها هذه الساحة تتمرد عل التدخل العسكري السعودي، وترى فيه تهديداً لا يقل خطورة عن المشروع السياسي للحوثيين الذين انقلبوا على السلطة الشرعية والتحموا بالأجندة الإيرانية.
حرصت المملكة منذ أن استدعت طرفي الأزمة الجديدة في عدن إلى مدينة جدة لحوار غير مباشر؛ على إدماج هذا المسار الذي نتج عنه اتفاق الرياض ضمن عملية سلام بدأت تتجزأ إلى عدة مسارات وتعيد تفكيك المشهد اليمني، بما يسمح بالتملص من الاستحقاقات الأساسية المرتبطة بتمكين السلطة الشرعية ودحر المهددات التي تعترضها.
لكن لا يبدو أن السعودية ستهنأ بهذا الإنجاز في ظل مظاهر الرفض التي عبر عنها قادة بارزون في الشرعية ومكونات جنوبية بارزة أيضاً لاتفاق الرياض، مما يعني أن الاتفاق يمكن أن يضاف إلى العثرات العديدة التي تقف أمام المهمة العسكرية السعودية غير محددة الاتجاهات في اليمن.