لم يحدد الاتفاق
التركي الروسي الأخير في سوتشي شكل ترتيبات المرحلة المقبلة في إدلب، واكتفى
الجانبان بالتأكيد في بنود الاتفاق على عزمهما مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله
وأجنداته.
وكان الرئيسان التركي
رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، بحثا الأوضاع في منطقة إدلب، حيث أعرب
أردوغان عن ارتياحه للوضع في المحافظة بقوله، "بحثنا الأوضاع في منطقة خفض
التصعيد بإدلب أيضا، ومرتاحون للهدوء النسبي القائم في المدينة وتراجع
الهجمات".
ومع المضي في تطبيق
بنود الاتفاق شرق الفرات، تذهب المؤشرات باتجاه تأجيل كل من
تركيا وروسيا التعامل
مع هيئة
تحرير الشام إلى حين الانتهاء من الملفات الشائكة شرقي نهر الفرات.
لكن الأنباء عن مقتل
البغدادي في إدلب التي تسيطر "تحرير الشام" على معظمها، طرحت العديد من
التساؤلات حول التطورات في الأيام القادمة، وتأثر إدلب بما جرى، وارتدادات ذلك على
المشهد العسكري في شمال غرب سوريا.
روسيا قد تصعّد
من جانبه، ذهب الباحث
بالشأن السوري، فراس فحّام، إلى القول بأن
روسيا قد ترد بالتصعيد عسكريا على
العملية الأمريكية التي استهدفت زعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي.
وقال
لـ"عربي21"، إن الولايات المتحدة من خلال تنفيذ هذه العملية في منطقة
عمليات روسية، أرادت القول أنها هي الأقدر على مكافحة تنظيم الدولة، وأن روسيا
فشلت في مكافحة "الإرهاب".
ووسط هذه القراءة، لم
يستبعد فحّام أن تُقدم روسيا على التصعيد في إدلب، وتحديدا ضد تنظيم "تحرير
الشام" كنوع من رد الفعل، وكذلك التأكيد من موسكو على أنها فعالة- كما
أمريكا- في الحرب على المنظمات "الإرهابية".
الملف الثاني
أما عن ارتباط
التطورات شرقي الفرات، بملف "تحرير الشام"، قال فحّام: إن التطورات شرقي
الفرات، ووصول تركيا إلى مبتغاها هناك، بتأسيس منطقة آمنة، وإبعاد الوحدات الكردية
عن حدودها هناك، تجعل من "تحرير الشام" هدفا للتحركات الثنائية التركية
والروسية، في المرحلة القادمة.
ورأى أن كل ذلك يُحتم
على "تحرير الشام" اتخاذ قرارات كانت تحاول تجنبها، من قبيل الاستجابة
لمطالب حل نفسها، مضيفا "عندما ستتفرع الدول الضامنة (تركيا، روسيا) من ترتيب
الأوضاع شمال شرق سوريا، فإن الأنظار ستتجه مجددا نحو إدلب، الملف الثاني.
وتابع "أن اتفاق
سوتشي لم يغفل متابعة ملف إدلب، علما بأن بند مكافحة الإرهاب صار بندا اعتياديا في
كل اتفاقية"، كما قال.
المعركة قادمة
وفي السياق ذاته، رأى
المحلل السياسي، أسامة بشير، أن تضمين اتفاق "سوتشي" الأخير، بند مكافحة
الإرهاب، من قبل تركيا وروسيا معا، يؤشر إلى أن معركة مشتركة (تركية، روسية) ضد
"تحرير الشام" باتت تلوح في الأفق.
وخلال حديثه
لـ"عربي21" لم يقلل بشير، من الحديث عن أن ثمن الاتفاق التركي- الروسي
شرق الفرات، كان "تحرير الشام"، وقال "روسيا لم تقف مع تركيا في
عملية "نبع السلام"، لم يكن دون ثمن".
وتابع: "لن تبقى
تحرير الشام على ما هي عليه، والمعركة قادمة إليها، في حال لم تثمر المفاوضات
بينها وبين تركيا".
وكان لافتا من وجهة
نظر بشير، الزيارة التي أجراها رأس النظام بشار الأسد إلى ريف إدلب، بالتزامن مع
انعقاد القمة التركية- الروسية في سوتشي، الذي أضاف "والآن جاء مقتل البغدادي
في إدلب، كمؤشر على أن المعركة باتت أقرب إلى أي وقت مضى".
من جهتها، لم تعلّق
"تحرير الشام" على اتفاق سوتشي، لكن المتحدث باسم جناحها العسكري، أبو
خالد الشامي، قال إن "إدلب خارج أي تفاهمات دولية وإقليمية، قد تضر بمبادئ
الثورة وأهدافها، التي خرجت من أجلها ولاستقلالية قرارها".
وأضاف في تصريح لوكالة
"إباء" التابعة لـ"تحرير الشام"، كما أن للدول مصالح، فالثورة
لديها مصالح ومبادئ أيضًا لن تحيد هيئة تحرير الشام عنها، وعلى رأسها إسقاط نظام
الإجرام".
رهن سير اتفاق
"سوتشي"
الباحث بالشأن السوري
أحمد السعيد، رأى بدوره، أن انفجار الوضع في إدلب، محكوم بمدى بقاء التنسيق
التركي- الروسي في شرق الفرات.
وقال
لـ"عربي21"، إن "الواضح أن روسيا تحاول تحقيق أكبر قدر من المكاسب
في شرق الفرات، وهي لذلك تحاول كسب قوات سوريا الديمقراطية إلى جانبها، وهذا الأمر
سيزعج تركيا عاجلا أو آجلا، ما يعني أن المناكفات التركية الأمريكية السابقة حول
"قسد"، ستعيد نفسها، لكن بين أنقرة وموسكو".
وهنا أشار السعيد إلى
تجدد المعارك في محور الكبانة بريف اللاذقية الشمالي، ومساندة الطائرات الروسية
لقوات النظام التي تحاول التقدم في تلك المنطقة الاستراتيجية.
وقال إن:
"التصعيد الروسي المحدود في شمال غرب سوريا، هو تذكير لتركيا بأن لدى روسيا
الكثير من أوراق القوة، في مواجهة تركيا، التي لا زالت ترفع سقف مطالبها في شمال
شرق سوريا".
وبالبناء على ذلك، بدا
السعيد جازما بأن أي تعثر في تطبيق بنود اتفاق سوتشي، سينعكس تصعيدا روسيا في
إدلب، مردفا بقوله "الغموض لا زال يكتنف مصير إدلب، غير أن بقاء "تحرير
الشام" بمنظومتها الحالية، يجعل المدينة على صفيح ساخن، آيل للانفجار في كل
لحظة".
كما رأى أن
"الاشتباكات المحدودة التي حدثت بالأمس بين قوات النظام وقوات "نبع
السلام" بالقرب من رأس العين، تعكس بداية لخلاف روسي- تركي هناك".
وكانت وكالة النظام
السوري "سانا"، قد أفادت، الأحد، بأن اشتباكات اندلعت بين قوات نظام
بشار الأسد والقوات التركية في شمال سوريا قرب مدينة رأس العين.
"تحرير
الشام" متخوفة
وضمن رؤيته للوضع في
إدلب، قال الصحفي خالد الخطيب: لا تستبعد "تحرير الشام" أن تكون الهدف
القادم بعد شرقي الفرات، فعلى الرغم من تأييدها الضمني لعملية "نبع
السلام" إلا أنها بدت متخوفة، وتتحمل مسؤولية التصعيد الأخير، وهي سبب في
عودة الطائرات الحربية إلى الأجواء واستهدافها عدد كبير من البلدات في إدلب.
وأضاف على
"فيسبوك": أن تحرير الشام هاجمت
مؤخرا موقعا لمليشيات النظام الروسية في جبل التركمان وقتلت عددا من العناصر،
والعملية مجرد تحرش وليست عملية منظمة، تهدف بالدرجة الأولى لاستفزاز المليشيات
والطيران الروسي وإشغال الميدان تزامنا مع التطورات المتسارعة شرقي الفرات السوري.
يشار إلى أن الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان عقد اتفاقين بشأن المناطق الحدودية شرقي الفرات، في أقل من
أسبوع، الأول مع أمريكا، والآخر مع روسيا، ما يدعم عملية "نبع السلام"
في الشمال السوري.
وبموجب الاتفاق الأول،
انسحبت بقية القوات الأمريكية من المنطقة، فيما أوقفت تركيا إطلاق النار لمدة 120
ساعة، بهدف السماح للوحدات الكردية بالانسحاب، أما بموجب الاتفاق الثاني فتم تحديد
مهلة 150 ساعة جديدة لانسحاب الأخيرة.
وتوصل الزعيمان التركي
والروسي إلى اتفاق جديد، يقضي ببقاء الوجود العسكري لعملية "نبع السلام"
في المنطقة الممتدة بين بلدتي رأس العين وتل أبيض، وبعمق 32 كيلومترا تقريبا، فيما
يتم تنفيذ دوريات تركية روسية مشتركة على امتداد ما يتبقى من حدود كانت خاضعة
لسيطرة الوحدات الكردية، وبعمق 10 كيلومترات، باستثناء "القامشلي".