قضايا وآراء

الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة العربية بين الماضي والحاضر

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

في مقاله المعنون (هدم الدبلوماسية الأمريكية  The Demolition of U.S. Diplomacy)  أكد وليام بيرنز وقوع ضرر كبير بالدبلوماسية الأمريكية ووزارة الخارجية، ضرر يصعب إصلاحه ويحتاج إلى وقت طويل لمعالجته، كما ألمح المساعد السابق لوزير الخارجية إلى اختلال كبير في موازين القوى بين الرئاسة الأمريكية ومجلس النواب .

 

دبلوماسي مخضرم

وليام بيرنز يعتبر أحد أعمدة الدبلوماسية الأمريكية، تقلد العديد من المناصب في وزارة الخارجية الأمريكية منذ أن التحق بها في العام 1980 ليتقاعد بعد مرور 35 عاما من الخدمة شملت العمل سفيرا في كل من روسيا والأردن؛ فضلا عن تقلده منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى الذي يتولاه حاليا ديفيد شينكر الباحث السابق في معهد واشنطن .

بيرنز يمثل البيروقراطي الأمريكي المخضرم (Old-timer) ، إذ يمثل مرجعا مهما وقارئا عميقا لأنماط العمل البيروقراطي في وزارة الخارجية؛ فالرجل عاصر الرئيس ريغن وبوش الأب والإبن وبيل كلينتون وأوباما وأخيرا دونالد ترامب، حيث انهى سجله بالتقاعد لينشر مقالتين تناولتا حال السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب دافعا البعض لوصف مقالاته بأنها رثاء لوزارة الخارجية والدبلوماسية الأمريكية.

التعريف بوليام بيرنز بمثابة التعريف بوزارة الخارجية الأمريكية في شقها البيروقراطي العميق، فهو يحمل ذاكرتها وتاريخها؛ فالرجل يشير إلى الأضرار البنيوية والهيكلية التي ألحقتها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب بوزارة الخارجية وبالقوة الناعمة للولايات المتحدة؛ وذلك من خلال عقد مقارنة بسيطة بين حقبة المحقق الفيدرالي مكارثي في الخمسينيات من القرن الماضي وحقبة ترامب ووزير خارجيته بومبيو .

 

نتائج سلبية لإقصاء الخبراء

بيرنز يحذر من الأضرار الكبيرة الناجمة عن إقصاء الخبراء والمختصين في ضوء تعليقه على استقالة السفيرة الأمريكية في أوكرانيا عقب فضيحة المكالمة الهاتفية بين رئيس أوكرانيا زيلنسكي والرئيس ترامب؛ ذلك أن مكارثي المحقق الأمريكي الفدرالي الذي أطاح بالكثير من الكفاءات في أمريكا؛ إذ أشار بيرنز إلى دور مكارثي في الخمسينيات بإزاحة واحد من أهم الدبلوماسيين الأمريكان وأكفأهم في الشأن الصيني فقط بتهمة التعاطف مع الشيوعية بحجة أنه توقع انتصار زعيم الصيني الشيوعي ماوتسي تونغ على خصمه القومي كاي تشك في العام 1948؛ الأمر الذي أدى إلى إلحاق ضرر استمر حتى الخمسينيات من القرن الماضي بحرمان أمريكا من أحد أكفأ المختصين في الشأن الصيني؛ ضرر أعاق الولايات المتحدة الأمريكية عن فهم السياسة الصينية وتطوراتها باستبعاد؛ وهو تلميح قوي من بيرنز إلى كفاءة السفيرة الأمريكية المستقيلة.

 

عانت وزارة الخارجية من أضرار يصعب تداركها إذ أصبحت طاردة للكفاءات؛ فالوزارة باتت عاجزة عن استقطاب الكفاءات من جديد مقابل توقف التعينات


المثال الذي قدمه بيرنز في مقالته لخص فيه حال السياسة الخارجية الأمريكية في الوقت الحالي؛ فمنذ أن أطلق ترامب إصلاحاته في وزارة الخارجية وقلص موازنتها وميزانية المساعدات فيها وعين وزير الخارجية ريكس تيلرسون لإعادة هيكلتها ثم أطاح به ليعين بومبيو الأكثر انسجاما وتوافقا مع ترامب وطاعة؛ عانت وزارة الخارجية من أضرار يصعب تداركها إذ أصبحت طاردة للكفاءات؛ فالوزارة باتت عاجزة عن استقطاب الكفاءات من جديد مقابل توقف التعينات؛ نزيف بشري حاد تعاني منه الخارجية الأمريكية في ظل بقاء أكثر من ثلث السفارات خالية من السفراء منذ التحاق ترامب بمكتبه البيضاوي .

النقص في الطاقات البشرية والإمكانات والموارد المالية بات سمة واضحة في وزارة الخارجية الأمريكية؛ كما أن التخبط في رسم السياسات العامة للوزارة وارتباكها بات واضحا بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بضم الجولان للسيادة الإسرائيلية وتولي ملف صهر الرئيس ترامب جارد كوشنير لملف السلام في الشرق الأوسط والهزائم الكبرى في مجلس الأمن والجمعية العامة التي قادتها الممثلة الأمريكية السابقة نيكي هيلي .

 

هزائم دبلوماسية

هزائم دبلوماسية قادت إلى مزيد من الإرباك والفشل في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأدنى؛ فغياب الكفاءات عن الشرق الأدنى (غرب آسيا والعالم العربي) يشبه إلى حد كبير غيابها عن الملف الصيني في الشرق الأقصى طوال فترة الخمسينيات إلى أواخر الستينيات بسبب التعصب الأيديولوجي المشابه للتعصب المتولد عن تولي اليمين والإنجيليين لشؤون الشرق الأدنى والملف الفلسطيني والذي تولد عنه غياب الكفاءات وتغيبها عن المشهد .

انعدم التخطيط الاستراتيجي للسياسة الخارجية الأمريكية وساد التخبط والفراغ والتهميش لوزارة الخارجية الأمريكية؛ لينصب تركيز الوزارة وجهازها البيروقراطي أو ما تبقى منه في التعامل مع الأضرار التي تلحقها تغريدات ترامب بالسياسة الخارجية؛ نشاط طارئ سرعان ما انضمت إليه وزارة الدفاع إلى جانب مؤسسات سيادية أخرى كالاستخبارات الأمريكية والـ ( CIA) لمعالجة الأضرار الناجمة عن نشاطات ترامب وتغريداته التويترية التي باتت مكلفة جدا.

 

الفوضى والتصارع والتضاد بين الرئاسة والكونغرس الأمريكي في صناعة السياسة الخارجية تجاه المنطقة العربية وغرب آسيا؛ وغياب الكفاءات والمعايير المهنية السمة البارزة التي ترسم معالم السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية؛


بيرنز رجل دولة بالتأكيد إلا أنه بات خارج الخدمة وهو بالفعل يمارس الرثاء لوزارة الخارجية من على منبر مجلة الفورن بولسي؛ إلا أن بيرنز لم يكن الوحيد الذي يمارس النقد وليس الوحيد الذي يقرع الجرس في أمريكا؛ فالفوضى تعم النظام السياسي الأمريكي؛ كان آخرها إصدار المحكمة العليا الأمريكية قرار رد الاعتراض على تحقيقات الكونغرس بخصوص فضيحة زيلنسكي (فضيحة اتهم فيها ترامب باستغلال حاجة أوكرانيا لمساعدات عسكرية أمريكية للضغط على الرئيس الأوكراني زيلنسكي لإجراء تحقيقات حول النشاطات التجارية للإبن البكر لجو بايدن منافسه المتوقع في الانتخابات الرئاسية المقبلة) قرار أربك المؤسسات السياسية في أمريكا وأخل بالتوازن الدقيق بين الكونغرس والبيت الأبيض.

الفوضى والتصارع والتضاد بين الرئاسة والكونغرس الأمريكي في صناعة السياسة الخارجية تجاه المنطقة العربية وغرب آسيا؛ وغياب الكفاءات والمعايير المهنية السمة البارزة التي ترسم معالم السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية؛ فحال العالم العربي (الشرق الأدنى) اليوم كحال الصين في خمسينيات القرن الماضي بحسب ما يفهم من كلام بيرنز فأمريكا فقدت البصر والبصيرة في المنطقة العربية ما يعني أنها لم تعد الفاعل المبادر والأساس في هندسة ورسم معالم السياسة فيها.

ختاما: الأضرار التي لحقت بالسياسة الخارجية الأمريكية تشمل الأقاليم كافة إلا أن نصيب العالم العربي وغرب آسيا الأكبر؛ فالضرر بحسب الخبراء ومن ضمنهم بيرنز سيمتد زمنا طويلا؛ أمر يتطلب من المراقبين والمهتمين في العالم العربي التأمل فيه باعتباره الناظم المستقبلي لعمل السياسة الخارجية الأمريكية خلال الأعوام العشر المقبلة على الأرجح.

التعليقات (1)
محمد قذيفه
الجمعة، 08-11-2019 10:16 ص
وهل لأمريكا ديبلوماسية في عهد ترومب الذي لايعترف لا بالقوانين ولا الأعراف ولا ىالاتفاقيات ولا العهود