هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع وصول عقارب الساعة إلى الثانية عشرة فجر أول أمس الخميس الموافق للسابع من الشهر الجاري، دشّنت إيران المرحلة الرابعة من تخفيض تعهداتها النووية بتنفيذ خطوة نووية، هي الأهم، مقارنة بالخطوات التي اتخذتها خلال المراحل الثلاثة السابقة، شملت تفعيل موقع "فوردو" النووي، تلك المنشأة التي كشفت عنها عام 2009، وكانت تمثل إحدى أهم القضايا ومن أكثرها حساسية في المباحثات النووية التي سبقت التوقيع على الاتفاق النووي بفيينا بالرابع عشر من تموز (يوليو) 2015 بين إيران والمجموعة الدولية المعروفة بـ 1+5.
حساسية أمريكية وأوروبية
وبالعودة إلى التصريحات الأمريكية والأوروبية خلال تلك الفترة، تتضح جليا مدى الحساسية التي كان يبديها الغرب حيال "فوردو"، وهي تعود إلى عاملين أساسيين: الأول لطبيعة عمل المنشأة وأهميتها في عملية تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قياسية، حيث وصل فيها مستوى التخصيب قبل الاتفاق إلى 20 في المائة، ما أثار مخاوف أمريكا وأوروبا ليسرّع التوصل إلى الصفقة النووية. والعامل الثاني أن "فوردو" تقع بعمق منطقة جبلية محصّنة للغاية على بعد 170 كيلومترا من طهران، بالقرب من مدينة "قم" الدينية، الأمر الذي يصعّب تدميرها في أي هجوم جوي محتمل، إذا ما اتخذت واشنطن وحلفائها اللجوء إلى الخيار العسكري في التعامل مع الملف النووي الإيراني.
أوروبا لا تبدو راغبة بالأساس في فعل شيء لصالح إيران فيما يخص الاتفاق النووي، لسببين: الأول أن الشروط والمطالب الأمريكية حول إيران، خصوصا في المجالين الصاروخي والإقليمي، أوروبية أيضا، وتكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لأوروبا.
موقف أوروبي عاجز
أما بعد تنفيذ إيران هذه الخطوة "الهامة" و"الحساسة" والقلق البالغ الذي أبدته أوروبا، فثمة تساؤلات أساسية تطرح نفسها بقوة، منها أنه هل ستدفع الخطوة أوروبا إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، كما هددت به خلال الفترة الأخيرة أم سيكون ردها (أوروبا) بتنفيذ التزاماتها الاقتصادية تجاه الاتفاق النووي، بما يحقق مطالب إيران في بيع نفطها وتسهيل معاملاتها المالية والمصرفية؟
الإجابة على السؤالين سالبة، رغم أن أوروبا لم تتخذ بعد قرارا للرد على الإجراء الإيراني الأخير، إذ فيما يتعلق بالسؤال الأول، يستبعد أن تقدم أوروبا في الوقت الحاضر على تفعيل آلية فض النزاع بالاتفاق النووي، لتنسحب منه وتعيد العقوبات الأوروبية وتحيل القضية إلى مجلس الأمن، لأن الخطوات الإيرانية الأربعة حتى اليوم رغم أهميتها وخصوصا الخطوة الأخيرة، إلا أنها تبقى مضبوطة تحت سقف محدد لم يتعد الخطوط الحمراء الأوروبية، مثل زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي إلى أكثر مما يسمح به الاتفاق النووي وهو 5060 جهازا، بينما كان العدد قبل الاتفاق قرابة 19 ألف جهازا، وكذلك رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20% أو أكثر من ذلك، وأيضا المس بالرقابة الأممية على برنامجها النووي، ويلاحظ هنا التأكيد الإيراني على أن خطواتها لتقليص تعهداتها النووية تُنفذ بإشراف ورقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفيما يتصل بالسؤال الثاني، فإن السلوك العملي الأوروبي رغم المواقف الكلامية على مدى الشهور الـ 18 الماضية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وخصوصا بعد تنفيذ إيران ثلاث خطوات لتخفيض التزاماتها النووية، يبرهن على أن أوروبا غير قادرة أو غير راغبة أن تخطو أي خطوة في سبيل تحقيق مطالب إيران بمعزل عن الولايات المتحدة الأمريكية.
حتى لو قبلنا أن أوروبا لديها رغبة باتخاذ خطوات تعيد لإيران منافعها المصفرة بفعل انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، لكنها عاجزة عن تنفيذ هذه الرغبة بسبب الفيتو الأمريكي