هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد اقتصاديون مصريون أن قرار شركة "شل" العالمية بيع أصولها البرية من النفط والغاز في مصر، التي تقدر قيمتها بمليار دولار، يعكس الأزمة التي يعانيها الاستثمار الأجنبي بمصر، الذي شهد تراجعا كبيرا خلال النصف الأول من العام المالي الجاري 2018/2019، بما يزيد عن 7.7 مليارات دولار في مجالات وقطاعات مختلفة.
وحسب المصادر التي تحدثت لـ"عربي21"،
فإن خروج "شل" ومن قبلها قيام شركة "بي بي" البريطانية
المتخصصة في التنقيب والاستثمار في مجالات الغاز والنفط، ببيع حصتها التي ظلت
تمتلكها لعقود في شركة بترول خليج السويس لشركة "دراجون أويل"
الإماراتية، يطرح العديد من التساؤلات عن حقيقة ما يحدث في قطاع المحروقات الذي
احتل المرتبة الأولى في الاستثمارات الأجنبية بمصر.
وكانت الفترة من 2013 وحتى 2018، شهدت خروج
العديد من الشركات العالمية في قطاعات السيارات، والخدمات المعلوماتية، والنفط،
والمقاولات، والبنوك، من أبرزهم شركات، "ديملر مرسيدس" الألمانية،
"أكتس" المصرفية البريطانية، و"باسف" الألمانية للكيماويات،
و" rwe" الألمانية المتخصصة
في خدمات المرافق، و"جنرال موتورز"، و"Intel" العالمية، ومصانع
"إلكترولوكس" السويدية، وشركة "ياهوو" الأمريكية،
و"يلدز" التركية للصناعات الغذائية.
وفي آخر تقرير إحصائي للبنك المركزي المصري عن
النصف الأول من العام المالي 2018/2019، اعترف البنك بخروج استثمارات أجنبية من مصر
بقيمة 7.749 مليارات دولار، حيث تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 23 بالمئة خلال العام المالي 2018/ 2019، بالمقارنة بالمدة نفسها عن العام السابق 2017/2018.
وحسب دراسة شاملة أعدها أستاذ الاقتصاد بجامعة
القاهرة، أحمد ذكر الله، فإن عام 2017 كان الأبرز في هروب الشركات العالمية
العاملة في مجال مشروعات الطاقة المتجددة، ومن بينها شركة عبد اللطيف جميل
السعودية (700 مليون دولار)، التي أرجعت سبب خروجها من السوق المصري لعدم شفافية
الحكومة المصرية في تعاملها مع المستثمرين.
"عوامل عديدة"
من جانبه يؤكد رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل
والاقتصاد الإسلامي، أشرف دوابة، لـ"عربي21"، أن السبب الأساسي الذي
يدفع شركات مثل "شل" وغيرها، للخروج من السوق المصرية، يعود في الأساس
للبيئة السياسية التي تعيشها مصر مؤخرا، وهي البيئة التي جعلتها ضمن تصنيف الدول
ذات المخاطر الاستثمارية العالية.
ويشير دوابة إلى أن النظام المصري اتخذ العديد من
الخطوات والإجراءات لجذب المستثمرين الأجانب، ولكن كل هذه المحفزات لم تحقق نجاحا،
لعدة أسباب تضاف للانغلاق السياسي، منها سيطرة مجموعات اقتصادية سيادية على الوضع
الاقتصادي، وهذه المجموعات تعد بمنزلة غطاء للمؤسسة العسكرية، وهو أمر لم يعد
النظام المصري يتحرج منه، وإنما أصبح يتوسع فيه بشكل كبير، وهو أحد أبرز مخاطر
الاستثمار، لأن ذلك يجعل المستثمر الأجنبي في مواجهة غير متكافئة مع مؤسسة لديها
إمكانيات وامتيازات وسلطة مطلقة داخل الدولة.
وفيما يتعلق بهروب الاستثمارات المرتبطة بقطاع
الطاقة، يوضح رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي، أنه أمر يدعو
للقلق، خاصة أن النظام المصري يروج كثيرا لفكرة أن مصر أصبحت مركزا إقليميا
للطاقة، ومن أجل ذلك يبرر النظام الاتفاقيات التي وقعها للتنقيب عن الغاز الطبيعي
في شرق المتوسط، وصفقة استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، رغم الاحتياطي الكبير
للغاز المصري.
ووفق دوابة، فإن الاستثمار بشكل عام في قطاع
البترول ليس ميزة كما يردد النظام المصري، لأنه استثمار في شيء استخراجي، وليس
صناعة تحويلية، بالإضافة إلى أن الإطار الحاكم لأي مستثمر سواء محلي أو أجنبي، هو
مدى الاستفادة التي ستعود عليه من ضخ أمواله داخل الدولة، وعندما يشعر بالخطر أو
عدم الجدوى من الوجود، فإنه لن يغامر بالبقاء، كما حدث مع عشرات الشركات التي
خرجت من مصر في مختلف القطاعات وليس الطاقة فقط.
اقرأ أيضا: مصادر: شل تعين سيتي لبيع أصول من النفط والغاز في مصر
"محاولة خداع"
ويؤكد الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام ممدوح الولي لـ"عربي21"، أن الأرقام التي أعلنها البنك المركزي المصري مؤخرا، تدعم ما نشرته الوكالات الاقتصادية عن خروج عشرات الشركات الاستثمارية العالمية من السوق المصري، وهو ما كان في النهاية سببا في خروج 7.7 مليار دولار من قيمة الاستثمارات الأجنبية، وهو أعلى تراجع تشهده مصر خلال السنوات السبع الماضية.
ويضيف الولي قائلا: "الحكومة زعمت أن الاستثمار الذي خرج مرتبطا بالأموال الساخنة، ولكن الحقيقة أن الأموال الساحنة هي المتعلقة ببيع السندات وشرائها، وهو ما يعرف اقتصاديا باستثمار الحافظة، وهو أمر مختلف عن الاستثمارات المباشرة المرتبطة بالمشروعات، أو الصناعات الإنتاجية، التي تعد المقياس الأساسي لوجود الشركات العالمية، أم عدم وجودها".
ويوضح الولي أن الاتفاقيات التي يتم الإعلان عن توقيعها بين مصر والشركات العالمية، أو بين مصر وبعض الحكومات الأخرى خلال الزيارات والمؤتمرات المشتركة، لا تعني بالضرورة أن هناك تدفقا في الاستثمارات الأجنبية لمصر، لأنها في النهاية مذكرات تفاهم، ولا تدخل في بند الاستثمار الأجنبي إلا من خلال البدء بمشروعات حقيقية وليست وهمية.